
ريحاً صرصرا عاتية قادمة.. أنبذوا محمد بن سلمان
[جمال حسن]
سواءٌ أعيد انتخاب "الفيل" أم أضحى "الحمار" رئيسا جديداً للولايات المتحدة الأمريكية، فمراكز القرار الأمريكية أقرت بضرورة تقديم قرباناً على مسرح التطبيع المذل والخياني حتى يتسنى لراعي الكابوي العودة الى المنطقة بمشروع جديد لا مكان فيه للمنشار ولا للمصابين بجنون العظمة لتطمئن سائر البقرات الحلوب على مستقبلهن.
لا مناص من تقديم قرباناً سميناً ثميناً قدم الكثير ولا يزال يقدم على طبق الإخلاص والعبودية والخنوع، فوقع الإختيار على "محمد بن سلمان" تزامناً مع فتح المملكة أبواب المسجد الحرام أمام المعتمرين والحجيج ومسلخ منى متعطش لدماء الأضاحي كعربون من البوفالو الأمريكي.
فقد حذرت صحيفة "إندبندنت" البريطانية "بن سلمان" من الرهان على الدعم الأمريكي مستقبلاً، مشيرة الى خطر الاستيلاء على الأصول السعودية في الولايات المتحدة بموجب قانون "جاستا" الذي أقره الكونغرس، وكان "ترامب" نفسه قد دعمه.
أما "جون برينان" المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية "CIA"، فقد "دعا الرئيس الأمريكي القادم "ترامب" كان أم "بايدن"، أنه لمن المهين للقوى العظمى في العالم أن لا تتعامل مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان كشخص منبوذ".
وبحسب "فورين بوليسي" الأمريكية إذا كان ولي العهد السعودي يأمل في تعزيز اقتصاد بلاده، من أجل المضي في أهدافه لمواجهة ايران على امتداد العالم العربي، فإنه بحاجة الى جذب الاستثمارات الأجنبية، لأن إغراء المستثمرين الدوليين هو "حجر الزاوية" في مخططات نجل سلمان للإصلاح الاقتصادي، لكن سياسته الطائشة والإنتقامية أثارت قلقاً لدى المستثمرين فسارعوا الى سحب رؤوس الأموال من المملكة تزامناً مع تدهور أسعار النفط.
أما موقع "ديبكا" الصهيوني فقد رأى أن حياة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وخططه الآن في خطر. مضيفاً: أن الحملة الكاسحة التي قام بها ولي العهد السعودي فيما يوصف "بمذبحة الأمراء" تعكس في طياتها أيضا "وجود معارضة واسعة داخل القصور الملكية" لسياسات محمد بن سلمان، الذي يراهن الآن على بقائه وفرض سياساته على المشهد السعودي.
ولفت التقرير الى أن الخبراء الاسرائيليين أصدروا تحذيرا مدوياً ومقلقاً من "أن المعارضة لولي العهد وسياساته سوف تتصاعد من حيث يعتقد أنه يكبح جماحها. ذلك أن سياساته الإصلاحية والاقتصادية لا تزال في الغالب على الورق.. فوضع سلطته هش ومتقلب، ولم تكن حياته وخططه في خطر أكبر مما تواجهه الآن".
وتشهد المملكة تواصل مسلسل كبح جماح المعارضة لسلطة العهد السلماني القمعي، في الوسط الأميري وكبار المسؤولين الحكوميين ورجال الأعمال والقطاع العسكري تحت ذريعة "مكافحة الفساد" في خطوات متتالية لتثبيت أواصر حكمه؛ حيث أعلنت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد في المملكة (نزاهة)، مباشرة التحقيق في 123 قضية جنائية بعد إيقاف عدد من المسؤولين بذريعة تهم فساد كبرى، بينهم قاض وعضو مجلس شورى سابق وضباط كبار.
وتكشف بيانات حديثة أن فاتورة الفساد الذي ينخر في دول مجلس التعاون ضخمة إذ بلغت خلال السنوات الخمسة الأخيرة نحو 320 مليار دولار، تتصدر السعودية عدد قضايا الفساد وحجم الأموال المنهوبة بقيمة 180 مليار دولار - حسب تقرير لمؤسسة "كابيتال إيكونوميكس" ومقرها لندن.
واستدعاء محكمة أمريكية لمحمد بن سلمان وتسعة من مساعديه للتحقيق معهم في قضية رفعها ضابط المخابرات السابق "سعد الجبري" يتهم فيها محمد بن سلمان وعددا من الأفراد المرتبطين به بمحاولة اغتياله، زادت الطين بلة وفتحت باباً جديداً لتصعيد الدعوات للإدارة الأمريكية بضرورة التنصل عن ولي العهد السعودي تفادياً للخسائر التي تتحملها واشنطن.
