الاعتراف الأمريكي بشرعية أنصار الله... وردود أفعال النظام السعودي المتشنجة!
[عبد العزيز المكي]
تصريحات المبعوث الأمريكي في الأزمة اليمنية تيموثي ليندر كينغ التي أدلى بها يوم 24/6/2021، امام المجلس الوطني الأمريكي للشؤون الخارجية، وقال فيها: " إن واشنطن تعترف بحركة الحوثي طرفاً شرعياً في اليمن...و أنها مجموعة حققت عدة مكاسب"..هذه التصريحات أثارت جدلاً مازال حتى كتابة هذه السطور محتدماً داخل الأوساط اليمنية الحليفة للنظام السعودي، بينما الأخير عبر عن انزعاجه من هذه الخطوة الأمريكية، وكذلك وسائل اعلامه، منتقداً سياسة الأدارة الأمريكية ومتهماً إياهم بالتواطئ!! وفي هذا السياق غرد سطام بن خالد آل سعود، الذي يعتبر بوقاً اعلامياً ضمن جوقة الأمراء والكتاب المستأجرين، الذين يصفقون لبن سلمان، ويسوقون سياساته ويبرونها له..غرد هذا الأمير منتقداً الولايات المتحدة الأمريكية بشدة، قائلاً: " ان اعتراف الولايات المتحدة بشرعية الحوثيين، دليلاً على ازدواجية السياسية الأمريكية، مشيراً، الى تناقض موقفه من حركة طالبان بعد عقدين من الحروب". وأضاف: " ان هذا الأمر ليس بجديد على السياسة الأمريكية المتناقضة".. وأوضح: "ان أمريكا جلست 20 عاماً تحارب طالبان بذريعة أنها حركة إرهابية لكن عند مصالحها جلست وتحاورت معها وتجاهلت كل ماقالته عنها". واستطرد قائلا: " اليوم تعلن ان جماعة الحوثي طرفاً شرعياً.. متابعاً..سؤالي هنا، هو لو استولت داعش على مناطق العراق ستصبح طرفاً شرعياً أيضاً؟"
أما على صعيد الكتاب والمعلقين السعوديين، فان صحيفة الأمناء نت اليمنية القريبة من مرتزقة النظام السعودي قد أجرت استطلاعاً مع عدد من المتابعين في الشأن اليمني والعربي من السياسيين والكتاب والباحثين السعوديين نشرته في 27 حزيران2021، بدأت هذه الصحيفة استطلاعها مع الكاتب والمحلل السياسي السعودي خالد الزعتر، والذي اعتبر ان تصريحات تيموثي ليندر كينغ تأتي في سياق السياسة الأمريكية الجديدة التي تتعامل مع الملف اليمني من منطلقين، " الاول وهو محاولة فرض الحوثيين كأمر واقع في مستقبل اليمن من خلال النظر اليه بصفة شرعية. والمنطلق الآخر النظر الى ايران باعتبارها طرفاً في حل الأزمة اليمنية، بدلاً من استبعادها باعتبارها جزءاً من الأزمة بدعمها " للميليشيات الحوثية" وبالتالي لا يمكن القبول بها كطرف في تحقيق الحل السياسي بدليل زيارة المبعوث الأممي إلى إيران والتي تشرعن التدخلات الإيرانية في الملف اليمني" على حد زعمه. وأضاف هذا الكاتب قائلاً: " التوجهات الأمريكية تجاه الملف اليمني هي لا تهدف الى تحقيق الحل السياسي وتثبيت شرعية الدولة اليمنية في مواجهة " الميليشيات الحوثية الانقلابية"، بل تهدف الى توظيف الملف اليمني في استراتيجية المقايضة مع ايران بشأن تحقيق تقدم في مفاوضات الملف النووي الإيراني." على حد زعمه.. أما السياسي السعودي والخبير في الشأن الخليجي والعربي الدكتور عبد الهادي الشهري، فهو له يذهب بعيداً عما ذهب اليه مواطنه خالد الزعتر، فهو قال ان " تصريحات المبعوث الأمريكي الخاص ليندركينغ باعتراف الإدارة الأمريكية بالحوثيين طرفاً شرعياً باليمن تأتي لإرسال وسائل إيجابية للحوثي والمفاوض الإيراني".
من جهتها اعتبرت المستشارة والباحثة المتخصصة في ملف التطرف والإرهاب خديجة عبد الله: "ان الإدارة الأمريكية تعيش في حالة من التخبط فيما يخص الملف الحوثي في اليمن، ففي المرة الأولى وضعته على قوائم الإرهاب ثم عادت مرة أخرى لتنزع عنهم صفة الإرهاب وترفض تصنيفهم كجماعة مسلحة، في كل الأحوال المملكة ماضية في جهودها لإنقاذ اليمن ورفض الممارسات المتطرفة من قبل الجماعات الحوثية".
