
مع ترامب او بدونه...السعودية في طريقها الى التطبيع!
[فيصل التويجري]
ثوابت كثيرة في السعودية أصبحت اليوم محل نظر. ففي عام 1937 قطع الملك "فيصل" النفط عن الغرب تضامناً مع مصر في حربها ضد إسرائيل، وكان كغيره من الحكام العرب يعتبر إسرائيل العدو الأول لبلاده. لكن في اجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة في أواخر عام 2017 قال وزير الخارجية آن ذاك، "عادل الجبير"، انه ليس هناك من مبرر لاستمرار ما وصفه بالنزاع مع اسرائيل. وسبق ذلك لقاءات سعودية إسرائيلية بل وزار امير سعودي تل أبيب وفق رئيس وزراء العدو الإسرائيلي، "بنيامين نتنياهو". ومن هنا تقترب السعوديّة يوماً بعد آخر من حظيرة التطبيع الأمريكيّة مع العدو الصهيونيّ، وبعد بضعة أيام على ما كشفه كيان الاحتلال عبر رئيس جهاز استخباراته، "يوسي كوهين"، حول أنّ إعلان التطبيع السعوديّ مع الكيان الغاصب بات وشيكاً، كشفت المملكة عبر وزير خارجيتها، "فيصل بن فرحان"، أنّ التطبيع مع تل أبيب "سيحدث بالفعل"، فماذا يعني هذا؟
كان الموقف السعوديّ الرسميّ واضحاً تجاه موجة الخيانة الخليجيّة التي لم تبدأ بالتأكيد دون موافقة الرياض، فمنذ تصريحات رئيس استخبارات النظام السعوديّ السابق "بندر بن سلطان"، قبل أسابيع، وهجومه الحاد على موقف القيادات الفلسطينيّة من اتفاق الاستسلام الخليجيّ، واعتباره أنّ القضيّة الفلسطينيّة قضية عادلة لكن المدافعين عنا "فاشلون"، وأنّ القيادة الفلسطينيّة تدفع ثمن مراهنتها على الطرف الخاسر، حيث كثرت التنبؤات باقتراب دخول الرياض إلى حظيرة واشنطن للتطبيع، مستندين على استجابة الرياض لطلب الإمارات بالسماح للرحلات القادمة من الأراضي المحتلة الواقعة تحت سلطة العدو الصهيونيّ بعبور أجوائها.
ومن هنا يبدو أنه بكلمات الأمير بندر ومن خلال تأييده الهادئ للتطبيع الأخير بين الإمارات والبحرين مع "إسرائيل"، فإن القيادة السعودية تتحرك بشكل أسرع نحو التقارب مع "إسرائيل"، أسرع من كثير من سكانها. لسنوات عديدة، وخاصة في المناطق الريفية والمعزولة من المملكة، اعتاد السعوديون على النظر ليس إلى "إسرائيل" وحدها على أنها العدو، بل أيضًا كل الشعب اليهودي. أتذكر أنه في إحدى القرى الجبلية بمحافظة عسير، قال لي جمع من الاصدقاء بكل جدية إنه "في يوم من أيام السنة، يشرب اليهود دماء الأطفال". وبفضل الإنترنت والفضائيات، أصبح هذا النوع من نظريات المؤامرة نادراً في المملكة الآن. يقضي السعوديون قدرًا هائلاً من الوقت على الإنترنت وغالبًا ما يكونون على دراية بالشؤون العالمية بشكل أفضل من الناس في الغرب. ومع ذلك، وبالنظر إلى كراهية الأجانب والشكوك التاريخية إزاء الأجانب الموجودة بين أجزاء معينة من السكان السعوديين، فسوف يستغرق الأمر بعض الوقت لتغيير مسار هذه الناقلة المجازية في منتصف الطريق، وهذا هو السبب في أن المملكة العربية السعودية لم تتسرع في اتباع جيرانها الخليجيين في إبرام صفقة تاريخية.
ويضاف الى ذلك الاجتماع السريّ بين ولي العهد السعوديّ، "محمد بن سلمان"، ووفد إسرائيليّ على متن يخته في البحر الأحمر، بمرافقة رئيس الاستخبارات السعوديّة، تلك التنبؤات رغم تأكيدات الرياض المتكررة بأنّها لن تتبع نهج البحرين والإمارات في التطبيع مع الكيان الصهيونيّ، من دون حل للقضيّة الفلسطينيّة. وعلى هذا الأساس، صحت تصريحات الرئيس الأمريكيّ، "دونالد ترامب"، الذي أشار في أوقات مختلفة، إلى أنّ السعودية موافقة على إبرام اتفاق مماثل للاتفاق الموقع بين تل أبيب وأبو ظبي والمنامة، وسيكون بمثابة أكبر خيانة للقضيّة الفلسطينيّة.
بالتالي وصول محمد بن سلمان الى ولاية العهد في 2017 وعجلة التطبيع السعودي الإسرائيلي تدور أسرع وأسرع. في السعودية اليوم يمكن للمرأة قيادة السيارة، وهناك ترفيه عام، وتنفتح البلاد ببطء على السياحة. لذا، فإن اتفاق سلام سعودي "إسرائيلي"، رغم أنه ليس بالضرورة وشيكًا، إلا أنه الآن احتمال حقيقي. في النهاية، بات إعلان الخيانة السعوديّة "المُشرعن وهابيّاً" قاب قوسين أو أدنى، لأنّ المسؤولين السعوديين (باعترافهم) يرغبون في التطبيع مع العدو الصهيونيّ، لكنهم ينتظرون نتائج الانتخابات الأمريكيّة لكي يحددوا جدولاً زمنيّاً لخيانتهم، حيث أنّ الرياض لا تريد خسارة ورقة التطبيع مع ترامب في حال فاز منافسه جو بايدن.
ارسال التعليق