تحالف الأنظمة العربية مع الكيان الإسرائيلي؛ الأبعاد والنتائج
لم تختلف مواقف التي تصدر عن بعض الدول العربية، الخليجيّة تحديداً، عن تلك السابقة خلال فترة ما بعد الأزمات الإقليمية التي بدأت في العام 2011، ولكن مع ذلك فقد اتسمت الأشهر الأخيرة بالحدّة ورفع السقف مع بعض المتغيّرات على مواقف استراتيجية في مقدّمتها القضيّة الفلسطينية والكيان الإسرائيلي.
قد لا يختلف اثنان على فشل أي محور في تحقيق أهدافه بشكل مطلق على حساب المحور الآخر بدءاً من سوريا مروراً بالعراق ووصولاً إلى اليمن، إلا أنه في الوقت عينه هناك دول حقّقت انتصاراً نسبياً في هذه البلدان، ولعل السعودية سواءً في سوريا أو اليمن هي الخاسر الأبرز.
خسارة السعودية وحلفائها، وفي مقدّمة هذه الحلفاء الإمارات، دفعت بهذه الدول للجوء إلى بديل يسمح لها بتغيير المعادلة في صالحها، ولعل هذا الأمر ما يفسّر زيارة اللواء السعودي أنور عشقي إلى الكيان الإسرائيلي، فضلاً عن طفرة التصريحات الخليجية التي يستشف منها لهجة التخاذل بحق القضيّة الفلسطينية.
الذريعة الطارئة
وعند الغوص في تفاصيل المشهد، يُتّضح أن تغيير البوصلة احتاجت إلى ذريعة طارئة تسمح بهذه النقلة النوعية، فعمدت هذه الدول إلى تعويم العدو الإيراني مقابل العدو الإسرائيلي. حينها عمد الإعلام المحسوب على المحور السعودي للتركيز على حركات المقاومة في المنطقة، ومحاربتها عبر ربطها التام بإيران رغم أن الأخيرة قدّمت الغالي والنفيس لحركات المقاومة والقضية الفلسطينية.
بعد فترة رفعت السعودية من مستوى عدائها لإيران، لا بل اعتبرت أن مواجهتها أولى من مواجهة الكيان الإسرائيلي، الأمر الذي سمح لها بالانتقال تدريجياً نحو الكيان الإسرائيلي وهو ما لمسناه في العديد من التصريحات الإسرائيلية والعربية كان آخرها تغزّل نتنياهو بالسعودية بعد موسم الحج الأخير.
الأبعاد والنتائج
بعيداً عن الذرائع التي لم تنحصر بالشق الإيراني، حيث استغل العديد من اللاعبين في الأزمة السورية الإرهاب والإرهابيين أداة لتمرير سياساتهم، وهو ما فعله الکيان السرائيلي تماماً، يحمل هذا التقارب الخطير أبعاداً ونتائج كارثية، وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى النقاط التالية:
أولاً: لطالما كان التقارب مع الكيان الإسرائيلي شرارةً لإشعال حرب أهلية، ففي لبنان على سبيل المثال عندما قرّر البعض الاستعانة بالكيان الإسرائيلي، وجدوا أنفسهم أمام ردّة فعل شعبية عارمة أفضت لاحقاً إلى حرب أهلية دامت أكثر من 15 سنة. وعند التدقيق في نتائج هذا التقارب يبدو أن الجميع خسر من هذا التحوّل، إلا أن المقاومة أصبحت اليوم، وبعد أكثر من 30 عاماً هي الأقوى على الساحة اللبنانية، وفاعلةً أيضاً في الساحة الإقليمية.
ثانياً: لن يقتصر التقارب على الشقّ الإعلامي، بل وقبيل دخوله في المرحلة التنفيذية النهائية ستستخدم الدول الراعية لهذا التحوّل أدواتها بغية الوصول إلى أهدافها. الإمارات ستحذو حذو واشنطن حيث ستعزّز علاقاتها الاقتصادية مع الكيان الإسرائيلي، وربّما عبر ذرائع عرب 48 أو فلسطينيي الضفّة، في حين أن السعودية ستستخدم الفتاوى الدينية في تبرير أي تقارب مرتقب، قد بدأته الرياض منذ فترة ليست بقريبة.
ثالثاً: لن تكون الدول هذه بمنأى عما يحصل في المنطقة. بعبارة أخرى، وفي حال قرّرت الانخراط في المشروع الإسرائيلي بشكل علني ستقطع على نفسها أي طريق للعودة في يوم من الأيام، لأن القضية الفلسطينية وقبلة المسلمين الأولى لا زالت خطّاً أحمر حتى الساعة، رغم أن هذا الخط يعد أحد أبرز أهداف الحرب الناعمة التي تطال شعوب المنطقة. ففي حال طال التقسيم سوريا والعراق، لن تكون السعودية، وكذلك مصر عن هذا الأمر ببعيد، ليبقى الكيان الإسرائيلي الأبرز في المنطقة.
رابعاً: الكيان الإسرائيلي بدوره سيعمد إلى جملة من الخطوات التقسيمية، التي تجعله المستفيد الأبرز مما يحصل. ففي فلسطين المحتلّة انتهز الكيان الإسرائيلي الخلاف بين حماس وفتح، كما أنه المستفيد الأبرز مما يحصل في سوريا والعراق، ولن يألو جهداً في تمديد هذا الواقع.
خامساً: لكل فعل ردّة فعل، فأي خطوة تقارب علنية، بمثابة إعلان حرب على شعوب المنطقة التي قد تصدر “البيان رقم واحد” حينها. ما غفلت عنه هذه الدول أن الاوضاع ورغم صعوبتها تبدّلت كثيراً ففي العراق هناك الحشد الشعبي، وفي اليمن هناك حركة “أنصار الله”، فضلاً عن حزب الله في لبنان.
رغم الجهود الغربية والعربية لتطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي، لا زالت شعوب المنطقة تتخذ من القضية الفلسطينية شعاراً لها، الأمر الذي يؤكد أن الرهان على الدخول في علاقات لنية أمر غير ممكن للشعوب حالياً، وإن فعلته بعض الأنظمة.
ارسال التعليق