مأساة آل العشاري اليمنية في السجون السعودية
في غياهب السجون السعودية قصص تروى وأخرى لا تجد عنها "مخبّر". قصة اليوم عن 3 مواطنين يمنيين (2 أشقاء وعمهم) معتقلين منذ 25 ديسمبر/كانون أول 2021 .
غربة في مملكة الموت لأجل لقمة العيش، يحيلها النظام السعودي إلى غربة مزدوجة غربة عن الوطن وغربة عن الحرية. بشار معاذ أحمد حمود العشاري، أحمد معاذ حمود العشاري ومحمد أحمد حمود العشاري، ثلاثة من أبناء اليمن، وكغيرهم، ضاقت بهم سبل الحياة في بلادهم فلجؤا لخيار طلب الرزق عند "الجارة الكبرى"، ليجدوا أنفسهم محاصرين برزمة من التهم الكفيلة بإنهاء اعمارهم وفقا لتقدير القاضي ومحكمة الإرهاب.
هكذا يواجه بشار معاذ أحمد حمود العشاري (17 سنة) خطر تنفيذ حكم الإعدام، الصادر بحقه بتاريخ 26 فبراير/ شباط 2023 ، بعد استنفاذ كل الطرق القانونية لتغيير الحكم من قبل محكمة الاستئناف والمحكمة العليا اللتان صدقتا على قرار "المحكمة الجزائية المتخصصة".
القاصر اليمني، من محافظة إب اليمنية، دخل المملكة بطريقة غير شرعية ودون أن يمتلك ما يثبت هويته. الحكم الصادر بحقه لا يتعلق طبعا بدخوله البلاد أو عمله كحارس عمارة دون أن يمتلك ترخيصا للعمل، بل ببساطة قدم المدعي العام للمحكمة اتهامات للقاصر بـ"مشاركته في أعمالاً إرهابية نتج عنها مقتل وإصابة بعض منسوبي قوات التحالف والشرعية، وانضمامه لجماعة الحوثي الإرهابية ومشاركته في أعمالها، وتأييده الفكر الإرهابي والجريمة الإرهابية وحيازته صوراً بقصد النشر والترويج للفكر الإرهابي". وفي وقت نفى بشار كل التهم المنسوبة إليه وتأكيده على أنه دخل "السعودية" بغرض العمل، إلا أن القاضي صدّق على ادعاءات المدّعي العام.
أما أخوه أحمد معاذ أحمد حمود العشاري (23 سنة) ، مقيم في "السعودية" بشكل قانوني منذ العام 2014 ويعمل كسائق خاص. وجه له المدّعي العام تُهماً تزعم "تأييده الفكر الإرهابي لجماعة الحوثي وحيازته صورا وتسجيلات للجماعة وزعيمها وأخرى لأسلحة نارية بقصد النشر والترويج" بالإضافة إلى مزاعم "عمله لحسابه الخاص وفي غير المهنة المستقدم لها، والدخول إلى البلاد بطريقة غير نظامية ومساعدة المتهم الأول".
نفى أحمد التهم المنسوبة له. وعن تهمة انضمامه إلى ما يعتبرها النظام السعودي جماعة إرهابية، نفى أن تكون له أي علاقة بحركة أنصار الله، كما برر وجود صور ومقاطع فيديو للجماعة بالقول أنها مجرد صور عادية يتم تداولها بين الناس. وأكد أن وجوده في "السعودية" قانوني وأنه ساعد بشار (أخاه) للدخول وكان ينوي مساعدته لتعديل وضعه لتكون إقامته بطريقة نظامية.
بطبيعة الحال، لم تأخذ "المحكمة الجزائية المختصة" بأي من الردود والمعطيات التي قدمها أحمد للدفاع عن نفسه وحكمت عليه بالسجن لمدة 30 عاما: منها "18 استنادا إلى المادة 33 من نظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله، و10 استنادا إلى المادة 43 من نظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله، وسنتين استنادا إلى المادة 15 من اللائحة التنفيذية لنظام أمن الحدود. وكذا إلزامه بدفع غرامة مالية خمس آلاف ريال وإبعاده من المملكة بعد تنفيذ الحكم"، وفقا لما جاء في صكّ الحكم.
