
محمد بن سلمان وكتابة نهاية الدولة السعودية الثالثة
[فيصل التويجري]
بقلم: فيصل التويجري..
قبل القرن 18 كانت السعودية عبارة عن بلاد من الرمال، نخيل وجمال وخيام متناثرة وبيوت متهدمة بلا مدينة سوى في بقاع ضئيلة. وفي حين كانت بريطانيا والدول الغربية لا تكترث لهذه الرمال، كما أن الدولة العثمانية كانت تنحصر سيطرتها بالمناطق المقدسة نظراً لقيمتهم الاستراتيجية كبوابة شمالية لليمن والدينية كدولة خلافة للمسلمين قرر محمد بن سعود تشييد دولة آل سعود في المناطق الرملية الغير قابلة للسكن.
وفي هذا السياق، بدأ محمد بن سعود مطلع القرن 18 بحشد الحلفاء واستطاع بناء الدولة لكن تبدل الموازين وتغيير الخيطة دُكَت عاصمتهم الدرعية من قبل الجيش العثماني ومن منا ينسى ما فعله جمال باشا الجزار عام 1818 باسطاً نفوذه فيشبه الجزيرة. مجدداً.. تغيرت خريطة القوى الإقليمية، حينها اشتد ساعد تركي بن عبدالله أحد أحفاد محمد بن سعود وأسس دولة ثانية مستغلاً أفول نجم الامبراطورية المصرية عشية تحالف العثمانيين والقوى الأوروبية الذي تكلل بمعاهدة لندن عام 1840.
عاشت الدولة السعودية الثانية حتى القرن التاسع عشر، الا انها انهارت بسبب المعارك الداخلية بين القبائل السعودية رغم أن الأراضي التي حكمتها الثانية كانت أضيق بكثير من الأولى والتي امتدت بين ساحلين. ولعل السقوط الثاني يقدم دروساً للدولة الثالثة حيث مثل عدم نضج المجتمعات بتلك المنطقة سياسياً واجتماعياً حجر زاوية للانهيار، وكان متوقعاً أن تسود النزاعات في مجتمع قبلي بلا مؤسسات، لم توجد قواعد للعبة السياسية بين الأمراء.
بنظرنا فان الحاضر والماضي لا يختلفان بل ان السعودية الثالثة تجمع الأولى والثانية حيث لا تزال تواجه تهديدات وجودية من الخارج أُضِيف لها تحديات من الداخل مؤخراً. فمنذ سقوط النظام الامبراطوري بفارس عام 1979 حتى الأمس حين فُتِحت أسوار المملكة أمام حفلات الغناء والمصارعة الحرة كان الأمر متشابهة للغاية لظروف سقوط الدولة الأولى فحسب.
التهديدات الخارجية ازدادت كثيراً، وذلك بسبب السياسات الخارجية الخاطئة. فعوضاً أن يكون جيرانك اقرب الناس اليك اضحوا ألد الأعداء اليك. فالحوثيون من الجنوب يطلقون طائراتهم وصواريخهم لتصيب الداخل السعودي بضرر لم يحدث كما في الماضي. والإيرانيون من الشرق يغلقون مضيق هرمز فتتعطل تجارة السعودية النفطية. والعراقيون من الغرب باتوا يكرهوننا لأننا صدرنا اليهم الفكر الوهابي السلفي التكفير. ومع انسحاب القوات الأمريكية من العراق ستسعى طهران بلا شك لزحزحة خطوط الحرب، مما يقارب الظروف الراهنة بمثيلاتها في السعودية الأولى.
الداخل السعودي لا يختلف كثيراً عن خارجيه، فالأخطار المحدقة من الداخل قد ازدادت أكثر وأكثر مع وصول محمد بن سلمان الى ولاية العهد. بن سلمان الذي اباح حفلات غناء وفرق موسيقية من الشرق والغرب وعدم إلزام النساء بالحجاب واعتقالات لشيوخ سلفيين، اباح رياح التغيير نحو ليبرالية سعودية، وهو مصطلح غير مألوف لدى ثقافة ظلت منغلقة لقرون تطوى صفحاتها الوهابية المتشددة بقسوة، فالأمر مغايراً بمصر التي تعاطت الليبرالية منذ انفتاحها على الغرب مع أول حذاء خطى به نابليون بونابارت على تراب الإسكندرية أينما بدء أول لقاء بين الشرق والغرب منذ انتهاء الحروب الصليبية.
هذه الليبرالية يقوم بحقنها بن سلمان في المجتمع السعودي بطريقة غير مدروسة وبطريقة سريعة وهو ما يعد تحولاً كبيراً قد يجرفها دون وعي إلى صدمة وتناقضات وخيمة يصعب التعامل معها على المدى البعيد ببلد ملكي مطلق، فالليبرالية لا تتجزأ وإن تجزأت تصبح مسخاً حيث لا يمكن إجراء انتخابات دون انتقاد الحكام. وهو ما يعيد للأذهان ما حدث بالاتحاد السوفيتي الذي انهار فور حقنة التي حقنه بها جورباتشوف بالليبرالية فجأة، وإن لم يكن السبب الوحيد الآن أنه سرع الانشطار لـ 15 جمهورية.
كما أن الليبرالية لا يمكن حصرها بالشعوب فقط، بل انها مرتبطة بالسياسة أيضاً، ما يعني انه لن ينحسر السماح بممارسة الحريات على عتبة الهيئة العامة للترفيه بالمملكة، بل انه سيتغلغل خلف حدود الثقافة والترفيه ليطال السياسة يوماً، فالمجتمع لا ينعزل عن السياسة خاصة أنه لا توجد سياسة واضحة لهذا التحول عدا رؤية المملكة 2030 لتشجيع السياحة الترفيهية كأحد آليات تنويع مصادر الدخل بجوار النفط.
وهنا يمكننا التساؤل: هل يكتب محمد بن سلمان نهاية السعودية الثالثة بتحويل السعودي من نظام دكتاتوري الى نظام ليبرالي؟ وهل بإمكان ال سعود تحمل هذه الليبرالية؟
ارسال التعليق