كيف فتت بن سلمان المجتمع السعودي وأبعده عن هويته؟!
[عبد العزيز المكي]
تخبطات في السياسة الداخلية للمملكة مصدرها قرارات ولي العهد محمد بن سلمان منذ عام وحتى اللحظة، والتي أدخلت المجتمع السعودي في متاهة وضياع لم يختبره منذ عقود طويلة، وبدأ هذا المجتمع يبحث عن هويته الحقيقة ويتسأل عن مستقبل البلاد وإلى أين تسير، ونعتقد أنه من حق المواطن أن يعرف مصير بلاده من الناحية الاجتماعية، لأن فوضى القرارات في السياسة الداخلية يؤثر في كل شيء حتى في التربية المنزلية والمدارس والذي ينعكس تلقائيا على المجتمع الذي يعد الدائرة الأوسع والتي تشمل كل الجزئيات التي أحدث فيها بن سلمان شرخاً لا يمكن رأبه بسهوله، إلى أين نحن ذاهبون؟!
في الأمس ألغت الحكومة السعودية برامج "التوعية الإسلامية" المعمول بها منذ نحو نصف قرن، كما أوقفت وزارة الشؤون الإسلامية السعودية كافة الأنشطة الدعوية التي انطلقت مع بداية الإجازة الصيفية، في خطوة جديدة تظهر نفوذ التيار الليبرالي في المملكة، الجدير بالذكر أن برنامج "التوعية الإسلامية" مشروع تأسس عام 1969، وانتشر في كافة مدارس المملكة وأشرف على نشاطات إسلامية ومراكز صيفية طيلة الأعوام الماضية.
من ناحية أخرى كشف بلاغ سري عن إصدار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لأمر بإيقاف جميع الأنشطة الدينية في عموم البلاد، في مقابل ذلك سوف تمكّن السلطات المتشددين "الوهابيين" من التمركز وإحكام قبضتهم في مناطق أخرى ذات الغالبية الشيعية، خاصة في القطيف والأحساء، ونجران أيضاً، وهي خطوة تفصح عن استمرار الرياض بالسياسات الطائفية الهادفة إلى استهداف المختلفين مذهبيا بشتى السبل المتاحة، بحسب المصدر.
ونشر موقع "مرآة الجزيرة"، نسخة من التعميم السري "العاجل جداً"، الموجه من "وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد"، فرع منطقة القصيم، إلى جميع الإدارات والمكاتب والمراكز المرتبطة بالفرع، ينص على أنه "بناء على ما تقتضيه مصلحة العمل بخصوص الأعمال الدعوية من محاضرات ودروس وكلمات لم يحين تاريخها ووقتها يتم التريث بها وعدم إقامتها حتى إشعاركم بذلك".
ووفقا للقرار الذي نشرته الصحف السعودية، فإن جميع الأنشطة ستتم إحالتها إلى برنامج "الوعي الفكري" الذي أطلقته وزارة التعليم مؤخرا.
هذا الكلام يتوافق إلى حد بعيد مع منهجية بن سلمان المبنية على أفكاره التي وصفها بأنها "ثورة ثقافية ودينية" وذلك في لقاء له مع رؤساء تحرير وإعلاميين مصريين في آذار/مارس الماضي.
وحدد حينها بن سلمان 3 استراتيجيات يعمل عليها وهي:" عدم تحريم شيء مختلف عليه كالغناء، والثانية: دفع الضرر الأكبر بالضرر الأصغر مثل الحفلات الغنائية التي ظهرت بالمملكة لمنع الشباب من السفر إلى أميركا وأوروبا وحضورها هناك".
أما الاستراتيجية الثالثة بأن "الضروريات تبيح المحظورات، فإذا كان هناك محظور في الحياة، لكن هناك ضرورة تغلب هذا المحظور، فلا بد أن يستجيب الدين، وليس هناك ضرورة أكبر من أن يتم الحفاظ على الشباب السعودي وصيانته".
والسؤال هل اقتحام شابة سعودية منصة مسرح مهرجان "سوق عكاظ" في الطائف، واحتضانها الفنان ماجد المهندس، يعد من الضروريات أم دفع الضرر الأكبر بالضرر الأصغر؟!.
في الحقيقة لم يعتد المجتمع السعودي على مثل هذه المظاهر وهي بالنسبة له غير مألوفة ويمكن القول بأنه يتم حقنها على شكل جرعات في قلب المجتمع لحرف نظره عن مسائل كبرى أهم واشغاله بتفاصيل صغيرة وتضخيمها لتجنب الحديث عن الأخطاء الكبرى التي تساهم بنزيف اقتصاد المملكة يوما بعد يوم.
وبكل الأحوال كان هناك ردة فعل ساخطة من قبل مواطني المملكة تجاه الحدث الذي جرى في سوق عكاظ، حيث اعتبر النشطاء محمد بن سلمان مسؤولا عن هذا التصرف الذي وصفوه بأنه "مناف لتقاليد المجتمع السعودي"، قائلين إن القرارات التي استحدثها مؤخرا تحت مسمى "الإصلاحات" هي السبب في ذلك الفعل.
هذا النوع من الحرية "الفقاعية" التي يحاول بن سلمان تسويقها تحت مسمى الاصلاح وتحرير المملكة من قيودها الاجتماعية يقابلها قيود أخرى تتم ممارستها بحق رجال الدين والدعاة، فقبل ايام اعتقلت السلطات السعودية الشيخ سفر الحوالي وثلاثة من أبنائه، وذلك بعد أيام من انتشار كتاب نُسب إليه يتضمن نصائح للعائلة الحاكمة وهيئة كبار العلماء المقربة من السلطة، وأكد حساب "مجتهد" على تويتر نبأ الاعتقال، وتحدث الحساب عن معاناة الحوالي من كسر في الحوض وجلطة دماغية سابقة، وقال إن اعتقاله بطريقة مسيئة يأتي من أجل "بضع كلمات لم تتحمل السلطات الاستماع إليها".
القيود لم تمارس فقط على رجال الدين فقد مارسها بن سلمان بحق أقرب الناس إليه "والدته" التي يضعها ولي العهد تحت الاقامة الجبرية بأوامر منه، وفقا لصحيفة "الموندو" الإسبانية.
ويعود السبب في ذلك إلى تشكيك الأميرة فهدة بنت فالح في قدرة ابنها على تحمل مسؤولية السلطة في المملكة، وهو ما أثار لديه مخاوف من قدرتها على التأثير على قرارات الملك سلمان، الذي يشكو من تدهور حالته الصحية، فضلا عن قدرتها الكبيرة في التأثير على الملك لكونه يحبها كثيرا.
ختاماً؛ لا أحد يعلم إلى اين ستأخذ هذه الازدواجية في القرارات التي يتخذها بن سلمان البلاد، فتارةً يحتجز والدته وفي نفس الوقت يدّعي انه يطالب بحرية المرأة ويمنحها حق قيادة السيارة علماً أنه حق طبيعي لها، والجميع يعتقد بأن خلفية القرار اقتصادية بحتة وليس لها علاقة بالحريات، وما يؤكد ذلك اعتقال الناشطات المدافعات عن حقوق المرأة في المملكة، فمتى ينتهي هذا الوهم وتعود البلاد إلى مسارها الصحيح؟!.
ارسال التعليق