وفي سياق متصل، نال عمّ الأخوين بشار وأحمد، محمد أحمد حمود العشاري البالغ من العمر 35 سنة قسطه من الظلم والجور السعودي، وهو المقيم في منطقة جازان محافظة أبوعريش. وجهت له المحكمة الجزائية المختصة تهما عدّة منها "تستره على عدد المنضمين لجماعة الحوثي، عمله لحسابه الخاص في غير المهنة المستقدم لها، دخوله المملكة بطريقة غير نظامية ".
بدوره، نفى محمد التهم وأكد أنه لم يزاول أي مهنة منذ وصوله إلى "السعودية"، إذ أنه منذ تاريخ دخوله البلاد في 9 نوفمبر/ تشرين الأول 2021 وتاريخ القبض عليه في 25 ديسمبر/ كانون الأول 2021 لم يتمكن من مزاولة أي مهنة لعدم صدور أوراق إقامته. وأكد أنه دخل البلاد بتأشيرة عمل لدى شركة رواد الخير للمقاولات، ودخل من منفذ الوديعة بطريقة رسمية ونظامية مبينا رقم الحدود خاصته.
وعلى المنوال عينه، لم تؤخذ اثباتات محمد بعين الاعتبار من قبل ما تسمى "المحكمة الجزائية المتخصصة"، وحكمت عليه بالسجن 10 سنوات منهم 3 سنوات استنادا إلى المادة 33 من نظام مكافحة الإرهاب، 5 سنوات استنادا إلى المادة 55 من النظام نفسه، وسنتين استنادا إلى المادة 15 من اللائحة التنفيذية لنظام أمن الحدود وإلزامه بدفع غرامة مالية قدرها 5آلاف ريال ، وإبعاده عن المملكة بعد تنفيذ الحكم".
يجدر التنويه، إلى أن المعتقلين الثلاثة استنفذوا كل سُبل استئناف الحكم من قبل محكمة الاستئناف ومن بعدها المحكمة العليا.
مسلسل مستمر والإدانات لا تُسمع:
وكانت منظمة إنسان للحقوق والحريات قد أكدت، في وقت سابق، أن الجرائم المرتكبة بحق الشبّان اليمنيين في السجون السعودية تأتي استمرارا لسلسلة الانتهاكات لحقوق الإنسان التي ترتكبها السلطات السعودية في مخالفة لكافة المواثيق والاعراف الدولية وقوانين حقوق الانسان.
بدورها، كانت وزارة شؤون المغتربين قد أدانت إصدار النظام السعودي حكما بإعدام لمواطن اليمني المقيم على أراضيها بشار معاذ العشاري البالغ من العمر 16 عاماً بتهمة ملفقة. واستنكرت الوزارة في بيان تلقته وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) إصدار النظام السعودي حكما بالسجن لمدة 30 عاماً بحق الشاب المغترب أحمد معاذ العشاري بتهمة ملفقة.. معتبرة تلك الجرائم امتدادا لانتهاكات السلطات السعودية المستمرة لحقوق الإنسان. وأكدت الوزارة أن ما تقوم به السلطات السعودية من إعدامات لمواطنين يمنيين مقيمين على أراضيها، يؤكد إجرامها واستخفافها بالاتفاقيات والمواثيق والقوانين الدولية والإنسانية.
وطالبت الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان بتحمل المسؤولية والقيام بدورها تجاه الانتهاكات التي يرتكبها النظام السعودي. وتفيد تقارير دولية بأن هناك عدداً كبيراً من جرائم نظام آل سعود المرتكبة خلال السنوات الأخيرة بحق المغتربين اليمنيين راح ضحيتها المئات من الأبرياء.
ويؤكد عدد من الخبراء والمهتمين بحقوق الإنسان في اليمن، أن سلطات نظام آل سعود تحتجز الآلاف من المغتربين اليمنيين بشكل تعسفي وبدون أي مسوغ قانوني في سجون مزدحمة وغير صالحة للعيش الآدمي وتفتقر لأدنى المعايير الإنسانية والصحية والبيئية والحقوقية. وكانت وزارة حقوق الإنسان اليمنية قد طالبت مرارا المجتمع الدولي بفضح جرائم وانتهاكات نظام آل سعود بحق المغتربين اليمنيين ومحاكمته على تلك الجرائم التي لم تتوقف بحق المغتربين اليمنيين.
فيما يرى المراقبون بأن استمرار انتهاكات نظام آل سعود بحق المغتربين اليمنيين يعكس توجه هذا النظام الظالم إلى محاربة العمالة اليمنية وتقليصها، بل يعكس الصمت المخزي والمعيب للمجتمع الدولي تجاه هذه الانتهاكات التي تطال المغتربين اليمنيين.
يذكر أنه في 29 ديسمبر 2022 أعلنت عائلتا المواطنين اليمنين، محمد مقبل الواصل وشاجع صلاح جميل، أنهما تلقتا إتصالا هاتفيا منهما، أبلغا فيه أنهما في ساحة الإعدام في "السعودية"، بانتظار تنفيذ حكمي القتل بحقهما خلال نصف ساعة.
صدمت العائلتان بالخبر، وحاول أفراد منها التواصل مرة أخرى على الرقم إلا أنهم فشلوا، ولم يتمكنوا من معرفة أي تفاصيل إضافية. ومحمد مقبل الواصل من مواليد عام 1995، غادر إلى "السعودية" للبحث عن العمل عام 2011، حين كان يبلغ من العمر 16 عاما تقريبا. بعد أشهر من وصوله إلى السعودية تم اعتقاله. لم تعرف العائلة أي شيء عن مصيره إلا بعد مرور 5 أعوام على اعتقاله حيث أبلغهم بأنه معتقل. بعد ذلك، اقتصر تواصل الواصل مع عائلته باتصالات هاتفية متقطعة كل عام، لم يخبرهم فيها عن طبيعة تهمه وحكمه ولا أنه محكوم بالإعدام.
من جهته، كان شاجع جميل قد اختفى لمدة عامين بعد مغادرته إلى السعودية، قبل أن يتصل ويبلغهم بأنه معتقل، من دون أي معلومات أخرى عن سبب اعتقاله وتهمه.
لم تحصل العائلة على أي تبليغ رسمي من السعودية بالأحكام أو بتنفيذها، كما لم تتلقى أي معلومات عن مصير الجثمانين أو وصيتهما أو أغراضهما الشخصية. وبعد أيام من الاتصال.
هذا ولم ترصد المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، أي بيان رسمي من قبل وزارة الداخلية السعودية حول الإعدامين. وكانت المنظمة قد تلقت معلومات أثارت مخاوف من تنفيذ النظام السعودي لأحكام القتل بشكل سري.
وأكدت المنظمة الأوروبية السعودية أن حرمان المعتقلين من حقهم في التواصل مع عائلاتهم بشكل اعتيادي هو نوع من أنواع التعذيب والمعاملة القاسية. “وفي ظل الشوائب الصارخة في نظام العدالة في السعودية، ومع انعدام الثقة به، فإن انقطاع التواصل يزيد من المخاوف من الانتهاكات التي قد يكون الشابان قد تعرضا لها، بدءا من التعذيب والحرمان من الحق في الدفاع عن النفس وصولا إلى الأحكام التعسفية”. وأشارت المنظمة إلى أن المعلومات التي حصلت عليها من العائلة تؤكد أن الواصل كان قاصر عندما تم اعتقاله، الأمر الذي يكرس المخاوف من إمكانية أن يكون عدد القاصرين الذين قتلوا والمهددين بالإعدام في “السعودية” أعلى بكثير مما تم رصده.
ارسال التعليق