وإلى ذلك، اعتبر كاتب ومحلل سياسي سعودي آخر هو فهد الديباجي، تصريحات المندوب الأمريكي بالون اختبار وقياسي للرأي العام اليمني والعربي ومدى قبول ذلك أو تمريره! على حد قوله.
واللافت ان الجدل حول اعتراف المندوب الأمريكي ليندر كينغ بشرعية أنصار الله ظل متواصلاً، ومثله الانزعاج السعودي، حتى بعد بيان وزارة الخارجية الأمريكية الذي حاول التملص من هذه التصريحات والتأكيد على ما اسماه شرعية حكومة هادي، فهذا البيان لم يقنع السعوديين على ما يبدو، وقال بعض محلليهم، ان هذا البيان يبقى لا قيمة له ما دامت سياسة امريكا على أرض الواقع تؤكد تصريحات المندوب الامريكي!!
و قبل تحليل أسباب هذا القلق والأنزعاج السعودي من تصريحات ليندركينغ التي اعترف بها بشرعية أنصار الله، اسمحوا لنا بالعودة الى تصريحات الأمير السعودي سطام بن خالد والتوقف عندها لتسجيل الملاحظات التالية:-
1- يشير هذا الأمير في معرض انتقاده للأميركان، أن هؤلاء حينما يفشلون في كسر إرادة خصومهم، فأنهم يخضعون للواقع ويتعاملون مع هؤلاء الخصوم حفاظاً على مصالحهم، أي أنهم من أصحاب المدرسة الواقعية، وهذا صحيح، فقد أصاب الأمير الذي بدا وكأنه لتوه يكتشف هذه الحقيقة فيما يعرف القاصي والداني هذا الأمر، فالامريكان يختلفون عن أسياد آل سعود الأول الانجليز، والأمثلة على ذلك كثيرة، حاربوا وعادوا الصين عقوداً ومن ثم اعترفوا بالنظام الماركسي عبر ما سمي بدبلوماسية كرة التنس، كما اعترفوا بالثوار الفيتناميين بعد حرب استمرت أكثر من عشر سنوات وكلفت أمريكا خسائر بشرية ومادية وأسلحة، فادحة، وكذا الأمر مع كوبا وإيران، وغير ذلك كثير، ولو افترضنا أن هذا الأمير ومن يقف وراءه اكتشف جديداً أن سيدة الأمريكي يمكن أن يتراجع ويعترف بالخصوم، فذلك يجب أن يكون درساً وعبرة لآل سعود بعدم الرهان على أميركا وعلى حمايتها، فلابد من يوم تتخلى فيه هذه الإدارة عن آل سعود، لأنها تنظر دائماً الى مصالحها، فمتى ما اقتضت مصالحها الرمي بأدواتها في مزابل التاريخ لن تتأخر لحظة عن ذلك، مثلما فعلت مع شاه إيران السابق، ومع مبارك ومع القذافي ونورييغابنما وضدام وغيرهم وكل هؤلاء خدموا أميركا كما فعل ويفعل آل سعود، فلابد أن يحذروا ويؤبوا الى رشدهم، ويتخلوا عن التآمر على الأمة خدمة لأميركا ولحفائها الغربيين والصهاينة.
2- حاول هذا الأمير تزييف الحقائق وتضليل الرأي العام حول الموقف الأمريكي من طالبان وداعش، بل وموقف السعودية أيضاً، فلم تكن أمريكا أو النظام السعودي يوماً عدوان لطالبان والقاعدة وداعش أبداً، فطالبان باعتراف رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة بي نظير بوتو، أسستها المخابرات الأمريكية السي آي ايه، ونظيرتها السعودية ويمساعدة مخابرات الجيش الباكستاني isi، وبأموال سعودية، وتجنيد سعودي لطلاب المدارس السعودية وهي بالمئات والتي أسسها النظام السعودي ومولها، في باكستان وافغانستان، وأمدها بالمدرسين ودعاة الوهابية ممن تخرجوا من المؤسسة الدينية الوهابية في السعودية نفسها. فبي نظير بوتو كانت قد قالت ان طالبان أسستها المخابرات الأمريكية والسعودية بتمويل سعودي ونحن ساعدناها، أي باكستان!!
