
لماذا فشل اكتتاب أرامكو وما مصير رؤية 2030
[فيصل التويجري]
بدت فكرة عبقرية، وهي أن تصبح أكبر شركة لإنتاج النفط في العالم صاحية أعلى سهم يتداول في البورصات العالمية. هي أطروحة أميرٍ ذو طموحٍ مفرط وحريص على ترك بصمته كرجل اصلاح قرر طرح جزء من أسهم أرامكو للاكتتاب ووضع تقييماً لها تريليونين دولار الا أن الفكرة وئدت في مهدها لتغدو رؤية الأمير 2030 ضبابية. لا يذكر التاريخ دولة ارتبط اسمها ومصيرها واقتصادها بشركة واحدة كما ارتبط اسم السعودية بشركة أرامكو. فبعد إنشاء الشركة عام 1944 ثم استحواذ المملكة عليها بالكامل عام 88 لتصبح درة التاج السعودي، حيث صارت أرامكو هي السعودية والسعودية هي أرامكو. لذا لم يكن غريبا أن ترتبط التحولات الكبيرة الجارية حاليا في المملكة ارتباطا وثيقا بالشركة.
فقد ربطت السلطة التي يحركها حاليا ولي العهد السعودي محمد بن سلمان نجاح تلك التحولات ببيع حصة من شركة أرامكو في السوق العالمية. وهكذا شكل طرح أسهمها للاكتتاب حجر الأساس في رؤية 2030 الإصلاحية. لكن تلك المحاولات واجهت عقبات متتالية لأسباب مختلفة مثل رفض المستثمرين تقييم أصول الشركة واعتبروه مبالغا فيه، وتداعيات قتل خاشقجي وأخيرا الهجمات التي ضربت مواقع لأرامكو شرقي البلاد فعطلت نصف إنتاجها ونصف صادراتها في أقل من ساعة.
ورغم إعلان أرامكو أنها حققت العام الماضي أكثر من 100 مليار دولار أرباحا صافية ما جعلها أكثر الشركات ربحية عالميا وأنها حققت أرباحا قوية منتصف العام الجاري، فإن وسائل إعلام قالت إن الشركة السعودية تجني نسبة ضئيلة من أرباحها من مشاريع التكرير الخارجية خاصة في كوريا الجنوبية واليابان والولايات المتحدة وهو مجال تخطط الشركة لاستثمار ضخم فيه.
الآن تحاول الشركة لملمة ما تبقى من الفرص الضائعة بعد أن تم تأجيل الطرح الأولي أكثر من مرة حيث تقوم بتسريع التحضير لطرح 2% للاكتتاب قبل نهاية العام المقبل لجمع 40 مليار دولار، وهو ما يعني أن السلطات لا تزال تقيم أصول الشركة بتريليونين من الدولارات وهو رقم يشكك فيه المستثمرون ويعتبرونه السبب وراء فشل الطرح الذي كان مقررا العام الماضي.
حتى إن صحيفة ديلي تليغراف البريطانية توقعت أن يفشل هذا الطرح قائلة إن هذا المبلغ يبدو بعيد المنال في ظل الظروف العالمية الراهنة. إضافة لذلك هناك أسباب أخرى جعلت كثيرا من المستثمرين الدوليين أقل شهية لضخ أموالهم في الشركة منها استمرار التوترات بين الرياض وطهران وتفاقم تداعيات الحرب في اليمن والعداوات التي تسببت السلطات السعودية في صنعها مع من حولها. وأيضا يتخوف المستثمرون من خضوع الشركة لسيطرة الدولة، فمجلس إدارتها غير مستقل في قراراته بل إن الملك هو من يحدد قرارات الشركة حتى توزيع الأرباح حسب قولهم.
ويحذر الخبراء أيضا مما وصفوه بسوء معاملة رأس المال لاسيما بعد اعتقال ومحاكمة رجال أعمال ومستثمرين كبار في المملكة ومصادرة أكثر من 100 مليار دولار من أموالهم، الأمر الذي مثل سابقة ترفع سقف المخاطر مع عدم توافر ضمانات أن لا يتكرر الأمر مع مستثمري أرامكو مستقبلا. وفي هذا يشير المتخوفون من غياب احترام حقوق الإنسان وعمليات الاعتقال والتعذيب والإعدام دون محاكمات شفافة ونزيهة. ولم يغب عن أعين المحذرين مقتل خاشقجي والطريقة التي قتل بها والمكان الذي قتل فيه كمثال على منهج وطريقة السلطات السعودية في التعامل مع المعارضين في بلد يحرم كل أشكال المعارضة.
في الختام أن الرؤية فشلت فشلاً ذريعاً كما أنها لم تقدم شيئا جديدا، لأنها قديمة منذ أيام فيصل، ومع وصول كل ملك للسعودية فهو يقوم بالإعلان عن خطوات إصلاحية ويروج لها، وما قام به محمد بن سلمان هو تجميع كل الرؤى السابقة والإعلان عنها دفعة واحدة، كما أن كل من سبق محمد بن سلمان لم يحقق شيئا مما أعلنه ولم ترَ مشاريع الأسرة المالكة المعلن عنها طريقها إلى النور في ظروف أفضل مما يواجهها اليوم محمد بن سلمان.
ارسال التعليق