هذا الإستدعاء والإستدعاء الذي سبقه لمحمد بن سلمان و13 من كبار مساعديه من محكمة أمريكية أخرى في إطار الشكوى ذاتها، يدلّ على أن تغيّراً عملياً طرأ على سياسات البيت الأبيض تجاه بن سلمان الذي زاد من حملات الاعتقال في الداخل والأخبار تتسرّب بخصوص تعرض المعتقلين للتعذيب والإساءة، فيما تتصاعد دعوات مؤسسات حقوق دولية لإطلاقهم.
وقد كشفت تقارير أمريكية، أن ولي العهد السعودي يعيش حالة من القلق البالغ حتى أنه أخبر المقربين منه أنه على السعودية الاستعداد لتغييرات كبيرة في العلاقة مع واشنطن في حال فوز الديمقراطيين، كما أنه كلف سفيرته لدى واشنطن "ريما بنت بندر" بالتواصل مع الديمقراطيين، والحصول على تفاصيل مسار العلاقة بين واشنطن والرياض في حال فوز "جو بايدن"، خاصة وأن الأخير أطلق تصريحات نارية، وتهديدات مباشرة ضد السعودية، وابن سلمان تحديدا خلال حملته الانتخابية.
وبحسب موقع "تاكتيكال ريبورت" الاستخباراتي الأمريكي فأن ولي العهد السعودي أُصيب بـ"صدمة قوية"، بعد أن قدَّم البرلمان الأوروبي توصياتٍ بخفض مستوى التَّمثيل في قمة العشرين العشرين بسبب انتهاكات السعودية لحقوق الإنسان، والتي من المقرَّر أن تستضيفها الرياض في شهر تشرين الثاني/نوفمبر القادم؛ وغضب بشكلٍ جنوني، وراح يحطم محتويات مكتبه ويصرخ على معاونيه. كما أنه أجرى اتصالاتٍ مع عدد من الشخصيات الأوروبية لمعرفة المزيد حول قرار البرلمان الأوروبي، إلاّ أن هذه الشخصيات "لم تعطه شيئًا".
لا يختلف خبيران في شؤون المنطقة من أن سجل الخذلان الأمريكي لحلفائهم ضخم وكبير، فبالأمس تم التخلي عن الحليف التركي الذي يمتد حلفه لقرن تقريباً مقابل دعم مليشيات كردية مشتتة بعضها مصنف أمريكياً بالإرهاب، حيث المنطقة لا تزال تتذكر ما فعله الأمريكان بعملائهم في المنطقة من أمثال ضياء الحق ومسعود البرزاني وكذا صدام حسين.
ولا زلت أستذكر تصريح وزير الخارجية الباكستانية آصف خوجا لنظيره الأمريكي ريكس تيلرسون (قبل عامين) في إسلام آباد "بأن على واشنطن أن تعترف بفشلها في أفغانستان"، وقد تجرأ الوزير الباكستاني على ذلك بعد أن تمادى الرئيس الأمريكي "دونالد ترمب" في الإعلان صراحة عن التخلي عن باكستان ومعاقبتها لما وصفه بإيواء الإرهابيين، والاعتماد على الهند في الحرملك الباكستاني من أفغانستان.
وكذا مقولة "نوشيروان مصطفى أمين" نائب "جلال الطالباني" في الاتحاد الوطني الكردستاني لفترة طويلة، والتي نقلت عنه مجلة "أتلانتيك" الأمريكية والذي وصفته بالخبير التاريخي والاستراتيجي قوله: "لطالما حذرت الأكراد من وضع بيضهم كله في سلّة واشنطن"، فرغم إن الكرد حليف عسكري تكتيكي لأمريكا، لكن الأخيرة تستخدمهم قرابين لمصالحها تارة على مسالخ شاه ايران وتارة والسلطان العثماني "أردوغان"، وكذا مع حكومة بغداد مرة وأخرى مع الحكومة السورية.
جملتان لا تزالان ترنان في أذني حين الكتابة عن العلاقات السعودية ـ الأمريكية، الجملة الأولى للرئيس الأمريكي "ريتشارد ميلهاوس نيكسون" (20 يناير 1969 – 9 أغسطس 1974) بقوله: "من الخطير أن تكون عدواً لواشنطن، لكن الأخطر أن تكون صديقاً لها"؛ أما الجملة الثانية فهي للرئيس الباكستاني الراحل محمد ضياء الحق الذي لخص تجربته قبل مقتله في حادث تحطم الطائرة الشهير يوم 17-8- 1988 بمقولته الشهيرة: "إن من يتعامل مع أمريكا كمن يتاجر في تجارة الفحم، لن يناله في النهاية إلاّ سواد الوجه واليدين".
وربما قال مثل ذلك من بعده كل من شاه إيران، ورؤساء مصر السابقين أنور السادات وحسني مبارك ومحمد مرسي، وكذا التونسي بن علي وكثيرون أمثالهم!!.. وسنسمعها من سلمان ونجله.. خاصة وإن "تبعيته للبيت الأبيض جعلته تحت رحمة أساليب الإدارة الأمريكية القاسية"- وفق وصف الكاتب الأمريكي بوبي غوش في مقال نشرته وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية مؤخراً.
ارسال التعليق