
نرحب بخطوتكم، ونحذر من الوقوع في فخ الداخل والخارج
[جمال حسن]
نشر معارضون ينتمون لعدة أحزاب وجماعات سياسية من بلاد الحرمين على مواقع التواصل الاجتماعي منهم المعارض وزعيم "حركة تحرير جزيرة العرب" "دخيل بن ناصر القحطاني" بياناً أعلنوا فيه عن عقد اجتماع لتأسيس "أول برلمان وطني انتقالي" للإطاحة بنظام آل سعود الوراثي عبر تجميع الطاقات والمساعي للقوى في الخارج.
الخطوة هذه مباركة من وجهة نظرنا خاصة وأنها وبعد حوالي ثلاثة عقود من الزمن وقفت على ما قلناه آنذاك بضرورة توحيد الصف لإسقاط الأسرة الحاكمة في بلاد الحرمين الشريفين في وقت كان الكثير يشدد التزامه على مقولة "الملكية الدستورية" التي لطالما أكدنا بأنها ليست المخرج الصحيح لما يعانيه شعبنا من آلام وويلات وقمع للحريات وتمييز مناطقي وطائفي وقبلي ونهب للثروات.
تاريخ حكم آل سعود حافلا بالجرائم النكراء كالتعذيب والتنكيل ثم القتل ضد كل من يتفوه بحرف ضد السلطة القائمة خاصة خلال العهد السلماني.. إنها سياسة القطيع، أينما وجهه الراعي عليه أن يستجيب ويخضع بصمت.. وإلا ستكون العواقب وخيمة.. تصل حد القتل، سياسة أبسط ما يمكن أن يقال عنها أنها تجلي للصلف والخشونة والاحتقار والإقصاء وهضم حقوق المواطنين المغلوب على أمرهم.
فقد قال زعيم حركة تحرير جزيرة العرب دخيل بن ناصر القحطاني، إنه بإزالة حكم ابن سعود ستتنفس جزيرة العرب الحرية وسيرى العالم حقيقة وأصالة شعبها الكريم وسيصنع أحرار وحرائر الجزيرة العربية دولة المستقبل، بقوة عزيمتهم ونضالهم المشرف ينتزع الحق انتزاعاً.
وخير ما دعا إليه البيان شعب الجزيرة العربية إلى إسقاط نظام الاحتلال السعودي متبرئاً في الوقت نفسه ممن يدعون إلى "ملكية دستورية"، وأن الاستجابة لرغبات دول وأجهزة مخابرات أجنبية لا تمت لمصالح بلادنا وشعبنا بصلة. ما يشير إلى غيبة أمل بعض قيادات المعارضة في بلاد الحرمين لما كانوا يدعون إليه في الماضي.
أحداث بداية التسعينيات من القرن الماضي وبداية القرن الحالي وما آلت إليه الوساطات الأجنبية لتقريب الرؤى بين قوى المعارضة في بلاد شبه الجزيرة العربية ونظام أبن سعود المحتل، تشير بكل وضوح ليس أنها وصلت إلى طريق مسدود فحسب بل أستغلها عبدالله والمخرف سلمان الذي خلفه شر استغلال في الإيقاع بين صفوف المعارضة وتشتيتها، إلى جانب اعتقال الكثير ممن عادوا إلى الوطن أو ممن دعوا إلى حرية الرأي والتعبير، ناهيك عن أولئك الذين تم تصفيتهم جسدياً في داخل البلاد وخارجها.
ففي 28 صفر 1424 هـ الموافق 30 أبريل 2003 قدم 450 شخصية وطنية من لإخواننا الشيعة (بينهم 50 رجل دين و42 أكاديميا و31 كاتبا وصحفيا وشاعرا و151 رجل أعمال و24 سيدة)، عريضة تحت عنوان "شركاء في الوطن" إلى ولي العهد آنذاك "عبد الله بن عبد العزيز" ومسؤولين آخرين، مطالب ضرورية لتحقيق المساواة الكاملة في المواطنة، كالتمثيل السياسي في الجهاز التنفيذي للدولة وفي مجلس الشورى، وكذا في المؤسسات الدينية.
بعدها وبالتوازي مع المعارضة السياسية نشأت حركة حقوقية في الخارج "المعارضون الجدد" ومن أبرزهم "حسن العمري" رئيس ديوان المظالم الأهلي و"علي الدبيسي" رئيس "المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان" و"يحيى عسيري" رئيس منظمة "القسط"، سعت لندن وواشنطن للوساطة بينهم وبين سلطات الرياض لكنها باءت بالفشل كسابقاتها، وأكدت نفاق الوسطاء وانحيازهم للبقرة الحلوب ضمانا لمصالحهم الوطنية.
وأشار البيان الأخير للمعارضة السعودية إلى "إن الحديث عن حق الآخر المعارض؛ في الدعوة إلى (ملكية دستورية) شأن يخص من دعا إليها.. مع التنبيه إلى أن من دعا إلى الملكية الدستورية هم الآن في السجون؛ وبعضهم استشهد فيها كالدكتور "عبد الله الحامد"، ومع التذكير أيضاً بأن دعاة الدستورية أولئك إنما وُضعوا في المعتقلات في عهد "محمد بن نايف" وعمّه "أحمد". فكيف يمكن أن تنطلق دعوة لتبييض صفحة المجرمين، ليعودوا ملوكاً دستوريين"؟!
تقارير الاستخبارات الغربية والأمريكية تؤكد أن العديد من الشخصيات المعارضة لسلطة آل سعود معرضين حالياً إلى مصير "جمال خاشقجي"، منهم الأمير "خالد بن فرحان آل سعود" (ينتمي الى بيت بعيد نسبياً داخل العائلة السعودية)، و"محمد بن عبدالله المسعري" (مؤسس وأمين عام حزب التجديد الإسلامي والناطق الرسمي له)، و"سعد بن راشد الفقيه" (رئيس المكتب السياسي للجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية ومؤسس الحركة الإسلامية للإصلاح والمتحدث الرسمي باسمها)، و"غانم الدوسري" (ممثل ساخر سياسي اشتهر ببرنامجه الحواري عبر الإنترنت يدعى "غانم شو")، والدكتورة "مضاوي الرشيد". وفي 2 يناير 2016 نفذت سلطات آل سعود أكبر عملية إعدام جماعي في البلاد منذ 1980، وأعدمت 47 رجلا، غالبيتهم بتهم واهية ومفبركة بعد ستحصال اعترافات تحت التعذيب المفرط والوحشي من قبل رجال أمن "محمد بن سلمان" كان بينهم رجال الدين الشيعي "نمر باقر النمر" وذلك لسبب خطاباته الداعية إلى المساواة بين المواطنين في البلاد.
وتنوعت حركات المعارضة في شبه الجزيرة العربية بحسب مطالبها، فهناك المعارضة غير المسلحة الموجودة في الخارج التي تدعو إلى إسقاط نظام آل سعود منها الحركة الاسلامية للإصلاح وتنظيم التجديد الاسلامي، وهناك المعارضة السلمية في الداخل التي كانت تدعو إلى إصلاح النظام منها "جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية" أو بما يُسمى "التيار الإصلاحي في السعودية"، وهناك المعارضة المسلحة منها تنظيم "جزيرة العرب" و"حزب الله الحجاز" والآن "ولاية نجد".
وكشفت شبكة "سي.أن.أن" الأمريكية إن طلب اللجوء في الخارج صار غاية منشودة لكثير من السعوديين بسبب حملة ولي العهد لقمع المعارضة في المملكة، مشيرة إلى أن عشرات الآلاف من السعوديين لجئوا خلال الأعوام الأربعة الماضية إلى أمريكا وبريطانيا وألمانيا وكندا وغيرها من البلدان الأوروبية الأخرى خوفاً من بطش محمد بن سلمان.
الآن وقد تم الإعلان عن تشكيل "أول برلمان وطني انتقالي" للإطاحة بنظام آل سعود الوراثي عبر تجميع الطاقات والمساعي للقوى في الخارج، هل سيفيق ممن لا زال يدعو إلى "الملكية الدستورية" من سباتهم؟ وهل سينهض الداخل للمقاربة مع أهلنا في الخارج للوصول للغاية المطلوبة؟ وهل سيبقى الأشقاء في الخارج مرتهنين بالوساطات الأجنبية ومن ثم نشهد أفول هذه الحركة على شاكلة مثيلاتها طيلة العقود الثلاثة الماضية؟.
أم أننا سنشهد نظاماً قائماً على الحد من التوجهات والممارسات التعصبية، عبر تغيير مناهج التعليم ووسائل الإعلام وما يصدر عن المؤسسات الدينية الرسمية. إلى جانب اعتماده سياسة وطنية تثقيفية تبشر بالتسامح والاعتراف بالتعدد المذهبي القائم في البلاد، ويؤكد الاحترام لحقوق الإنسان وكرامة المواطن وحريته الدينية والفكرية؟ إلى جانب تجريم وإدانة أي شكل من أشكال التحريض على الكراهية بين المواطنين، والإساءة لمذاهبهم الإسلامية المختلفة؟!
المراقبون للشأن السعودي يؤكدون أن اعتماد المعارضة للأسرة السعودية الحاكمة على أقوال ووعود النظام الحاكم في الداخل، وكذا الوثوق بوعود الدول الأجنبية ذات المصلحة في استحلاب القائمين على السلطة في بلاد الحرمين، يعد من أكبر المخاطر التي تواجهها هذه الحركة الجديدة؛ مشددين على ضرورة أخذ الحذر والحيطة من التوغل الاستخباراتي السعودي والغربي والأمريكية والعربي في صفوف أعضاء البرلمان الوطني الانتقالي في شبه الجزيرة العربية.
ارسال التعليق