السعودية في اليمن.. نريد هزيمة مع حفظ ماء الوجه
التغيير
يحافظ آل سعود على خيط رفيع بينهم وبين العاصمة صنعاء منذ "نكبة أرامكو" 14-سبتمبر الماضي، قطع هذا الخيط قد يقود إلى نكبة جديدة، فإغلاق المفاوضات السرية بين الرياض وصنعاء في مسقط سيعني بالضرورة فتح الأجواء السعودية للطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية التي توقفت بمبادرة أحادية من المجلس السياسي الأعلى في 20 سبتمبر على أمل أن تكون استجابة آل سعود مخرج للجميع من هذه الحرب.
عندما ذهب المبعوث الدولي لليمن مارتن غريفث حمل معه رغبة آل سعود بنصف هزيمة، تتوقف بموجبها عن شن غارات على أربع مدن يمنية بينها العاصمة صنعاء مقابل وقف استهداف أراضيها، أي منح أنصار الله وحلفائهم نصف انتصار وترك الباب مفتوح أمام حرب وحصار مفتوحين، عندما رفضت هذه الرسائل، نشط سفراء دول عديدة بينها بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية لإحياء مشاورات مباشرة، سعودية يمنية من تحت الطاولة، مدعومة بتغريدات من مسؤولي آل سعود على غرار تغريدة خالد بن سلمان تحمل الموافقة الضمنية على مبادرة الرئيس المشاط، يريد آل سعود هذه المرة هزيمة مع حفظ ماء الوجه وترك الباب مفتوح لعودة الحرب إذا تعافى آل سعود، أي تهدئة غير معلنة الاستمرار في المشاورات على تفاصيل كثيرة، هي بالواقع ليست تفاصيل بل جوهر الأزمة، هذه التفاصيل تحتاج إلى سنوات حتى تنتج حلول .
بإمكاننا القول إن آل سعود يناورون، بينما هذا الوقت لا يهدره اليمنيون، لكنهم سيكونوا قد أُلزموا أنفسهم عدم استهداف مواقع آل سعود بموجب اتفاق وهدنة غير معلنة وحوار طويل، نحن هنا نقارب استراتيجية آل سعود مستقبلًا للخروج بهزيمة مع حفظ ماء الوجه، بينما لا يتعافى اليمن بسبب الحصار والدخول إلى مرحلة اللاحرب واللاسلم، لا تبدو هذه الحالة متناسبة مع ما يجب أن يحصل يمنيا، فإهدار فرصة الضغط على ضعف آل سعود العسكري والمالي ووضع حليفها الأمريكي المضطرب والمأزوم بسبب التحضير للانتخابات الرئاسية المقبلة وقضايا ترامب الداخلية الشائكة سيكون بمثابة إحراق ورقة مهمة مرتبطة بالوقت الحالي وليس بوقت آخر.
التسريبات التي تتحدث عن وجود اتصالات مباشرة بين خالد بين سلمان ورئيس المجلس السياسي الأعلى في اليمن مهدي المشاط لإنجاح صفقة تهدئة ووقف العمليات العسكرية تمهيدا لإنهاء الحرب كليا، تكشف جزء مما يدور فعليا، لم ينفي أي طرف حتى الآن، شيء من هذا يحدث بصورة معلنة، فلأول مرة تحصل فرق المراقبة الدولية في مدينة الحديدة الساحلية غرب اليمن تسهيلات لوضع نقاط مراقبة وتوزيع المراقبين على خطوط الاشتباك وفقا لاتفاق استوكهولم، بينما كان آل سعود تتلاعب وتتهرب من عملية التنفيذ طوال الشهور الماضية، يقابل ذلك التزام صنعاء حتى الآن بالمبادرة التي أعلنت في 20 سبتمبر على الرغم من الضغط الشعبي المطالب بالرد على غارات آل سعود، يدرك الحوثيون إلى أي مدى يحتاج آل سعود لاتخاذ قرارات مصيرية بالنسبة لها ، فهي قرارات تتعلق بشرب السم والخروج من الحرب بهزيمة كبيرة ستكون تداعياتها وخيمة ولكنها أصبحت قسرية.
آل سعود خسروا خلال الأشهر الماضية أهم جبهتين برية في الحدود مع اليمن، فما جمعته من مقاتلين وعتاد عسكري وأموال طوال الـ 4 السنوات الماضية على الأقل، انتهى بعد عملية نصر من الله التي تم كشف أحداثها وشكلت ضربة قاضية لسمعة آل سعود وجيشها بعد أسر أكثر من 2000 من المرتزقة الذين كان آل سعود يحاربون بهم، باتت مناطقها الآن مفتوحة ومكشوفة أمام أي تصعيد يمني جديد في محوري نجران وجيزان، بالتالي يشكل ذلك ضغطا عسكريا وسياسيا وحتى إعلاميا على الرياض، لا تريد هذه الأخيرة مزيد من ذلك وترغب بأن تكون التهدئة في هذه المناطق جزء من التسوية التي تسعى إليها واقترحت خلال زيارة مارتن غريفث الأخيرة إلى العاصمة صنعاء أن يكون هناك لجان مشتركة سعودية يمنية لمراقبة وقف العمليات العسكرية، من المهم التذكير هنا أن آل سعود لم يعدوا يريدون منطقة فاصلة أشبه بالمناطق الآمنة بمساحة 30-40 كيلو مثلما طرحت سابقا في مفاوضات الكويت 2017، ولكم أن تحسبوا مدى تراجع آل سعود في هذا الجزء تحديدا.
يحصل مع آل سعود ضغط آخر في المحافظات الجنوبية اليمنية الحبلى بالمشاكل، حوار جدة الذي ترعاه الرياض وأبوظبي لحل نزاع متشابك بين الحلفاء المحسوبين عليها، أعني هنا هادي ومجموعته وحلفاء الإمارات، الانتقالي الجنوبي، يسيطر هذا الأخير على عدن منذ 10 سبتمبر، أشبه بحوار لإطفاء النيران فقط لوقت قصير ومحدود، إذ أن الخلاف بنيوي يتعلق بتقرير مصير واحد من الطرفين، فالحل الجذري مرتبط بالتخلص كليا بفريق لصالح فريق، أمر مستعصي، وما هو مطروح حاليا في الحوار هي عملية الدمج، أي تشكيل حكومة مناصفة بين "الشرعية المزعومة" والانتقالي الجنوبي الذي يطالب بفك الارتباط عن الشمال وبالتالي عن كل ما يعتبر سلطة شمالية حتى لو كانت لا تسيطر على شبر واحد في اليمن جنوبا وشمالا مثلما هو الحال بـ عبدربه منصور هادي ومجموعته! إنها أشبه بنقل سلطة بلا أرض تقول إنها شرعية إلى أرض يسيطر عليها خصم يستمد وجوده "وشرعية مزعومة له" كونه طرد تلك الشرعية العالقة.
وعلى افتراض أن آل سعود نجحوا في هذه العملية وتجاوزت حوار جدة، ما هو مطروح أيضا ويشكل ضمانة لإبقاء النيران تحت السيطرة، هو أن يتحول الوجود العسكري لآل سعود في بعض المحافظات الجنوبية إلى شرطي لفض اشتباك الأطراف التي تم دمجها هذه الأطراف هي عبء ومحرقة أموال.
نعم.. إلى هذا الحد تبدو أزمة آل سعود وحظهم من اليمن، ولهذا فإن التفكير بمغادرة هذا الاشتباك يشكل هاجس دائم بالنسبة للرياض، خاصة أنها تجد أبرز وآخر حلقاتها في التحالف، أعني الإمارات، تغادر الحرب بشكل تدريجي.
ارسال التعليق