تفاجأ الشارع الجنوبي في اليمن أمس الأول الجمعة بخروج مظاهرات تصعيدية غير مسبوقة من قبل أتباع المجلس الانتقالي الجنوبي إلى مقر قيادة القوات السعودية في محافظة عدن تندد بالسعودية وتصفها بأقذع الأوصاف، بشكل لم يكن متوقعا، خاصة وأن السعودية احتضنت نهاية العام المنصرم مباحثات تهدئة بين المجلس الانتقالي والحكومة اليمنية، أفضى إلى توقيع اتفاق الرياض بين الجانبين.

وقال مصدر محلي لـ “القدس العربي” إن العشرات من المتظاهرين خرجوا إلى مقر قيادة القوات السعودية المرابطة في منطقة البريقة، في محافظة عدن، وهو مقر قيادة التحالف العربي في اليمن، ورددوا هتافات مناهضة للسعودية وتطالبها بالرحيل عن البلاد.

وأوضح أن “المتظاهرين حملوا لافتات ضد السعودية وهو ما يعطي مؤشرا بأن هذه المظاهرة خرجت بتيسير وتنسيق مع الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم والموالي لدولة الإمارات”.

وكان المتظاهرون يحملون أعلام الشطر الجنوبي من اليمن سابقا، قبل الوحدة اليمنية التي تحققت في آيار (مايو) 1990 بالإضافة إلى اللافتات المنددة بالسياسات السعودية، كما كانوا يهتفون “يا سعودي ياكذاب… أنت داعم للإرهاب” في اتهام صريح لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي يعد الحاكم الفعلي في السعودية.

وأكد أن رئيس الدائرة الجماهيرية في المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن عبدالرحمن غاندي هو من قاد هذه المظاهرة ضد السعودية، إلى أمام مقر قيادة القوات السعودية في اليمن، في محافظة عدن.

واتهم أحد متزعمي المظاهرة السعودية بالتلاعب بالقضية اليمنية، وبعدم الوفاء بعهودها، وبالذات ما يتعلق بالجنوب. وقال “السعودية لم تف بالتزاماتها معنا، رغم أننا أوفينا بما التزمنا به”، وهو خطاب يوحي بأنه يمثل خطاب المجلس الانتقالي في هذا الجانب، المتعلق ببنود اتفاق الرياض، والذي ما زال محل جدل كبير بين الحكومة اليمنية الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي برعاية السعودية.

وأضاف “المملكة العربية السعودية ليست معنا، ويجب أن يفهم الجميع أنها لم ولن تكن يوما معنا وإنما ضدنا، نحن أبناء الجنوب”. ووصف السعودية “بالنظام الامبريالي الرجعي”، وقال “السعودية هي التي لعبت علينا، وسيأتي لها يوم، سنغزوها داخل أراضيها… ولن نقبل البيع والشراء وسنقاتل على أرضنا”.

وقال متظاهر “إلى هنا وكفى… كفاية يا سعودية” واعتبر السعودية عدوة للجنوبيين، ولا تريد أي مصلحة لأبناء الجنوب، وأنهم سيقاتلون حتى آخر قطرة من دمائهم ضد السعودية وضد سياستها الرجعية المتخلفة.

وتزامنت هذه المظاهرة الجنوبية ضد الرياض مع حملة إعلامية شنها النشطاء الإعلاميون في وسائل التواصل الاجتماعي تصب في الاتجاه ذاته وتندد بالتدخلات السعودية في اليمن، وتطالب بطردها، وهو الخطاب الذي ترفعه جماعة الحوثي في المحافظات الشمالية، تنديدا بتزعم السعودية لقيادة التحالف العربي ضد الحوثيين.

وقال مصدر سياسي جنوبي، فضل عدم ذكر اسمه، ان هذه التظاهرة الساخطة على الرياض جاءت نتيجة لما لعبته دولة الإمارات في تغذية الموروث الشعبي الراسخ في فكر المجلس الانتقالي الجنوبي وعقيدته السياسية وهو العداء للسعودية التي يعتبرونها رجعية وهو انعكاس للمزاج الشعبي الذي كان سائدا في الجنوب اليمني بشكل عام منذ حقبة العهد الاشتراكي الذي حكم الجنوب قبل الوحدة اليمنية في 1990.

واعتبر سياسيون يمنيون أن هذا التصعيد من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي ضد السعودية “موقفا تصعيديا خطيرا، يهدد بنسف اتفاق الرياض، إذا لم يكن إعلانا رسميا بوفاته والانتقال لخيارات أخرى”.

واستشهدوا بمغادرة رئيس الوزراء اليمني في الحكومة الشرعية معين عبدالملك لمدينة عدن إلى العاصمة السعودية الرياض، والذي اعتبر إعلانا حكوميا غير مباشر بالوصول إلى طريق مسدود مع المجلس الانتقالي الجنوبي بشأن اتفاق الرياض، والذي تنصل عن التزاماته المنصوص عليها في بنود هذا الاتفاق، رغم التزام الحكومة بكل البنود الخاصة بها.

وتوقعوا أن تشهد الساحة اليمنية في الجنوب منعطفا خطيرا مع هذا التحول، الذي تقف دولة الإمارات بكل ثقلها وراء دعم المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي تطمح إلى أن يحقق لها الكثير من الغايات الاستراتيجية التي ظلت تحلم طوال العقود الماضية بها، وفي مقدمتها السيطرة على الموانئ البحرية اليمنية التي كانت تخشى أن تلعب هذه الموانئ، في حال ازدهرت ونشطت بحركة الملاحة البحرية الدولية، دورا في منافسة ميناء جبل علي في دبي.