
ما عواقب إصرار النظام البحريني على الارتماء في أحضان العدو الصهيوني ؟
[عبد العزيز المكي]
كما أعلنت مصادر سياسية وإعلامية صهيونية يوم 20/10، شارك العدو الصهيوني في المؤتمر الدولي الذي عُقد في العاصمة البحرينية المنامة يوم 20و 21/10 حول الأمن البحري برعاية أمريكية، شارك العدو بوفد كبير برئاسة رئيسة قسم مكافحة الإرهاب في وزارة خارجية الكيان الإسرائيلي دانا بنفيستي، وكانت كل من هيئة البث الإسرائيلية " والقناة العبرية 13، أفادتا بأن العدو سوف يشارك في هذا المؤتمر الذي يستمر ليومين ويبحث ما أطلق عليه " الأعمال العدائية " و محاولة بلورة خطة مشتركة للتعامل مع طهران، بعد ما لم تثمر الجهود الأمريكية لبناء تحالف دولي في المنطقة عن نتائج واضحة..
ورغم ما لهذا الحضور الصهيوني من استفزاز وقح لشعوب المنطقة وتحدي سافر لمشاعرها وقيمها، سيما الشعب البحريني والشعب الفلسطيني الا أن هذا الحضور يؤشر بشكل واضح الى ان نظام آل خليفة وبالخصوص وزير خارجيته، مصرٌ على مواصلة الدور المناط به أمريكيا وسعودياً في تعبيد طريق الهرولة والتطبيع مع العدو الصهيوني، من أجل تيسير هذا الطريق أمام الأنظمة العربية التي مازالت تتخوف من الإعلان عن تلك الهرولة، أما وراء الكواليس فقد تجاوزت الهرولة إلى الحلف العسكري والاستخباراتي، والتنسيق والتعاون في هذه المجالات وفي مجالات أخرى كما قال نتنياهو رئيس الوزراء الصهيوني لعشرات المرات وفي عشرات المناسبات.. فمما بات واضحاً أن النظام البحريني يقوم اليوم طبقاً للدور المناط به، بتسويق الكيان الصهيوني ومحاولة دمجه في جسد المنطقة، سياسيا واقتصاديا وعسكرياً وأمنياً، من خلال اتخاذ خطوات جريئة، ستستفز الأمة وبنفس الوقت تستهدف تدجينها وحملها على تقبل هذا الواقع و هذا التعاطي مع الكيان الصهيوني بدعوى مواجهة ما يسمونه " الخطر الإيراني" أو " الفراغة الإيرانية "، ففي هذا السياق، كان وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة قد قال في تصريحات سابقة إن " إسرائيل جزء أساس و شرعي من الشرق الأوسط، والشعب اليهودي جزء من تراث المنطقة "!! بحسب زعمه. كما أن وفوداً و مسئولين صهاينة شاركوا في عدة مؤتمرات في البحرين، كان آخرها مشاركة وزير الاقتصاد إيلي كوهين في نيسان الماضي في مؤتمر عالمي نظمه البنك الدولي على مستوى الوزراء حول الشركات الرائدة في مجال التكنولوجيا و الابتكار. وفي آب الماضي أعلن وزير الخارجية الصهيوني يسرائيل كاتس أن الكيان سيشارك في المهمة الأمنية والاستخباراتية البحرية في الخليج.. وفي المقابل كان وزير الخارجية البحريني قد دافع عن عدوان العدو الصهيوني ضد سوريا، وانحاز له في المواجهة مع حزب الله، وزار ولي العهد البحريني ابن الملك حمد القدس المحتلة على رأس وفد رياضي كبير.. وهكذا، فالنشاط التطبيعي من جانب النظام البحريني لم يتوقف بل يزداد جرأة وتحدياً، كما يزداد حماساً وإقبالا وإصرارا على تسويق العدو و دمجه في نسيج المنطقة...
ومثلما أعلن خالد بن أحمد آل خليفة، وأيضاً بعض المسؤولين الصهاينة، فإن الهدف من هذا التهافت البحريني، والحماس للارتماء في أحضان العدو، هو حماية الكيان الصهيوني للنظام، وضمان وقوف وحماية الولايات المتحدة للنظام أيضاً، باعتبار أن للعدو تأثير كبير على السياسات الأمريكية، وحتى على مزاجات وتصرفات الرؤساء الأمريكان...
وإذا كانت هذه " المقولة " التي أصبحت قناعة عند بعض الأنظمة الخليجية ومنها النظام البحريني، على خلفية التسويق الأمريكي والصهيوني لها، والمبالغة الأمريكية الصهيونية في تضخيم ما يسمونه " الخطر الإيراني " على هذه الأنظمة.. نقول إذا كانت هذه المقولة، تحظى في السابق بشيء من المصداقية، تبرر هذه الهرولة وهذا اللهاث نحو العدو ونحو التماهي مع المشاريع الأمريكية، فأنها اليوم، أي تلك المقولة فقدت حتى هذه المصداقية المزيفة، بالدليل القاطع الذي لأمراء فيه، ونذكر هنا بعض المواقف من أجل التدليل، لا الحصر، ومنها ما يلي:-
1- تخلي واشنطن عن النظام السعودي، فعندما تعرض هذا الأخير إلى ضربات من قبل أنصار الله، منها الضربة التي استهدفت شركة أرامكو في حقول بقيق وخريص والتي تسببت في إيقاف أكثر من خمسة ملايين برميل يومياً من الإنتاج السعودي، ومنها الضربات التي استهدفت حقل الشبيه وحقول الشرق ، وقبل ذلك تعرض ناقلات النفط السعودية والإماراتية إلى الاستهداف، أعلن ترامب صراحة.. انه غير ملزم وبلاده بالدفاع عن السعودية، وأضاف نحن نمدهم بالأسلحة ونحن نتقاضى مكانها الأموال وعليهم (السعوديين) أن يدافعوا عن أنفسهم بها "!! وفي رده على الانتقادات من بعض المطالبين بالدفاع عن السعودية، قال ذات مرة، نحن لا نحتاج نفط الشرق الأوسط نحن وصلنا تقريباً إلى الاكتفاء الذاتي، ونحن غير مستعدين لإراقة دماء الجنود الأمريكيين من أجل الدفاع عن إمداد الآخرين بالنفط.. أكثر من ذلك، أن ترامب تراجع عن الرد على إيران حتى عند ما أسقطت الأخيرة طائرته المسيّرة المتطورة التي تمتلك بلاده منها تسع طائرات فقط، في مياه الخليج، وقام بسحب سفنه و حاملات طائراته مئات الكيلومترات بعيداً عن الشواطئ الإيرانية خوفاً من حصول مواجهة مع القوات الإيرانية، أو أن الأخيرة يمكن أن تهاجم تلك القوات الأمريكية!!
التخلي الأمريكي عن الدفاع عن السعودية، رغم أن الأخيرة دفعت له مئات المليارات من الدولارات لقاء الحماية، لأن ترامب دائماً يطالب وبلغة مهينة واذلالية للملك سلمان وبن سلمان، بأن يدفعوا لقاء الحماية، لأنهم لا يبقون أكثر من أسبوع في القصر الملكي إذا رفع الحماية عنهم، كما قال في ذات مرة، وفي مرات أخرى قال أنهم لا يجدون الطائرة الملكية الخاصة التي سيفرون بها في حتفهم إذا رفعت عنهم الحماية الأمريكية !
2- تخلي الرئيس الأمريكي عن أكراد سوريا " قسد" قبيل الهجوم التركي الأخير وتركهم طعمة للهجوم التركي!! و الكل يعرف كيف أن هؤلاء الأكراد خدموا المشروع والخطط الأمريكية والصهيونية في سوريا، وراهنوا كثيراً على الحماية الأمريكية والصهيونية، على خلفية الوعود من الإدارة الأمريكية ومن الإدارة الصهيونية، بأنهما سيحققان حلم الأكراد بإقامة كيان كردي لهم، ولأنهم صدقوا هذه الوعود رفضوا نصائح الآخرين بالعودة إلى الحضن السوري، سيما وان الحكومة السورية فتحت لهم الأبواب أكثر من مرة لتلك العودة، لكنهم أداروا ظهورهم و اختاروا معاداة الجيش السوري، ولبوا مطالب أميركا والكيان الصهيوني، فيما هذان الحليفان تخليا عنهم وتركهم مكشوفي الظهر والصدر أمام الجيشين التركي والسوري!! وللإشارة فأن هذه هي ليست المرة الأولى التي يتخلى الأمريكان والصهاينة فيها عن الأكراد، إنما هي المرة الثالثة أو الرابعة لكنهم للأسف لم يأخذوا من تكرار هذا الخذلان الأمريكي الصهيوني العبرة !!
3- أعلن الصهاينة تخليهم عن الدفاع عن السعودية و دول الخليج الأخرى عند ما صعدت السعودية ضد إيران، وتوقع البعض بان المواجهة العسكرية بين الطرفين باتت قريبة الوقوع، وذلك قبل عدة أشهر، حيث تداعت أوساط سياسية وصحفية صهيونية مطالبة بعدم الانسياق وراء بن سلمان، بل بعض هذه الأوساط وصف الأخير بالمتهور، حذر من الانسياق وراء سياساته، كما أن جنرالات سابقين متقاعدين، كانوا قد خدموا في الجيش الصهيوني نصحوا بعدم الاشتراك في أية حرب تنشب بين السعودية وإيران..
وبدلاً من أن تكون هذه التجارب الحية عبرة لآل خليفة ولآل سعود، ولبقية الآلات الخليجية، المراهنين على الحماية الأمريكية الصهيونية، لمراجعة المواقف والإياب إلى الرشد والى التعقل وبناء سياسات جديدة تستند إلى مصلحة المنطقة والشعوب ومصلحة الأنظمة هذه نفسها، نراهم يصرون على خياراتهم ورهاناتهم البائسة، وبالتالي فأن هذه الرهانات أن ظلوا ساردين عليها تأخذهم لا محالة إلى متاهات و دهاليز مهلكة لا محالة، لأسباب معروفة، قلناها سابقاً، نكررها اليوم مجبرين، ومنها ما يلي:-
1- إن إصرار النظام البحريني على دمج النظام الصهيوني في جسد المنطقة سياسياً وأمنياً وعسكرياً لا يجلب الحماية لهذا النظام مطلقاً، بقدر ما يساهم ذلك في زيادة زعزعة الأمن والنظام في المنطقة، الامر الذي سيرتد على النظام البحريني نفسه، لأنه وكما هو معروف، كلما ازداد هرولة وتحالفاً مع العدو، زاد بعداً عن الشعب البحريني وشعوب المنطقة، وازدادت هذه الشعوب وعياً بعمالة وتآمر هذا النظام وبقية الأنظمة المطبعة على قيم حضارة الأمة وعلى مستقبلها وهويتها، وبالتالي فأن هذه الشعوب سوف تنتفض في أية فرصة سانحة على هذا النظام، الذي سيبقى وحده في المواجهة وحينذاك سيكون مصيرهُ في مزابل التأريخ لا محالة.
2- إن سعي النظام البحريني في دمج العدو الصهيوني في المنظمة الأمنية للمنطقة الخليجية، سيوظفه العدو في أقامة معاهدات وأحلاف مع هذه الأنظمة الخليجية المهرولة، الهدف منها وضع هذه الأنظمة في فوهة المدفع الإيراني، حماية له، بدلاً من حماية العدو لها ! لأن الأخير أثبت بالتجربة وبالاعترافات التي تسجلها الصحافة الصهيونية بين الحين والآخر، لجنرالات ولخبراء أمنيين صهاينة وأميركان وحتى غربيين انه بات غير قادر على حماية نفسه من حزب الله اللبناني، فكيف يستطيع حماية الأنظمة الخليجية من دولة كبرى مسلحة بأسلحة متطورة مثل إيران !؟
إذن السعي الصهيوني لإقامة هذه المعاهدات والأحلاف والتي يمهد لها النظام البحريني بالهرولة نحو العدو، وبتمكينه من الاندماج بالمنطقة، هو من أجل توظيف إمكانات هذه الأنظمة في المواجهة مع محور الايراني، وفي السيطرة على ثروات هذه الأنظمة والعبث بأمنها وباستقرارها، وتجربتا التطبيع الصهيوني مع مصر والأردن فيهما الكثير من الدروس والعبر لهذه الأنظمة المهرولة، فالعدو استغل كل شيء في معاهدات التطبيع في هذين البلدين للأضرار بهما وبشعبهما وباستقرارهما الأمني والاجتماعي وبضرب منظومتهما القيمية والاجتماعية والقصة معروفة لا تحتاج إلى المزيد من التفاصيل والشروح.
ذلك، ما يعزز ما كشفته تقارير يوم 5/10، أن العدو الصهيوني يتفاوض مع دول خليجية حول معاهدة عدم اعتداء تهدف بحسب القناة الصهيونية الثانية عشر إلى " تنمية الصداقات والتعاون بين " إسرائيل" و دول الخليج ( العربية).. والى إتخاذ خطوات ضرورية وفعالة لضمان عدم انطلاق أو تخطيط أو تمويل عمليات قتالية أو عدائية أو تخريبية أو عنفيه أو تحريضية ضد دول الخليج و ضد " إسرائيل "، والامتناع عن الانضمام أو الدفع أو مساعدة أي تحالف أو منظمة ذات خلفيات عسكرية أو أمنية, مع طرف آخر غير موقع الاتفاق ". وذكرت القناة التلفزيونية الصهيونية السابقة (2)، أن وزير الخارجية الصهيوني يسرائيل كاتس، قد عرض هذا الاتفاق، أو هذه المبادرة، على وزراء خارجية بعض الدول الخليجية في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخير، وحينها غرد كاتس، مطرياً على لقاءاته بأحد وزراء هذه الدول، موضحاً أن اللقاء معه كان جدياً ونوقشت فيها آفاق التعاون والتهديدات المشتركة، وسبل ما اسماه " الخطر الإيراني "
3- كما قلنا في ثنايا الحديث، أن هذه الهرولة والحماس من جانب النظام البحريني نحو العدو من شأنها أن تراكم غضب الأمة، وغضب الشعب البحريني، وإذا وصل هذا الغضب إلى درجة الانفجار فأنه سيكتسح النظام الخليفي و يرمي به في مزابل التاريخ، والأمثلة أمامنا كثيرة على تحرك الشعوب المقهورة المهانة من حكوماتها وحكامها ومن فساد وعمالة هؤلاء الحكام، وبالتالي فأن النظام البحريني في هذه الأعمال، يسّرع في الواقع من ثورة الشعب البحريني ضده، ويسرع من سقوطه تحت أقدام هذا الشعب.. فهل يؤوب هذا النظام إلى رشده، ويدرك حجم المخاطر والتحديات التي تنتظره، بسبب سياساته البائسة، وبسبب هرولته وحماسة نحو الارتماء في أحضان العدو الصهيوني !؟
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق