"حزب التجمع الوطني" والخفايا الغامضة في الإعلان
[حسن العمري]
تزامناً مع الذكرى التسعين لتأسيس كيان آل سعود، أعلنت مجموعة من الناشطين السعوديين المقيمين في المنفى (أمريكا وبريطانيا) عن تأسيسها "حزب التجمع الوطني" المعارض، ليكون أول تحرك سياسي منظم خارج البلاد ضد الأسرة العهد السلماني يهدف الى "التأسيس للمسار الديموقراطي كآلية للحكم في السعودية"، وذلك بقيادة الحقوقي المقيم في لندن يحيى عسيري وهو ضابط سابق في سلاح الجو، ويضم الحزب أيضاً كل من الأكاديمية الدكتورة مضاوي الرشيد، والباحث سعيد بن ناصر الغامدي، والدكتور عبد الله العودة (نجل سلمان العودة) المقيم في أمريكا، والناشط عمر بن عبدالعزيز الزهراني المقيم في كندا، والداعية سعيد الغامدي، والناشط أحمد المشيخص وغيرهم.
لست بصدد التشكيك في نوايا المعارضين الصادقين المنتمين لهذا التنظيم المعارض الجديد.. لكن بيان التجمع تحوم حوله شكوك كبيرة لا تتفق مع مفهوم "المعارضة السياسية الوطنية" بكل صنوفها وخصوصيتها وأسباب التشكيل والإفصاح عنها، وهو ما دفعني لكتابة هذه السطور للوقوف على حقيقة المراد والمطلوب والهدف من الإعلان عنه وفي هذا الوقت حيث قطار التطبيع مع الكيان الإسرائيلي قائم على قدم وساق يقوده المحمدان بسرعة فائقة تفوق التصور، والأب العجوز المصاب بالزهايمر يصرح بإنهاء القضية الفلسطينية خلال كلمته المصورة مسبقاً ونشرت في أول خطاب له أمام الاجتماع السنوي للأمم المتحدة في دورتها الـ75 قبل أيام.
"تشير المعارضة السياسية إلى أي تعبير عن عدم الرضا عن سياسات الهيئة الحاكمة أو معارضتها. قد يتخذ هذا التعبير أشكالًا من الخلاف الصوتي إلى العصيان المدني إلى استخدام العنف. في معظم البلدان الديمقراطية، تعتبر المظاهرات والخلافات غير العنيفة مع الحكومة من حقوق الإنسان الأساسية. تاريخياً، سعت الحكومات القمعية إلى معاقبة المعارضة السياسية. أصبحت حماية الحريات التي تسهل المعارضة السلمية علامة مميزة للديمقراطيات الليبرالية والمجتمعات المفتوحة. يعتبر قمع المعارضة السياسية محاولة لخنق الخطاب العام حول أكاذيب الحكومة أو الفساد أو عدم الكفاءة" - وفق مراقبون.
يقول أحد أعضاء حزب التجمع الوطني: "سلمان سيغادر السلطة تاركا وراءه عائلة ملكية محطمة يستعصي حالها على الإصلاح. فلقد استخدم ابنه الصقوري محمد أكثر الأساليب والدسائس إذلالاً ضد خصومه وضد عشائرهم الممتدة، الأمر الذي سوف يلاحقه في المستقبل فيما لو ضمن العرش لنفسه بعد اختفاء والده من المشهد.. إن تركة سلمان بن عبدالعزيز معضلة بُنيت على تناقض ظاهر في سياسات عائلة ملكية محطمة أثر في تشكيلة واسعة من الأمراء المتنفذين والعامة على حد سواء، ولعل أشهر حدث ذي صلة كان احتجاز عدد من أفراد العائلة الملكية المتنفذين في فنادق من فئة خمس نجوم وفي السجون منذ عام 2018 ".
الإعلان عن هذه الجماعة المعارضة لسلطة آل سعود لم يكن الأول من نوعه فقد جرب البعض من قبلهم ذلك آخرون، منها تحرك مجموعة من رجال الدين والمفكرين في تسعينيات القرن الماضي وتم اللقاء بينهم وبين عبدالله بن عبدالعزيز ووعدهم بوعود للتغيير بقيت غالبيتها حبر على ورق، هاجر البعض منهم خارج بلاد الحرمين ومنهم من قبع في السجون فيما بعد تحت أسباب ومسميات متعددة؛ كما شهد عام 2011 وتزامناً مع حركة "الربيع العربي" الإعلان عن محاولة ثانية هي "حزب الأمة الإسلامي" والذي تم اعتقال كل من شارك فيه وأيد هذه الخطوة، الأمر ذاته تكرر مع المحاولات الحثيثة من مؤسسات المجتمع المدني كمنظمة "القسط" ليتم أيضاً التنكيل بأعضائها.
البيان التأسيسي لحزب التجمع الوطني هو الآخر يشوبه الغموض والخوف خاصة وأنه يجمع النقائض في طياته، فبداية يؤكد على أن "التجمع الوطني لا يهدف إلى استبدال نظاما بآخر، بل نريد تغيير الاستبداد بخيار الشعب، وعبر المساواة والديمقراطية" والبلد يقبع في جحر أفعى سامة مستبد قمعي وحشي إرهابي لا يفقه سوى لغة القوة والثورة الشعبية العارمة؛ وتارة يخاطب المجتمع السعودي بأنه "نرغب في حفظ كرامة وحقوق الناس عبر قضاء مستقل عادل، والتأسيس للمسار الديمقراطي لمنح الشعب حرية التعبير والمشاركة" دون التوضيح عن كيفية تمكنهم من القيام بذلك في ظل سلطة قائمة على رقاب الناس بسيف الحرابة الدينية وفتاوى رخيصة عند الطلب في كل شاردة وواردة، وحجم كبير من القاعدة الشعبية الساذجة تهرول وراء التطبيل الفارغ والوهمي بين زنا المحارم وجهاد النكاح والتكفير والرقص المختلط والتعري على شواطئ بلاد الحرمين الشريفين.
طريق العمل لبناء معارضة وطنية مستقلة تكون بديلاً محتملاً وممكناً بالفعل للسلطة الأسرية الحاكمة في الوقت الحاضر يتوقف على النجاح في خوض المعركة المزدوجة ومن دون مهاودة ولا تردد ولا خوف ضد الاستبداد الحاكم وضد الاستعمار الداعم في آن واحد دو وجل، حيث أن نظام الاستبداد والوصاية على الشعب مرتبط ارتباطاً عضوياً بنظام السيطرة العالمية ورهن بها لذا لن تكون هناك معارضة وطنية من دون أن تكون معارضة ديمقراطية تنادي بالتغيير الجذري لما يعانيه الشعب، وليس ترميم بعض الأمور البسيطة في بلد لا يحكمه القانون ويفتقد لأبسط أصول الحكم وهو الدستور، حيث بلاد الحرمين لا دستور لها سوى ما يقرره "الملك" وأعضاء الأسرة الحاكمة حتى صغيرهم حديث الولادة!!.
سؤال كبير يطرح نفسه أمام المعارضة الجديدة وهو: كيف يمكن لحركة وطنية لا تتبنى مشروع إسقاط النظام الحاكم وتريد العمل مع “الجميع داخل الأسرة الحاكمة وخارجها” في آن واحد؟، فمثل هذه الحركة لا يمكن للشعب أو يعول عليه أو يدعمها، لأن هذا الأمر لا يتماشى مع واقع المعارضة بكل ما للكلمة من معنى ومن غير الممكن تحقيقه، خاصة ونحن نواجه نظاماً قمعياً متوحشاً لا يرحم الصغير ولا الكبير ولا رجالاً ولا نساء ولا حتى المعاقين والمتخلفين عقلياً ويسوق جميع من نبس بشفاه أو كتب مدونة أو أصدر بيان أو ألقى خطبة أو شارك في مسيرة سلمية داعياً للتغيير والعدالة والمساواة، نحو مقصلة سيف الحرابة بفتاوى الخروج على الولي.
نعم، البلاد تعيش ومنذ عقود طويلة في حالة "إنسداد الأفق السياسي"، والسلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية ليست لها أدنى ضوابط دستورية، حيث البلد يفتقد لما أسمه "دستور" منذ تأسيس كيان آل سعود الأولي وحتى يومنا هذا، فالملكية في بلاد الحرمين جاز هي ملكية مطلقة لأسرة صغيرة لا تعرف للديمقراطية وحرية الرأي والتعبير، والمشاركة الشعبية، ومساواة المواطنة أدنى معنى، ثم أنها لم ولن تسمح لا من قريب ولا من بعيد بتأسيس معارضة حتى وإن كانت صورية ونابعة من داخل العائلة الحاكمة، فكيف يمكن لمعارضة وطنية أن تشارك أعضائها في هذا الحراك لتغيير سلمي لمواجهة "انتهاج السلطة المستمر لممارسات العنف والقمع"؟، وأن يتمكن القائمون على هذا لحزب من تحقيق هدفهم في "التوزيع العادل للثروات، واستقلال القضاء، ومعالجة الخروقات والانتهاكات الطائفية الفظيعة على الأرض؟!".
يقول البعض من ذوي الخبرة، أن المؤسسين للحزب الجديد "قد ابتلوا بما ابتلي به كثير من النشطاء حالياً بضرورة كسب القوى العالمية التي تحارب أي التزام بالثوابت الدينية، عسى ولعل أن تقبل هذه القوى بهذا التجمع كبديل عن النظام الحالي وتدعم تمكينه.. أن من يؤمن بهذا الأمر فاته أن الغرب لا يكترث إلا بمصالحه"، مشيراً إلى أن الغرب "لن يقبل ببديل عن آل سعود، بل لن يؤيد حتى الخيار العلماني الصريح إذا كان يدعو لنظام يجعل السلطة حقيقة بيد الشعب". ويرى آخرون إن "فكرة الأحزاب صحيحة لتضافر الجهود وتنظيم الأعمال، لكن تجريب المجرب والمطالبة بما طالب به الغير لعقدين من الزمن، لم ولن تستجب له الحكومة في المملكة، وهو ما يعدّ مضيعة للوقت والجهد، وتشتيتها للداخل الذي يبحث عن الخلاص".
وختاماً، يجب العمل على إسقاط السلطة القابعة على رقاب شعبنا وتغيير النظام الأسري الحاكم، وليس العمل مع بعض أعضائه تحت مسمى جديد، والسعي لتقويمه بعد ما بان إن اعوجاجه عبر توحيد الصف والكلمة بين مختلف طبقات الشعب من علماء ومفكرين وأكاديميين وناشطين وقاعدة عميقة حفاظاً على البلاد والعباد.. ليس هناك أدنى حل مع هذا النظام المستبد سوى الكسر، ثم كيف يعقل بعد كل ما رأينا من مصائب وويلات وقمع وزج في السجون وقطع للرقاب أن نتحرك من منطلق (الإصلاح السياسي) ونستمر في طريق أثبت فشله مسبقاً؟، ثم كيف سنتمكن من إسقاط نظام لم يستطع الكثير من المعارضين حتى الآن التخلي عن الانتساب له باستخدام مسمى (سعودي؟)".
ارسال التعليق