السلطات السعودية تهمش الطبقة الكادّة وترفع قيم الغرب بتسليع المرأة
"معالجة التشوه البصري"؛ "تحسين المشهد الحضري"، تتلطى السلطات السعودية خلف هذه الحجج في اختصار وافٍ لواقع التحسينات الشكلية التي تجريها. الصفة التي تطغى على "إصلاحات" محمد بن سلمان هي إهمال جذور المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والأمنية في البلاد والتركيز على إصلاح الظاهر حصرا، للتفاقم خلفها آفات المجتمع والحياة في شبه الجزيرة العربية قبل أن تعود وتظهر على السطح مجددا.
امتدادا لاعطاء السلطات الأولوية للشكليات، يعمد هذا النظام تارة إلى هدم الأحياء السكنية لبسطاء الناس وتهجيرهم من أماكنهم وحتى من أماكن أجدادهم لبناء الأبراج بدلا عنها والتي لايزورها سوى "الملوك" وأصحاب المال والشأن، ويعمد تارة أخرى إلى مصادرة أرزاقهم التي افترشوها على الطرقات بسبب غياب فرصهم في الحصول على أماكن مرخصة تحتضن كدّهم لاستحصال المال الحلال.
لا تتكاسل "أمانة الشرقية" عن تتبّع الساعين وراء أرزاقهم، فداهمت خلال الأسبوع الفائت سوق الدمام مصادرة منتجات المواطنين من البائعين المتجولين، ومستولية بكل ما للكلمة من معنى على ما يقارب الطنين من محاصيل الخضار والفاكهة التي عمل المواطنون على زراعتها وحصادها طويلا محاولين التغلب على ظروف البطالة المنتشرة بما في ذلك من بطالة مقنعة.
لا ترحم السلطات السعودية الشباب الساعي خلف لقمة الحلال؛ فبدلا من تنظيم الأسواق لهم وضمّهم تحت جناحيها كما هو الحال في بلد تحترم الدولة فيه مواطنيها، إلا أن حال هذه البلاد ثبت أنه على الضفة الأخرى. ومشهد طوابير الشبان أصحاب الشهادات الجامعية المتكدسين تحت حرارة الشمس المتأملين الحصول على فرصة عمل في ما أُطلق عليه زورا "معهد التوظيف في القطيف" الذي تبين أنه سرابا؛ يمثل خير دليل على مستوى إستلشاء الحكومة بصورتها أمام شعبها.
مشاهد تحسين المشهد الحضري كما تدّعي الأمانة إياها لا يمكن أن يُقرأ في إطار مختلف عن ما تشهده بلاد الحرمين الشريفين من مظاهر تفلّت ترعاها الحكومة رسميّا. فتعمل على استبدال المشاهد التي تذكّرها بعجزها عن إدارة أمور البلاد؛ بمشاهد التعرّي التي تسهّل عليها ركوب موجة الغرب. فقد أُقيم مؤخرا ولأول مرة في تاريخ الجزيرة العربية عرض حيّ لملابس السباحة بجزيرة "أمهات" على البحر الأحمر، حيث ارتدت فتيات أجنبيات ملابس تكاد لا تغطّي شيئا من أجسادهنّ ومشين بين الحضور العرب والأجانب، ولو تمكّنت هيئات الترفيه من وصم عبارات المعاداة لمظاهر الدين على جبينهنّ لفعلت لكي تؤكد نواياها بإفشاء مظاهر الإنفلات.
الخبر الذي تناقلته العديد من وسائل الإعلام الأجنبية بلهجة تعجّب من السرعة التي يقود فيها ابن سلمان مركبة البلاد صادما كل المبادئ الأخلاقية والدينية لمجتمع شبه الجزيرة، كان الذباب السعودي في الوقت نفسه يكذّب الخبر حتى اللحظات الأخيرة مدّعين أن المشاهد المصوّرة هي من خارج البلاد وأنها منسوبة زورا إليها، قبل أن تخرج قناة "العربية" بنفسها وتؤكد على صحة الخبر زافّة إياه ضمن مظاهر الانفتاح والتحضّر.
لعلّ أول "مُستفقَد" في ظل هذه الأحداث هم شيوخ البلاط الذين سبق أن حرّموا التجمعات المنددة بجرائم كيان الاحتلال بحق أبناء فلسطين بحجة خطر الاختلاط، أين هم هؤلاء اليوم من محافل الفجور التي علت صوتها على أصوات الأذان، ألم تصل أصوات الشياطين إليهم؟ بعد أن باتت أصوات "الله أكبر" تشوّش على مسامع ابن سلمان والفرقة التي تحيط به.
الجزيرة التي شهدت عرض ملابس السباحة، تقع قبالة الساحل الغربي لشبه الجزيرة العربية، ولا يمكن الوصول إليها سوى عبر القوارب. وعلى بعد أميال فقط من مشاهد النساء شبه العاريات؛ تقبع أجيال كاملة تنتمي لسلالة "الحكم" نفسه، لكنها لا تزال تؤمن بأفكار دينية تصل حد اعتقاد تحريم إظهارالمرأة لوجهها وكفّي يديها. ليتقدّم أمام هذين الواقعين تساؤل كيف يمكن لهذه الأرض أن تحوي كل هذه التناقضات الصارخة.
لا شيء يدعو للاستغراب من التحوّل الذي طرأ على سياسة حكم البلاد، عندما يصبح يقينا أن هذه السياسات ومع تبدّل أوجهها يبقى الهدف منها إحكام السيطرة على المجتمع عبر إرساء مبادئ متشددة تارة تزرع بذور الرعب مع التبعية العمياء لمشايخ وفتاوي؛ وتارة تزرع بذور التفلّت الأخلاقي لتتبع الشهوات والنفس الأمّارة بالسوء، لتضمن في نهاية الأمر قبضتها على وعي المواطنين.
ارسال التعليق