بن نايف تحت الإقامة الجبرية.. ماذا عن موقف واشنطن؟
يبدو أن عزل محمد بن نايف، ولي العهد وزير الداخلية سابقاً، لم يمر كما أراد محمد بن سلمان، ولي العهد وزير الدفاع نائب رئيس مجلس الوزراء حالياً؛ فصراع المحمدين على الرغم من انتهائه بعزل بن نايف –الذي قَبّل بن سلمان يده وطرف ثوبه أمام الكاميرات- لم يمر دون تداعيات، سببها العقلية الحاكمة للتغيرات الداخلية في السعودية، وآليات انتقال الحكم داخل العائلة المالكة، والتي في مجملها تنتمي للعصور الوسطى، حيث فرض الإقامة الجبرية على شخص بأهمية بن نايف أمر اعتيادي حتى بعد تسوية وإخراج سياسي وإعلامي في الداخل والخارج لسلاسة تمرير الحكم لنجل الملك سلمان، للمرة الأولى في تاريخ آل سعود، حيث كان الحكم يمرر بين الأشقاء- أنجال الملك المؤسس، لكن فيما يبدو أن نقل الحكم من سلمان لنجله محمد تطلب إقامة جبرية وربما احتجاز قسري لبن نايف في أحد قصوره بمدينة جدة، بعدما كان من المفترض أن يذهب لدولة المغرب –المحل المفضل لأمراء آل سعود للتقاعد والاستشفاء- للإقامة هناك، والتي كانت محطة شبه دائمة له في العاميين الماضيين. ولكن ما كشفت عنه صحيفة “نيويورك تايمز” منذ يومين عن فرض بن سلمان الإقامة الجبرية على بن نايف يشي بأن الأول مازال يخشى ردة فعل الثاني، والذي كان من المفاجئ أن تمرير قرار عزلة تم بهذه السلاسة التي أظهرتها وسائل الإعلام السعودية والموالية للرياض، وأخفت على مدار الأيام الماضية الشكوك والقلاقل التي تعم البيت السعودي الحاكم للدرجة التي تجعل شخص بمكانة وأهمية بن نايف رهن الإقامة الجبرية.
هذه التداعيات ليست متعلقة حصراً ببن نايف؛ فوجود أي قلاقل لولي العهد الجديد داخل الأسرة الحاكمة يعني فرصة لتجديد أصوات معترضة داخل آل سعود ضد سلمان ونجله أمراء نافذين تم تقليص سلطاتهم على مدار العاميين الماضيين لصالح تقدم بن سلمان نحو العرش، سواء كان ذلك بـ”القرارات الملكية” المتتالية منذ 2015، أو لعوامل المرض والتقدم في العمر والموت –مثل آل الفيصل وآل سلطان وانتهاء نفوذهم في الخارجية والاستخبارات والجيش والسفارة السعودية في واشنطن لصالح بن سلمان- ومعنى أن يكون هناك ارتكاز للأصوات المناهضة لبن سلمان في آل سعود تدور في فلك شخص بن نايف فإن هذا يفتح سيل من الاحتمالات لتمدد صراع الحكم في المملكة بعد سلمان ليس فقط بين المحمدين، ولكن داخل الأسرة ككل بمن فيهم الذين تم الإطاحة بهم وتقليص نفوذهم على مدار العاميين الماضيين، أو حتى ممن التزموا الصمت والطاعة، كمتعب بن عبدالله، الذي كان من المقرر أن يكون ولي ولي العهد، لكن سلمان آثرها لنجله المفضل.
في نفس السياق، رأى المحلل والباحث المختص بالشأن السعودي، مدير برنامج سياسات الخليج والطاقة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، سايمون هندرسون، أن مسألة إخضاع بن نايف ووضعه تحت الإقامة الجبرية لها مدلولات خطيرة على مستويات السياسة الداخلية والخارجية، بما في واشنطن التي لم تهتم بما حدث في السعودية إلا من زاوية الشخص الذي سيحقق لترامب الصورة الدعائية الناجحة ويدفع 480 مليار دولار مقابل تحسين العلاقات بين البلدين التي ساءت في أواخر عهد أوباما، وهو من وجهة نظر هندرسون لن يكون كافياً كسياسة مستقبلية بين الرياض وواشنطن حال تفاقمت القلاقل البادية في طريق بن سلمان للعرش، وبالتالي تغير موازيين القوى داخل الأسرة المالكة وما سيترتب على ذلك مستقبلاً إذا ما أبقت واشنطن على توجهها فيما يخص الصراع على العرش السعودي. وفيما يلي طرحّ هندرسون المنشور على موقع المعهد:
يتعارض مظهر التغيير السلس في منصب ولي العهد السعودي الأسبوع الماضي مع التقارير التي تفيد بأن ولي العهد السابق موضوع الآن تحت حراسة مسلحة، ومحتجز في قصره في مدينة جدة.