أما داعش وتمويلها وتأسيسها، فهو لايختلف عن طالبان والقاعدة وباقي التنظيمات التكفيرية، باعتراف الرئيس الأمريكي ترامب، حيث قال إن إدارة اوباما هي من أسست داعش وأطلقته في المنطقة، ومولته السعودية، واشترت له السلاح، وسهلت له تركيا لاحتلال الموصل، وقد اعترف حمد بن جاسم آل ثاني رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري السابق لأكثر من مرة بأن السعودية وقطر دعمت ومولت وسلحت الجماعات الوهابية التكفيرية في سوريا والعراق، ولعلم الأمير السعودي، أن بلاده هي من اشترت أجهزة إذاعة وتلفزيون داعش في الموصل، وهي من نصبته لها، ومن شغلته، كما أن السعودية تحتفظ " بشرف" ان خمسة آلاف انتحاري أرسلهم النظام السعودي إلى العراق لقتل الأبرياء.
نعم، هذه الحقائق باتت واضحة وضوح الشمس، وبالتالي لم تكن أمريكا أو حتى النظام السعودي جادين في محاولة طالبان وداعش وباقي التنظيمات التكفيرية، أما التظاهر بمحاربة هذه التنظيمات إنما هو لتضليل الرأي العام، ولتبرير التواجد العسكري الأمريكي وادارة المؤامرة الأمريكية تجاه الأمة الإسلامية ميدانياً، أما هذه التنظيمات فهي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من المشروع الامريكي الصهيوني الذي يتحرك، أو تتحرك مفاصله في المنطقة عبر أشكال الحروب العسكرية والحروب الاقتصادية والحصارات بكل أنواعها وعبر المؤامرات السياسية، وتحرك الوكلاء والعملاء والأدوات ضد مصالح الأمة. وبالتالي فأن هذه التنظيمات التي أطلقت لتمرير المشروع الآنف، ولإثارة الفتنة الطائفية لاستنزاف الأمة الاسلامية ولتمزيقها، مازالت تشكل رأس الحربة في ذلك المشروع، ومازالت أميركا تستثمر فيها، ولذلك فلو أن داعش استولى على العراق لاعترفت به أمريكا كما قال هذا الأمير، والدليل أن اميركا تعادي الحشد الشعبي القوة التي قضت على هذا الحلم الداعشي الذي هو بالأحرى حلم أمريكي وسعودي أيضاً.
نعود إلى تحليل أسباب الانزعاج السعودي من الاعتراف الأمريكي بشرعية أنصار الله الحوثيين، وقبل الإشارة إلى تلك الأسباب، نشير إلى أن انصار الله لا يحتاجون إلى اعتراف أمريكا بشرعيتهم، فهذه الشرعية لا تأتي من أميركا أو من أي دولة أخرى، انما هذه الشرعية، ليس لأنصار الله بل لأي جهة سياسية أو نظام في أي دولة، تأتي من الشعب ومن الحاضنة الشعبية، وأنصار الله اكتسبوا شرعيتهم من احتضان الشعب لهم، فلولا هذه الحاضنة لما تمكنوا من هذا الصمود والمقاومة طيلة أكثر من ست سنوات من الحرب الكونية التي تشارك فيها أميركا وبريطانيا والنظام الصهيوني وأسلحتهم المتطورة بالإضافة إلى قوات النظامين السعودي والإماراتي وأموالهما الطائلة، مضافاً إلى ذلك الحصار بكل أنواعه المفروض على هذا لشعب المظلوم، ومازالت هذه الحرب، وهذا العدوان الكوني متواصلاً، فهذا الصمود وهذه المقاومة والإدارة الصلبة، كل ذلك دليل واضح على دعم والتفاف الشعب اليمني حول أنصار الله، ولذلك فأن الحوثيين لم يكترثوا لتصريحات ليندركينغ لأن اعترافه بالنسبة لهم لا يقدم ولا يؤخر مادام يبقى في دائرة المناورة وتحقيق الأهداف والمصالح الأمريكية على حساب مصالح الشعب اليمني ومستقبله.
ولكن من ناحية أخرى فأن لهذا الاعتراف استحقاقات قانونية وسياسية تصب في مصلحة أنصار الله، ولا تخدم المعتدي السعودي، ولعل من أبرز هذه الاستحقاقات ما يلي:-
1- إن الاعتراف الأمريكي بانصار الله كجهة شرعية في اليمن يسحب عنهم " صفة التمرد والانقلابية" التي نعتهم بها السعودي وبرّر عدوانه عليهم، وبحسب القانون الدولي فأن هذا الأمر تترتب عليه عدة أمور منها، أن العدوان الذي شنه النظام السعودي وحلفاؤه غير شرعي واعتداء سافر، وانتهاك لسيادة وكرامة طرف آخر، لم يقم بأية خطيئة، وهذا يلزم المجتمع الدولي وقف العدوان، والزام النظامين السعودي والإماراتي تعويضات كل الخراب والدمار الذي لحق بالبنية التحتية لليمن، وببناء كل المراكز والبيوت والمؤسسات والمدارس والمواقع الحكومية التي تهدمت بفعل العدوان، وكذلك تعويض كل الضحايا وما لحق بالعوائل اليمنية من قتل وتهجير ومعاناة وما الى ذلك.. وهذا ما يشكل كارثة بالنسبة لهذين النظامين المعتديين على اليمن.
