
من جديد.. لبنان في دائرة التآمر السعودي
[طلال حايل]
طلال حايل
وكأنّ كل المُشكلات التي يُعاني منها لبنان واللبنانيون لا تكفيهم، ليُضيف إليها ساسة آل سعود المزيد من المشاكل ويُحوّلوا هذا البلد إلى كتلة من الخراب، إذن هو الخراب الذي لم ولن يرضى آل سعود بدلًا عنه، وإذا كان من المُسلّمات أنّ الشمس تُشرق من المشرق؛ فأيضًا بات من المُسلمات أنّ أقدام آل سعود لم تطأ أرضًا إلا جعلتها أثرًا بعيد عين، وها هي سوريا، العراق، ليبيا وأفغانستان... تقف جميعها شاهدةً على هذا الخراب، فاذا يُريد آل سعود من لبنان ذلك البلد المُهشم الذي عصفت بهم خلال نصف قرن حربين أهليتين وعدّة حروب شنّتها الدولة العبرية.
لعبة جديدة
آخر هذه التدخلات كانت باستدعاء ثلاثة رؤساء حكومة لبنانيين سابقين (نجيب ميقاتي، وفؤاد السنيورة، وتمام سلام) إلى الرّياض، وبعد انتهاء اللقاء قال سلمان بن عبد العزيز ملك مملكة آل سعود إنّ مملكته "حريصة على استقلال لبنان وسيادته وعلى الحفاظ وصيانة اتفاق الطائف بكونه الاتفاق الذي أنهى الحرب الداخلية في لبنان"، مراقبون سخروا من تصريح سلمان من أنّ آل سعود يُهمّهم "استقلال وسيادة لبنان"، مؤكدين على أنّ استقدام ثلاثة رؤساء وزراء سابقين إلى الرياض يُعتبر أكبر انتقاص من سيادة واستقلال لبنان، ولو أنّ ابن عبد العزيز صادق في كلامه لكان ذهب بنفسه إلى بيروت والتقاهم والتقى كافة القوى اللبنانية على أرض لبنان، وليس استدعائهم إلى الرياض وكأنّهم ولاة على أرض يملكها آل سعود وأتوا لتقديم الولاء لسيّدهم.
أكثر من ذلك؛ فهل يندرج استدعاء سعد الحريري إلى الرياض وإجباره على تقديم استقالته منها، وكأنّ الرياض هي عاصمة لبنان وليس بيروت، ومما زاد الطين بلّة احتجاز الحريري عدّة أيام في سجون آل سعود، الأمر الذي يكشف حجم التدخل السعودي في الشأن الداخلي اللبناني.
وبالإضافة لما سبق، ادّعى سلمان في بيانه حرص آل سعود على "أهمية العيش المشترك بين جميع اللبنانيين بشتى طوائفهم وانتماءاتهم، وكل ذلك تحت سقف الدستور واحترام القوانين والشرعية العربية والدولية، وإن المملكة لن تدخر جهدا من أجل حماية وحدة لبنان وسيادته واستقلاله"، وتعليقًا على هذا البيان أكد المُراقبون على أنّ أهمية العيش المشترك الذي تحدّث عنه سلمان لا يكون بتحريض الفرقاء اللبنانيين على بعضهم ومناصرة فئة على فئةٍ أخرى، إنما يكون بجمعهم جميعهم تحت سقف الوطن، وليس تحت سقف قصر اليمامة!.
الصيد في الماء العكر
ويؤكد بيان ابن عبد العزيز على أهمية إعادة الاعتبار والاحترام للدولة اللبنانية "وإقتدارها على بسط سلطتها الكاملة وبقواها الشرعية على جميع مرافقها وأراضيها، وكذلك قدرتها على استعادة هيبتها بما يعزز من وحدة اللبنانيين"، الواضح من صيغة البيان أنّ آل سعود يُدبرون شيئًا في الخفاء، ولا سيما من خلال التأكيد على بسط سلطة الحكومة اللبنانية الكاملة وبقواها الشرعية على كامل لبنان، وذلك في إشارة إلى سلاح حزب الله، حيث أنّ أكثر ما يهمّ آل سعود هو تجريد حزب الله من أسلحته وهو الأمر الذي يصبُّ في مصلحة الدولة العبرية.
ويقول مُراقبون إنّ آل سعود ومنذ مُبادرتهم المشؤومة والتي أعلن عنها في العاصمة اللبنانية بيروت في العام 2002 (المبادرة العربية) يعملون على التطبيع مع الكيان الصهيوني، وتجريد أيّة حركة مقاومة من سلاحها، وهذا الأمر ينطبق على حركتي الجهاد الإسلامي وحركة المقاومة الإسلامية حماس، حيث يُقاطع المراقبون إجراءات آل سعود في التضييق على الحركات الفلسطينية، ومن ناحيةٍ أخرى محاولة لعب الدور ذاته في لبنان من خلال العزف على وتر بسط الحكومة اللبنانية سلطتها الكاملة على كافة أراضِ لبنان.
لماذا الآن
لكن ولماذا الآن، ولماذا ثلاثة رؤساء حكومة سابقين، وأين دور سعد الحريري؟ يقول مراقبون إنّ سعد الحريري أثبت فشله في إدارة الصراع مع حزب الله، خصوصًا بعد أن خسر الأغلبية البرلمانية في الانتخابات الأخيرة، الأمر الذي دفع حكومة آل سعود للبحث عن وجوه جديدة قديمة لتحلَّ محل الحريري، عسى أنّ يستطيع أحدًا منهم القيام بما عجز عنه الحريري، ويأتي دور الرؤساء الثلاثة هذا مُتناغمًا مع الزيارات المُتتالية لعدّة زعماء لبنانيون إلى الرياض منهم سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية، والزعيم الدرزي وليد جنبلاط، حيث تهدف الزيارات جميعها إلى تشكيل تيار مُنظم مهمّته الوقوف بوجه حزب الله والمقاومة اللبنانيّة، بعد أنّ فشل الحريري في تحقيق أي إنجاز في هذا المجال.
ارسال التعليق