أين جثة خاشقجي؟
بقلم: بوشعيب أمينلا أحد يملك الجواب على هذا السؤال الموجع الحزين، سوى الذين قاموا بإخفاء الجثة، من أجل طمس الحقيقة.
طبعا الجثة المقصودة بالسؤال هي جثة الصحفي جمال خاشقجي، الذي تمت تصفيته على يد فرقة اغتيال داخل القنصلية السعودية في إسطنبول بتركيا، وذلك يوم ثاني أكتوبر من السنة المنصرمة. ومنذ ذلك التاريخ اختفى الرجل واختفت جثتة ولم يظهر لها أثر !؟
إن جريمة قتل مواطن داخل قنصلية بلاده يمثل مأساة نادرة النظير، جلبت تعاطفا كبيرا من لدن الرأي العام العربي والإسلامي، وكذلك الرأي العام العالمي. وما زالت تسيل الكثير من المداد رغم انقضاء ما يناهز ثمانية أشهر عليها، ولعل ما جعلها تحظى بكل هذا الاهتمام حسب بعض الخبراء هو أنها جريمة دولة بامتياز، نُفذت بأمر من ولي العهد السعودي حسب تقارير الأمم المتحدة التي حمّلته المسؤولية بشكل فردي عن مقتل جمال خاشقجي، وكذلك لأنها جريمة عابرة للحدود، وأخيرا لأن السؤال عن مصير جثة الضحية ما يزال عالقا، والجواب عنه ما يزال عند من نفذوا الجريمة.
لكن ماذا نقول بشأن هذه الجريمة الشنعاء التي هزت الضمير الإنساني، والتي تم ارتكابها مع سبق إصرار وترصد، في واضحة النهار بكل هدوء وثقة. وكأن الذين أمروا بها والذين دبروها والذين نفذوها، يرون أنفسهم أصحاب حق، وأن هدفهم نبيل وعظيم، إلى درجة تبرير الاستهداف العمْد لشخص مدني، غير مسلَّح، ولا يملك سوى قلمِه، بغرض تصفيته والتخلُّص منه.
ماذا نقول، وبأية لغة نحكي؟ فالجماد يكاد ينطق حين نقصّ عليه تفاصيل هذه المأساة الإنسانية، وها هو الرأي العام سواء العربي أو الإسلامي أو العالمي لا يزال يتابع أخبار هذه الجريمة الشنعاء وينتظر أخبارا عن مصير الجثة. لكن الذين أمروا ودبروا ونفذوا لم يتحرك لهم جفن، ولم يرتجف لهم رمش. ولعلّهم يُراهِنون على عامل الوقت ظنّا مِنهم أنّه كُلّما طالت المُدّة، تراجَعت درجة الاهتمام الإعلاميّ بهَذهِ الجَريمة، ويبدو أنهم يراهنون أيضا على الإدارة الأمريكية ومُعظَم الحُكومات الغَربيّة التي آثرت الصمت، فيما يشبه التواطؤ مع القتلة من أجل صَفَقات السلاح… ولتذهب حُقوق الإنسان إلى الجحيم.
أما أسرة الفقيد، فلا يمكن أن نصف الألم والحزن اللذين يعتصران قلوب أفرادها، إلى درجة أن أحد أبنائه صرح بأنه وبدون العثور على جثة والده فأسرته غير قادرة على إنهاء حزنها. وغاية أمنيته أن تتسلَّم أسرتُه الجثة من أجل دفنها في البقيع بالمدينة المنورة مع باقي أفراد عائلته، تلبية لوصية فقيدهم. ولعمري إن هذا لهُو أتعس ما قد تمرّ به أية أسرة فقدت أحد أفرادها، ولم تجد حتى جثته من أجل دفنها. لذلك فحين يفيض القلب بأحزان هذه الأسرة المكلومة التي لم تجد جثة فقيدها ولا حتى بقايا منه، يفيض الصدر بالسؤال الأليم: أين الجثة؟
في هذه الأثناء، التي لم تجد آهات وصرخات أسرة جمال خاشقجي الملهوفة من ينجدها، انعقد بالأمس أول لقاء بإيطاليا، جمع ثلة من الحقوقيين، وفعاليات من المجتمع المدني ينتمون إلى عدة بلدان عربية وإسلامية وغربية، وذلك من أجل تأسيس جمعية هدفها الضغط على الإدارة الأمريكية والحكومات الغربية للعمل على إلزام السعودية كشف ملابسات هذه الجريمة، لمعرفة مصير جثة جمال خاشقجي لتمكين أسرته منها أو ممّا تبقّى منها لدفنها.
أهنّئ من كل قلبي أصحاب هذه المبادرة. ويا ليت أحرار العالم يجتمعون لنصرة هذا الدم المهدور غدرا…الآن وليس غدا، ولا تعتبر أية محاولة متأخرة، لأن قضية قتل جمال خاشقجي يجب أن تبقى حيّة لا يطويها النسيان، إلى غاية ظهور الحقيقة، وعدم إفلات المجرمين من المساءلة والعقاب.
ارسال التعليق