البرقيات المسربة للخارجية السعودية.. الحلقة الثالثة
الوثائق الكاملة للبرقيات السرية لوزارة الخارجية السعودية التي تتضمن المراسلات السرية لوزارة الخارجية السعودية المسربة عبر موقع ويكيليكس والتي هزت الرأي العام العالمي لما حوته من قضايا سياسية خطيرة لم يكشف عنها النقاب من قبل.
ونكشف هذه الوثائق السياسية السرية تباعا لتسلط الضوء على كيفية إدارة الرياض لسياستها الخارجية وتوظيف الدين لخدمة السياسة وتوظيف الثروة لصالح النافذين من خلال الوثائق التي وردت في كتاب “البرقيات السرية لوزارة الخارجية السعودية” الذي أعده المؤلف سعود بن عبد الرحمن السبعاني.
ويكشف الكتاب خفايا صناعة القرار في المملكة السعودية وكيف تدار الدبلوماسية السعودية في الخارج.
وفي هذه الحلقة ننشر جانبا من البرقيات التي تكشف كيف سعت الرياض لتوظيف الدين مرة أخرى لصالح تحسين صورتها.
أرادت الرياض أن تحظى باهتمام دول الغرب والمراكز البحثية والمؤسسات الحقوقية الغربية.
وتلقت نصائح بأن ذلك لن يتم إلا من خلال التطبيع المقنع مع الإسرائيلييين والأحزاب والجمعيات المسيحية التي تكن عداء وحقدا دفينا للسعودية بسبب نهجها القائم على التطرف والفكر التكفيري.
اهتدت الرياض الى فكرة إعادة طرح نفسها من بوابة حوار الاديان لتضرب عصفورين بحجر ، خطب ود الجمعيات الغربية وتحسين صورة السعودية كبلد يقمع الحريات واتخاذ حوار الأديان نافذة للتطبيع الخفي مع إسرائيل.
السطو على مبادرة قطر
أدرك القصر انه يريد جلب حاخامات إسرائيل ليلتقوا بعلماء ومشايخ المملكة في هذا المحفل الذي يستهوي الغرب فأطلقت الرياض مبادرة حوار الاديان . علما بأن أصل فكرة حوار الأديان في الجزيرة العربية كانت قطرية حيث بادرت الدوحة بإنشاء مركز الدوحة لحوار الأديان سنة 2007 ولكن كما جرت عادة الرياض في مماحكة الدوحة فقد سارعت بإنشاء مركز حوار الأديان في فيينا في شهر ديسمبر سنة 2012.
لكن الانتقادات التي وجهت الى الرياض جعلتها تعدل من المسمى الذي أطلقته في بادئ الامر وهو حوار الأديان بعد أن أبلغت بان قطر أطلقت مبادرتها لحوار الاديان قبل السعودية بخمسة أعوام ولديها مركز يحمل ذات الاسم ” مركز الدوحة لحوار الأديان ” . والمعضلة الأخرى التي واجهتها الرياض هي دخول البوذيين على الخط ، اذ حضروا الى المؤتمر الذي انعقد في مدريد وطلبوا اضافتهم لمركز الملك عبد الله الذي افتتحه في فيينا وهنا اضطرت الرياض لتغيير الاسم حسب نصيحة مستشاري القصر فأصبح يحمل اسم ” مركز الملك عبد الله للحوار بين اتباع الديانات والثقافات”.
10 قساوسة في السعودية
دخول البوذيين على الخط أوقع القصر في حرج مع العلماء والمشايخ الرافضين اعتبار البوذية ديانة سماوية أو على الأقل ليست ديانة إبراهيمية، لكن الرياض لم يكن يهمها من وراء المركز سوى تحسين صورتها وليس اجراء حوار بين الديانات. خاصة بعد أن تقاطر الكثير من الحاخامات اليهود على المركز وبات الكثير من القساوسة يطلبون المشاركة في مؤتمرات المركز بل ان بعض القساسوسة تجرأوا فأفصحوا عن مهامهم داخل المملكة العربية السعودية وطلبوا المشاركة في مؤتمرات المركز .
