جريمة قتل خاشقجي تركت ابن سلمان في دوامة من العزلة
رأى موقع بلومبيرج أن جريمة قتل الصحفي “جمال خاشقجي”، داخل قنصلية المملكة في مدينة إسطنبول التركية في الثاني من أكتوبر 2018، تبقى القضية التي دمرت ما حاول أن يبنيه “محمد بن سلمان” خلال رحلته إلى الولايات المتحدة قبل نحو عام والتي كانت مليئة بفعاليات وهدف خلالها إلى نسج علاقات هامة مع عالم الأعمال هناك. لقد تركت تلك الجريمة البشعة وريث العرش السعودي، ولي العهد البالغ من العمر 33 عاماً، في عزلة، وقوّضت قدرة حكومته على ترميم العلاقات مع الولايات المتحدة وزادت الشكوك بفرص نجاح رؤية ولي العهد للتنمية الاقتصادية “السعودية 2030”.
وأضاف الموقع: بدلاً من تقلص الغضب على مقتل “خاشقجي” بعد أكثر من 5 أشهر، تواصل غضب الكونغرس؛ حيث صوّت مجلس الشيوخ، في 13 مارس الجاري، على مشروع قرار ينص على إنهاء الدعم الأمريكي للحرب التي يشنها التحالف بقيادة السعودية في اليمن. وبوفق القرار يتوجب على الرئيس “سحب القوات المسلحة الأمريكية من الأعمال القتالية في اليمن أو التي تؤثر عليها” خلال 30 يوماً.
وأضاف الموقع: لا تزال السعودية تحظى بدعم كبير من الرئيس ترامب وكبار مساعديه، الذين يقولون إن أهمية المملكة كحليف استراتيجي ضد إيران وكمشترٍ للأسلحة الأمريكية تفوق المخاوف بشأن ما إذا كان “محمد بن سلمان” أمر بقتل “خاشقجي” أم لا؟. لكن حكام السعودية يجدون أنفسهم، الآن، أكثر عزلة في الولايات المتحدة من أي وقت مضى منذ هجمات 11 سبتمبر 2001، التي نفذها 19 شخصاً بينهم 15 سعودياً. فمثلاً يدعو أعضاء في الكونغرس لإجراء تحقيق بشأن محادثات إدارة “ترامب” لتزويد السعودية بتكنولوجيا نووية، فيما هدد بعضهم بعقوبات جديدة على خلفية جريمة قتل “خاشقجي”.
وعن ذلك، قال النائب الديمقراطي “جيم ماكغفرن”: “مراراً وتكراراً، أظهر النظام السعودي تصرفات وحشية كتلك التي سادت في العصور الوسطى”. ويجب على هذا الكونغرس أن يعلن بوضوح أن العمل كالمعتاد مع المملكة انتهى، وأن هناك عواقب يتعين أن تواجهها السعودية”.
ومؤخراً، شارك في فعالية حول “التعذيب في المملكة” كل من “ماكغفرن”، والسيناتور الديمقراطي” باتريك ليهي”، و”أحمد فتيحي”، وهو نجل المواطن أمريكي سعودي المعتقل بالمملكة “وليد فتيحي”، و”وليد الهذلول”، شقيق الناشطة المعتقلة “لجين الهذلول”. وخلال تلك الفعالية قدّم “فتيحي” والهذلول” روايات مروعة عن المعاملة الوحشية التي يكابدها ذووهم في المعتقلات السعوديّة.
وفيما تشبه الخروق التي يزيد اتساعها في ثوب التحالف الأمريكي السعودي، بات أعضاء في الكونغرس من كلا الحزبين، يستخدمون بانتظام مصطلحات كانت مخصصة لأعداء أمريكا في وصف “ابن سلمان”.
إذ قال “ليهي”، الخميس الماضي، إن مقتل خاشقجي كان “وحشياً للغاية، ولم أكن أتوقعه“. واعتبر أن قيادة المملكة تتصرف وكأنها “منظمة إجرامية”؛ “فهي تبدد ثروة البلاد النفطية في تطبيق سياسات قمعية وممارسات قاسية”. ومؤخراً، أيضاً، وصف السيناتور الجمهوري “ماركو روبيو” ولي العهد بأنه “رجل عصابات بكل ما تعنيه الكلمة من معنى”.
وقبل عام، كانت الأمور مختلفة للغاية. إذ كان الأمير يمتطي وعوده بالإصلاح، بما في ذلك السماح للمرأة بقيادة السيارة، وبيع حصة في شركة أرامكو النفطية، وإنهاء حظر دور السينما العامة.
لكن قتل “خاشقجي” وتواصل الإحباط من انتهاكات حقوق الإنسان وحرب اليمن - كتفجير حافلة مدرسية مكتظة بالأطفال - غير كل ذلك. ومما زاد الأمر سوءًا بالنسبة لولي العهد - ونقل موقع بلومبيرغ ما ذكرته صحيفة “نيويورك تايمز” حول الحملة التي قادها لإسكات المعارضين، قبل أكثر من عام من قتل “خاشقجي”، والتي شملت ممارسات قمعية كالخطف والاعتقال والتعذيب، وفقاً لمسؤولين أمريكيين.
ويرى “بين فريمان” الباحث في “مركز السياسة الدولية”، وهي مجموعة تراقب الضغط السعودي في العاصمة الأمريكية: رغم جهود الضغط السعودية، صوّت مجلس الشيوخ الأمريكي ضد دعم الحرب في اليمن، مشيراً إلى أن “جهود المملكة للوصول إلى صناع القرار في واشنطن واجهت عقبات قبل قتل خاشقجي، لكن الجريمة جعلت الأمر أكثر صعوبة”. وأضاف: “توقفت بعض مراكز الفكر عن قبول المال من السعوديين”، و”الأهم من ذلك هو أن أعضاء الكونغرس توقفوا عن دعم السعوديين”.
وفي السنة التي سبقت اغتيال “خاشقجي”، أنفقت السعودية حوالي 10.9 مليون دولار على شركات العلاقات العامة والضغط للتأثير على الحكومة الأمريكية والجمهور، وخلالها، قامت 28 شركة أو فرداً بممارسة الضغط أو العلاقات العامة لصالح السعوديين. لكن في غضون شهرين فقط من جريمة قتل “خاشقجي”، ألغت 6 شركات عقودها مع السعوديين.
ورغم الضغوط الحاليّة، لا تزال المملكة شريكاً مهماً لواشنطن. فمثلاً قال الجنرال المتقاعد “جون أبي زيد”، مرشح الرئيس ترامب كسفير لواشنطن في الرياض: “الولايات المتحدة لديها تعاون تاريخي طويل مع السعودية. ومن الصعب تخيل أي نجاح لجهودنا بمحاربة التشدد أو مواجهة إيران دون التعاون مع الرياض”.
ومثل هذه الرسائل قد تعزّز وجهة نظر ولي العهد القائلة بأنه يمكن أن يتخطى موجة الغضب على قتل “خاشقجي” بمرور الوقت، حسب “بول بيلار”، الضابط السابق بوكالة الاستخبارات المركزيّة. وقال “بيلار”: السياسة الأمريكيّة جعلت الأمير يعتقد بأنه يمكن أن يفلت من العقاب.
ارسال التعليق