2- إن سحب شرعية العدوان السعودي وإسقاطها بهذا الاعتراف يلزم النظامين السعودي والإماراتي الانسحاب فوراً من الأراضي اليمنية المحتلة، وبالتالي خسارة هذين النظامين الفادحة على كل الصعد، لأنهما تلطيا وراء " الشرعية" أي " شرعية هادي وحكومته وعدم شرعية أنصار الله"، لتحقيق أهداف تخص السعودية والأمارات ومنها السيطرة على الموانئ والثروات المعدنية والنفطية، والتمركز في المواقع الاستراتيجية لليمن. ما يعني ذلك خسارة تلك المكاسب التي حققوها في المحافظات الجنوبية كلها جملة واحدة، بمعنى خسارة كل هذا الجهد العدواني الذي قاموا به على مدى السنوات الست الماضية وما زالوا يواصلونه حتى اللحظة.
وإذا لم ينسحبوا من المناطق المحتلة، فأن الاعتراف بشرعية انصار الله يؤسس لقاعدة قانونية وهي أن وجود المحتلين في المناطق اليمنية أياً كانت يعتبر وجوداً احتلالياً وبالتالي مشروعية مقاومته وإخراجه بكل الأساليب المتاحة ومنها المقاومة العسكرية.. ومن شأن ذلك أن يفتح باباً على النظامين السعودي والإماراتي خطير جداً في اليمن، ولعل بواكير تمرد الشعب اليمني في المحافظات الجنوبية بدأت تأخذ منحىً تصاعديا ونضوجاً يوماً بعد آخر.
3- من شأن نزع " الشرعية" عن العدوان السعودي الاماراتي على اليمن، أن يفتح الباب مشرعاً لأنصار الله لمقاضاة النظامين السعودي والإماراتي أمام المحاكم الدولية، لما اقترفاه من جرائم ومذابح بشعة بحق الشعب اليمني، اعتبرتها المنظمات الدولية، ومنها منظمة العفو الدولية، ومنظمة هيومن راتيس ووتش الأمريكية جرائم حرب يعاقب عليها القانون الدولي، وبالتالي فأن رفع أنصار الله ملفات هذه الجرائم الى تلك المحاكم، سوف يجعل ولي العهد السعودي والحاكم الإماراتي بن زايد تحت طائلة الملاحقة القانونية للاقتصاص منهما ومعاقبتهما على تلكم الجرائم التي اقترفاها بحق الشعب اليمني المظلوم.
4- أحد أبرز أهداف العدوان السعودي، هو القضاء على أنصار الله والتخلص من كابوسهم الذي أصبح على حدودهم.. في حين الاعتراف بشرعيتهم من قبل أمريكا يلزم النظام السعودي الاعتراف بهم والإقرار بوجودهم طرفاً أساسيا وفاعلاً في اليمن وذلك ما يبقي بنظر النظام السعودي، خطرهم قائماً على المملكة وعلى هذا النظام تحديداً، خصوصاً وان أنصار الله يطالبون باسترداد المحافظات اليمنية المحتلة، جيزان ونجران وعسير، التي تنازل عنها الرئيس السابق على عبد الله صالح للسعودية، والغوا المعاهدة التي عقدها صالح للسعوديين وسلمهم بموجبها هذه المحافظات اليمنية! وما يزيد الطين بله هو أن أنصار الله أصبحوا قوة عسكرية كبيرة وقوية فشل العدوان السعودي في مواجهتها، وهذا ما أكده معهد واشنطن في مقالة نشرت بعض المواقع اليمنية الالكترونية ترجمتها العربية في 1 تموز الحالي، وكتبتها الباحثة المتخصصة في المعهد إيلانا ديلوزيز، اشارت فيها إلى أن الحوثيين شجعان لا يوجد طرف قادر على إزاحتهم.. متحدثة عن قوتهم وضعف وتفكك خصومهم سياسياً وعسكرياً.
5- إن خضوع آل سعود للأمر الواقع بوجود الحوثيين طرفً فاعلاً ورئيسياً في المعادلة السياسية والعسكرية اليمنية، سيكون له ارتدادات داخلية واستحقاقات قد تشكل تهديداً للنظام السعودي، ولهذا بالإضافة إلى الأسباب المشار إليها والتي لم يُشر إليها، فأن النظام لسعودي يعيش حالة من القلق والخوف من الخطوة الأمريكية الآنفة!
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق