بعد دعوة قطر للحوار واستجابة إيران لها..هل تمتلك بعض دول مجلس التعاون الإرادة!؟
[عبد العزيز المكي]
استجابت إيران لدعوة الحوار التي أطلقتها قطر بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران، ورحبت بهذه الدعوة، وقال ظريف في تصريح له يوم 22/1/2021، أن يد بلاده ما تزال ممدودة إلى الدول الخليجية وأن استقرار منطقة الخليج من مصلحة الجميع.. داعياً الدول الخليجية إلى الحوار، ومذكراً باستجابة إيران إلى دعوة للحوار سابقة أطلقها أمير الكويت الراحل صباح الأحمد الصباح. وكان وزير الخارجية القطري الشيخ أحمد بن عبد الرحمن آل ثاني قد قال في حديث له مع وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية يوم 19/1/2021..." أن الوقت قد حان كي تبدأ دول الخليج العربية المحادثات مع إيران الآن" مشيراً إلى " احتمال إجراء محادثات بين الولايات المتحدة وإيران" وبيّن آل ثاني: " أن بلاده تأمل في عقد قمة بين قادة دول مجلس التعاون الخليجي الستة وإيران، وهذه أيضاً رغبة تشاركها دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى".. وأكدت هذه الدعوة القطرية المتحدثة القطرية باسم الخارجية، نائب وزير الخارجية لؤلؤة الخاطر في 21/1/2021، وقالت الخاطر " أن الدوحة ملتزمة بالمشاركة في حوار بناء بين طهران ودول الخليج" وأضافت: " لقد أعربت قطر عن رغبتها في القيام بهذا الدور" موضحة أن " إيران واقع جغرافي في منطقتنا ودول الخليج واقع جغرافي، ولا أحد سيزول، ولهذا السبب من المهم للغاية الدخول في حوار هادف وبناء مباشر".
و فيما رحبت إيران بالدعوة القطرية للحوار، فأن السعودية ردت ببرود، كما جاء ذلك على لسان وزير الخارجية بن فرحان آل سعود، إذ قال " إن دعوات إيران للحوار غير مجدية" بحسب زعمه، وفي تصريحات لوسائل إعلام سعودية أضاف بن فرحان قائلاً: "إن دعوات إيران للحوار تهدف للتسويف والهروب من أزماتها".. لكنه استدرك قائلاً: " أن يد المملكة ممدودة للسلام مع إيران، لكن الأخيرة لا تلتزم باتفاقياتها" ، مشيراً إلى أن ضعف اتفاقيات سابقة مع إيران سببه عدم التنسيق مع دول المنطقة..
و بالرغم من الرد السعودي البارد على تلك الدعوة، فأنها أي تلك الدعوة من حيث المبدأ تعد تطوراً إيجابياً في المنطقة، لأن الأخيرة كانت حتى رحيل ترامب وخروجه ذليلاً من البيت الأبيض الأمريكي كانت تعيش مناخات وأجواء متوترة جداً حيث كانت التوقعات كبيرة جداً بحصول حرب أو صدام عسكري بين إيران والولايات المتحدة في الخليج في ضوء الاحتكاكات المتكررة بين القوات البحرية لكلا الطرفين في الخليج، وفي الاستعدادات العسكرية ووضع اليد على الزناد، إذ يمكن أن تطلق النار لمجرد خطأ يرتكبه الأميركان أو حلفائهم في المنطقة، وما عزز هذه المناخات المتوترة جداً والمنذرة بانفجار عسكري لا يبقي ولا يذر تصريحات المسؤولين الأمريكيين سيما وزير الخارجية المتصهين مايك بومبيو بالإضافة إلى تصريحات التحريض والتحريك التي يدلي بها الصهاينة وعلى رأسهم رئيس الوزراء نتنياهو ليل نهار من أجل إشعال فتيل الحرب بالمنطقة، والتي مازالوا يسعون إلى إشعال أوارها حتى اللحطة، رغم ان أجواء التوتر تراجعت كثيراً بعد خروج المعتوه الرئيس ترامب من الحكم في واشنطن.
هذا أولاً، وثانياً أن الدعوة تشير بوضوح إلى أن قطر، وان أعلنت أنها قامت بمبادرة فردية، إلا أنها ليست بعيدة عن الأجواء الأمريكية للادارة الجديدة وعن الأجواء السعودية، رغم برودة الرد السعودي كما مر بنا.. فالإدارة الأمريكية الجديدة تريد فتح حوار مع القيادة الإيرانية لمعالجة إشكالات خروج ترامب من الاتفاق النووي الإيراني لكنها بنفس الوقت تتعرض لضغوط من كل من الكيان الصهيوني والسلطات السعودية لاشراكهما في أية محادثات محتملة مع الجانب الإيراني، لكن إيران ردت بأنها لا تسمح لا للعدو ولا للسعودية، بالدخول على خط المحادثات حول النووي الإيراني وبالمطلق، فمن المحتمل أن إدارة بايدن ولمعالجة هذه الإشكالية أوصت إلى قطر بإطلاق هذه الدعوة لإقامة حوار منفصل بين إيران وجاراتها الخليجيات، وحوار آخر تقوم به هذه الإدارة مع إيران..
أما بالنسبة إلى النظام السعودي، فأن تصريحات بن فرحان تشير بوضوح إلى أن النظام السعودي يمسك بالعصا من الوسط، فهو لا يريد أن يرفض هذه الأجواء التي أثارتها الإدارة الديمقراطية الجديدة، سيما وان الإدارة الديمقراطية في عهد أوباما وعلى لسان الأخير، في فترة ولايته الثانية دعا في تصريحات لمجلة أتلانتيك الأمريكية السعودية والإمارات إلى فتح حوارات مع جارتهم إيران، مشيراً إلى أن الخطر الذي يتهدد نظاميهما لا يتأتي من إيران، بل من الداخل، من شعبيهما داعياً إياهما إلى الانفتاح عليها ومنح المعارضة المزيد من الحرية والمشاركة السياسية، والاستماع إلى آرائها، وهذا ما يفسر استدراك بن فرحان بأن يد بلادهم ممدوده للسلام مع إيران، لكن النظام السعودي يتعرض بنفس الوقت إلى ضغط هائل من الكيان الصهيوني لرفض أي حوار مع إيران، لان ذلك يتنافي مع سياسات هذا الكيان كما سنبين بعد قليل، ولذلك فأن بن فرحان في الوقت الذي يحاول التجاوب مع الأجواء التي تريدها الإدارة الأمريكية فأنه يحاول طمأنة الحليف الصهيوني بأنه لا يقوم بهذه الخطوة بدون التنسيق معه!
وثالثا: إن من المحتمل أن هذه الدعوة جاءت استجابة لتطلعات سعودية وأوربية وحتى أمريكية، سيما في ظل الإدارة الجديدة، للتخلص من الحرب المفروضة على الشعب اليمني، إذ أن هذه أصبحت تشبه إلى حد كبير حرب أمريكا على الشعب الفيتنامي في عشرية الستينات، حيث تحولت إلى مستنقع غرقت فيه الدبابات الأمريكية والطائرات، والتهم الآلاف من جنود وقوات القوة العظمى ما اجبرها على الفرار من هذا المستنقع مهزومة ذليلة بائسة، وما قامت، وما عانت منه أميركا على يد الفيتناميين في تلك الفترة، تعاني منه المملكة السعودية اليوم على يد أبناء الشعب اليمني، وكلما طال أمد العدوان كلما وجدت السلطات السعودية أنها تغرق أكثر وأكثر في هذا المستنقع الذي استنزفها وما يزال على كل الأصعدة.. ولذلك فهذه السلطات تتطلع كما قلنا إلى الخروج من هذا المستنقع خروجاً يحفظ لها ما تبقى من ماء الوجه، إذا بقي ثمة من ماء وجه بعد كل هذه الجرائم المروعة التي اقترفتها بحق الشعب اليمني المظلوم، وللإشارة فأن هذه السلطات السعودية كانت قد حاولت فتح قنوات حوار واتصالات مع أنصار الله، لكن الولايات المتحدة والكيان الصهيوني في عهد ترامب عارضت توقف الحرب لأن هذه الحرب تشغل المصانع العسكرية الأميركية وتساهم في حل جزء من مشكلة البطالة التي كان ترامب قد وعد بحلها، ذلك فضلاً عن عقود الأسلحة الأمريكية وهي بالمليارات للسعودية والأمارات، وبالتالي فأن النظام السعودي بعد رحيل هذه الإدارة ومجيء الإدارة الجديدة التي بعثت بإشارات عديدة لإنهاء هذه الحرب، يريد الخروج من هذا المستنقع في إطار اتفاقات وحوارات إقليمية تحفظ له الهيبة وتجنبه الهزيمة المذلة وقد تحفظ له بعض من المصالح في اليمن. غير أن مشكلة النظام السعودي، هو انه لا يمتلك قراره السيادي بيده، كما أشرنا، فأنه يملى عليه، ولو كان الأمر غير ذلك، لاستجاب لدعوات إيرانية سابقة لحل كل مشاكل المنطقة في إطار حوار وتعاون امني وعسكري لقوى المنطقة، كما انه لو كان الأمر بيده لأنهى العدوان على الشعب اليمني منذ أمد بعيد ولا يتحمل كل هذا الإذلال وهذا السقوط الأخلاقي، والخسائر الاقتصادية والبشرية الفادحة كما قلنا أن العدو الصهيوني يعارض انخراط النظام السعودي في حوار مع إيران لأسباب باتت معروفة ومنها ما يلي:-
1- إن الحوار مع إيران من شأنه أن يؤدي إلى التفاهم والتعاون بين دول المنطقة وبالتالي نزع أسباب التوتر والتشنجات السياسية والأمنية بين دولها، وهذا أن تحقق يعني نسف كل الرواية الصهيونية الأمريكية القائلة بأن إيران تشكل تهديداً أمنياً وعسكرياً لجاراتها الخليجيات ! فهذه الرواية، كما بات معروفاً للقاصي والداني تشكل ركيزة أساسية لدوافع النظام السعودي وغيره من الأنظمة الخليجية، للهرولة نحو العدو الصهيوني والالتجاء إليه طلباً للحماية!! فهذا ما يروجه المسؤولون الصهاينة باستمرار وفي كل مناسبة وغير مناسبة! و هذا النظام بات يصدق بهذه الرواية حتى صارت معلماً من معالم استراتيجيات وسياسات هذا النظام، رغم أن هذه السياسات جاءت بمردودات سلبية على المنطقة وعلى النظام نفسه!
بناءاً على ذلك، فأن نسف هذه الرواية بالحوار والتعاون من شأنه أن يعرقل أو يعيق بل ويمكن أن ينسف الجهود الصهيونية الرامية إلى ربط هذه الأنظمة بالكيان الصهيوني، لأن هذه الأنظمة لم تعد بحاجة إلى الاحتماء بالكيان الصهيوني، ودفع كل هذه الضرائب الباهظة للعدو، لقاء هذه الحماية!! أكثر من ذلك، أن العدو شأنه في ذلك شأن الإدارة الأمريكية الترامبية، بدأ يوظف هذه الحماية المزعومة في عملية ابتزاز للنظامين السعودي والإماراتي من أجل حملهما على دفع الأموال الطائلة، وقبولهما باملاءات الصهيونية، سيما في مجالات التعاون العسكري والأمني مع العدو .