إن التقارير المتعلقة بمصير ولي العهد ووزير الداخلية السابق محمد بن نايف، بما فيها تقرير نُشر في صحيفة “نيويورك تايمز”، لا تشير إلى وجود خلافات سياسية فحسب، بل تشكل مبعث قلق أيضاً بشأن السيطرة على مختلف فروع القوات المسلحة السعودية.
وعلى الرغم من أن تقرير “نيويورك تايمز” قد وُصف من قبل مسئول سعودي بارز لم يُذكر أسمه ونقلته عنه وكالة أنباء “رويترز” أن تقرير الصحيفة الأميركية “مُلفق”، إلا أن الأمير محمد بن نايف اعتُبر على نطاق واسع ناقداً للسياسات التي يُروّج لها خلفه، وزير الدفاع وسابقاً ولي ولي العهد محمد بن سلمان، الإبن المفضل للعاهل السعودي الملك سلمان.
وعلى وجه الخصوص، كان محمد بن نايف ضد أسلوب التدخل السعودي في الحرب الأهلية اليمنية في عام 2015، التي لم تحقق بعد النتيجة المرجوة على الرغم من الاستخدام الهائل للقوة العسكرية السعودية، وخاصة القوات الجوية. وفي الآونة الأخيرة، كان محمد بن نايف قد عارض على ما يبدو المواجهة مع قطر التي اندلعت في أواخر مايو، بعد أيام قليلة من زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الرياض. وقد قطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها الدبلوماسية مع قطر وفرضت عليها حصاراً برياً وبحرياً وجوياً. وفي حالة كل من اليمن وقطر، يرى محمد بن سلمان تدخلاً إيرانياً يريد وقفه.
وعلى الرغم من كون محمد بن سلمان وزيراً للدفاع، وسيطرته على الجيش السعودي والقوات الجوية والبحرية السعودية، فضلاً عن “الحرس الملكي”، إلا أن هناك قوات كبيرة ومسلحة تسليحاً جيداً تقع تحت إشراف وزارة الداخلية ووزارة الحرس الوطني. وتقع الآن وزارة الداخلية تحت مسؤولية ابن شقيق الأمير محمد بن نايف العديم الخبرة، عبد العزيز بن سعود بن نايف، في حين أن “الحرس الوطني السعودي”، الذي يعمل أيضاً كنظام دعم اجتماعي للقبائل، لا يزال تحت قيادة الأمير متعب بن عبدالله، ابن الملك الراحل عبدالله وصديق مقرب وحليف سياسي لمحمد بن نايف.
وعلى الرغم من الرفض الرسمي، ويمين الولاء الذي عُهِد إلى محمد بن سلمان الأسبوع الماضي من قبل عشرات الأمراء من بينهم محمد بن نايف ومتعب بن عبدالله، ونظراً لعجز العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، الملك الفعلي للسعودية، فإن ارتقاء محمد بن سلمان لمنصب ولي العهد لن يكون مضموناً إلى أن يكسب السيطرة الكاملة على “الحرس الوطني السعودي” ووزارة الداخلية. وقد يشير التوقيت المفاجئ وعدم اكتمال عملية الانتقال في الأسبوع الماضي إلى أن محمد بن سلمان كان يتوقع تحرّك محمد بن نايف ضده.
يُذكر أن الولايات المتحدة – التي لطالما كانت قلقة بشأن السعودية التي هي أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم والتي تبرز نفسها كزعيمة العالم العربي والإسلامي – تواجه تحدياً يتمثل فيما إذا كانت ستنحاز إلى جهة معينة فيما يتعلق بالسياسة الملكية السعودية. ومن الناحية التاريخية يؤيد بيت آل سعود الولايات المتحدة. إن الجواب البسيط يؤكد هذه المعضلة – يجب على واشنطن دعم الجانب الرابح. ولكن ينبغي عليها أيضاً أن تضع في اعتبارها تغيير آليات الصراع داخل العائلة وعليها أن تخطو بحذر. وعلى الرغم من أنه يبدو أن محمد بن سلمان هو وجه السعودية الجديدة، إلا أنه ربما لم يحصل حتى الآن على الدعم الذي يسعى إليه من العائلة المالكة.
بقلم : اسلام ابو العز
ارسال التعليق