كما هو الحال مع الاسقف الكاثوليكي لجنوب الجزيرة العربية كاميلو بالين اذ اعلن انه يرأس عشرة قساوسة يعملون في السعودية مسؤولون عن رعاية اكثر من مليون ونصف مليون مسيحي وعائلاتهم يعملون في السعودية غالبيتهم من الفلبين وكان 3 من هؤلاء السقاوسة يعملون في شركة أرامكو ، وشجعهم على الاعلان عن أنفسهم رعاية القصر الملكي لمؤتمرات حوار الاديان رعاية مباشرة حيث يحمل المركز اسم الملك عبد الله.
لكي تزيد الرياض في حبكة الدور عينت نائبا يهوديا للمركز لتظهر بمظهر المحب لليهود وكنوع من المزايدة على مركز الدوحة الذي كانت مشاركة الحاخامات فيه محدودة ومشروطة بعدم ارتباطهم باسرائيل ، ولكي تظهر الرياض بعين المحب لإسرائيل عينت الحاخام دافيد روزن نائبا لمدير المركز وهو سبق له العمل في الجيش الاسرائيلي فأصبح الحاخام دافيد روزن وفيصل بن عبد الرحمن بن معمر مدير المركز وحمد الماجد عضو مجلس ادارة المركز اصدقاء ورفاق درب يناقشون سبل التعاون والمحبة بين العرب المسلمين واليهود الصهاينة المغتصبين لأرض فلسطين.
وتأسست عضوية المركز من النمسا وإسبانيا والسعودية التي تحملت ميزانية التأسيس بمبلغ 18 مليون يورو.
وما يؤكد دوره السياسي ان وزراء الخارجية في الدول الثلاث هم القائمون على المركز بالإضافة إلى شخصيات دينية وثقافية ليسوا معروفين في مجال الحوار، وليس لهم خلفيات دينية.
وكانت توجيهات القصر بتشجيع مشاركة أشخاص سعوديين في أنشطة المركز رجالا ونساء ويفضل من هم خارج الجهاز الحكومي وممن يعرفون بولائهم وسلامة منهجهم لكي يكون لهم تأثير على المشاركين من الدول المختلفة حسب ماتؤكده برقية القصر الى الامين العام للمركز.
وتكشف الوثائق والبرقيات الصادرة عن القصر الملكي ووزارة الخارجية السعودية ان المركز انشئ بهدف تحسين صورة المملكة وليس للمركز أي تأثير يذكر على حوار الثقافات والحضارات، حيث تشير الوثائق أنه “تأسس عام 2012، لكنه بدأ أول نشاط له عام 2013″، وهدفه “سياسي لتحسين صورة السعودية”.
انفقت السعودية المليارات من أجل تحسين صورتها عبر مركز الملك عبد الله ومن قبله مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني في مدريد
ولإفساح المجال أمام مركز الملك عبد الله للحوار بين اتباع الديانات والثقافات صدرت الأوامر بحل مؤسسة كانت تسمى مؤسسة التعايش ساهم في انشائها محمد عبد اللطيف جميل حسبما تشير برقية صادرة من وزيرالداخلية الى محمد عبد اللطيف جميل تفيد بضرورة انهاء هذه المؤسسة وقطع علاقته بها وان يقوم بترتيب ذلك بطريقة مناسبة لا تثير الانتباه وبما لا يسبب احراجا للاسلام ولا للمملكة ولا له شخصية باعتباره المسمى الوحيد بين المؤسسين وان يتم التنسيق بشأن التعايش والحوار من خلال مركز الملك عبد الله.
دور سياسي
ويشكك مدير مركز الأبحاث الثقافية والإسلامية في فيينا في أهداف “مركز الملك عبد الله الدولي للحوار بين الأديان والثقافات ” مؤكدا انه أنشئ من أجل تحسين صورة السعودية في الغرب وأوروبا”.
النمسا أعلنت انها ترغب في قطع علاقتها بمركز الملك عبد الله للحوار بين الأديان والحضارات بعد تجاوزات حقوقية من جانب الرياض اثر اعتقال ناشطين سعوديين على شبكة الانترنت وكشفوا في تقارير عدة ان المركز سياسي أكثر منه ثقافي أو ديني يهتم بمسألة الحوار.
اهتمت الخارجية السعودية بالجدل المثار حول المركز ودوره في تحسين صورة المملكة وتناقض ذلك مع بعض الممارسات السعودية المخالفة للحقوق والحريات ، حيث صدرت توجيهات ملكية نقلتها برقية تلقاها وزير الخارجية السعودي تفيد بأنه ” قد تجد مبادرتنا بانشاء مركز الملك عبد الله للحوار بين اتباع الديانات والثقافات من يسعى الى تعطيل مسيرتها والتشويش عليها من خلال طرح بعض المطالب لإحراج المملكة وإظهارها في وضع تناقض فيه ماتدعو اليه من حوار وتسامح بين اتباع الديانات والثقافات . ونصح بأن يكون لدى القائمين على مركز الحوار خلفية مسبقة عن هذه الجوانب للتعامل معها بحكمة وروية عند طرحها بما يتناسب والموقف وبما يخدم المملكة حتى لايحدث تشويش على مسار عمل المركز وبلوغ اهدافه النبيلة.
إلا حقوق الإنسان
حاولت عدة مراكز حقوقية عربية التعاون مع مركز الملك عبد الله للحوار بطلب عقد مؤتمرات مشتركة لكنها جوبهت بالرفض خاصة مع ارتباط اسمائها بحقوق الانسان القضية التي تثير الفزع في المملكة.
برقية من سفارة المملكة في العاصمة الاردنية عمان تشير الى شيء من ذلك حيث ابرقت السفارة ما يفيد برغبة مركز الجسر العربي للتنمية وحقوق الانسان وهو مؤسسة مجتمع مدني في عقد مؤتمر لحوار الاديان وتعزيز قيم التسامح يضم مؤسسات المجتمع المدني في العالم العربي ويرغب في مؤازرة المملكة وكان الرد ان يتم صرف النظر عن ذلك.
التقاعس عن ميانمار
وثيقة أخرى تؤكد ان المركز ليس له هدف للحوار الحقيقي وانما هو مجرد واجهة لتحسين الصورة حيث تلقت ادارة العلاقات متعددة الاطراف بوزارة الخارجية برقية حول زيارة قام بها وفد من جمعية الاديان من اجل السلام في ميانمار يضم قيادات دينية اسلامية ومسيحية وبوذية تشيد فيها بحرص المملكة على التعايش السلمي بين اتباع الديانات والثقافات وتطالب بافتتاح فرع للمركز في ميانمار بصورة عاجلة باعتبار ان ميانمار احد معاقل البوذية واتساع رقعة الاسلاموفوبيا في ميانمار حيث توجد اقلية مسلمة تتراوح بين 5 – 8 ملايين مسلم وخاصة مع تصاعد التوتر ووجود اجماع دولي بأن التحدي الاول امام ميانمار هو تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة لجميع الاقليات العرقية.
وكان رد وزارة الخارجية بضرورة التريث في فتح فرع في ميانمار او بدء اي نشاط في هذا المجال مع شكر الجهات المعنية على ماأبدته من تقدير للمملكة ! رغم ان الهدف الاول من انشاء المركز وفق اتفاقية التأسيس هو : تعزيز الحوار بين أتباع الاديان والثقافات والتصدي لسوء استخدام الدين لتسويغ الاضطهاد والعنف والصراع !
ارسال التعليق