2- أكثر مما تقدم، هو أن النظام الصهيوني يحاول بل يبذل الجهود الحثيثة، على قاعدة الحماية المشار إليها، من أجل تشكيل حلف عسكري يضم العدو ودول الخليج العربية، لمواجهة إيران، ومحور المقاومة، ذلك ان هذا التشكيل شكل وما يزال، محور التحرك الصهيوني في الشهور الأخيرة لفترة ترامب، وحتى الآن، التقارير تتحدث عن تحركات رئيس الموساد يوسي كوهين على الإدارة الأمريكية الجديدة، بصدد إقناع مسؤولي البيت الأبيض الأمريكي الجدد بتشكيل هذا الحلف، الذي يعتقد العدو انه أرسى قواعد هذا الحلف من خلال تأسيس واقامة القواعد العسكرية الصهيونية في الإمارات وفي السعودية، أو الانضمام إلى القواعد العسكرية الأمريكية الموجودة أصلاً في تلك الدول مثل قاعدة العديد في قطر وقاعدة الأمير سلطان في السعودية وغيرهما، ولذلك فأن أي تفاهم إيراني سعودي سوف يلغي كل مبررات إقامة هذا الحلف وبالتالي حرمان العدو من أمرين مهمين، هما أولا: إمكانية توظيف العمق الجغرافي واللوجستي، وتوظيف الأموال الطائلة لهذه الدول في إطار المشاريع العسكرية والأمنية الصهيونية في المنطقة. وثانياً: حرمان العدو من ظروف توتر المنطقة اللازمة لتغلغله في نسيجها الاجتماعي والاقتصادي ونفوذه واختراقه لمكون الأمة الفكري والثقافي وبالتالي إمكانية فرض سطوته وهيمنته على هذه الأمة وتحويلها إلى قطعان يقودها ويوجهها ويؤثر على وعيها وعلى ذاكرتها التاريخية والثقافية بالشكل الذي ينسجم مع مصالحه وخططه الخبيثة.
3- من شأن بقاء الأجواء متوترة في المنطقة، بين إيران وجاراتها العربيات في الخليج، أن يخفف الضغوط على العدو الصهيوني، إذ كان ثمة اهتمام عربي خليجي بالقضية الفلسطينية، لأن المسؤولين الصهاينة وعلى رأسهم نتنياهو يعلنون دائماً أن هذه القضية لم تعد تحظى باهتمام الأنظمة العربية الخليجية، وحتى لو لم يكن هناك اهتمام، فأن العدو سيوظف هذا الإهمال العربي بل وظفه في إطار تنكره للحقوق الفلسطينية وفي زيادة توغله على أبناء الشعب الفلسطيني، بل أكثر من ذلك بدأ العدو يوظف هذه الدول ونفوذها في المجتمع الدولي، وامتدادها داخل نسيج الشعب الفلسطيني في محاربة فصائل المقاومة الفلسطينية وفي محاربة ثقافة المقاومة وفكرها، وفي الضغط على السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس ودفعها باتجاه القبول بالأطروحات الصهيونية ، فالنظام السعودي كان قد وعد محمود عباس بمنحه عشرة ملايين دولار أن هو وافق على صفقة القرن الترامبية، بمعنى أن العدو الصهيوني استخدم ووظف المال السعودي عبر بن سلمان في إطار محاولات ابتزاز السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس!! وبدون شك أن كل ذلك لا يبقى متيسراً للعدو بدون استمرار أجواء التوتر ومواصلة التخندق الخليجي مع العدو الصهيوني ضد إيران!
على أي حال، ما تقدم يؤشر بل ويؤكد أن إدارة النظامين السعودي والإماراتي خصوصاً مرتهنة للإدارة الصهيونية، ومادام الأمر كذلك فإن قراراتهما وسياساتهما ستظل ضد مصالح المنطقة وضد مصالح شعبيهما، وحتى ضد مصالحهما أنفسهما!!
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق