السلطان وهتلر ومملكة الارهاب
كثرت التحليلات حول المحاولة الانقلابية التي حدثت في تركيا ضد نظام اردوغان الاخواني، فمنها ما استند الى مقالات نشرت سابقاً في صحف اميركية واوروبية عريقة اشارت الى ان انقلاباً سيقوم به الجيش الاتاتوركي المهمش منذ اربعة عشر عاماً والذي ازاح عن سدة الحكم كل من حاول مشاركته الحكم او التفرد دونه بالسلطة،ليثبت العلمانية. لكن هذا الجيش شعر فعلاً بالمهانة من تهميشه بالتزامن مع زج تركيا في صراعات اقليمية تحقق احلام السلطان العثماني الشرير في عالم لم يعد يحتمل مثل هذه الاحلام التي كلفته حربين عالميتين حصدتا ملايين البشر واختفت معهما دول وظهرت اخرى. فالحرب الاولى كان الهدف منها القضاء على ما كانت تسميه "الرجل المريض"، والثانية القضاء فيها على الرجل المهووس بالامبراطورية النازية ادولف هتلر.
ولطالما صدرت عن اردوغان المريض احاديث تشيد بهتلر المهووس وتحاول اظهار الشبه في التفكير بينهما، لدرجة ان من يعيد الاستماع الى خطابات هتلر النارية ويستمع الى خطابات اردوغان الآن يجد تقارباً كبيراً في نبرة الخطابين وفي الاستعلاء اثناء أدائهما.
اردوغان هذا لم يكن بعيداً عما تكتبه الصحف الغربية عنه وعن احتمال حدوث انقلاب عليه، فقام به كعملية استباقية للامساك بكل مفاصل السلطة معلناً نفسه بأنه الزعيم الاوحد لبلاده وموصلاً رسالة لاميركا بعد ان توترت العلاقات معها بأن لا تحاول تدبير انقلاب حقيقي يعرف انه سيطيح به حتماً. والمتابع لما يقوم به مع حزبه من تصفيات وعزل في القيادات العسكرية والامنية والقضاء لا بد انه سيصل الى نتيجة واحدة وهي ان الانقلاب المتسارع بنجاحه في المرحلة الاولى، ثم الفشل المتسارع ايضاً في المرحلة الثانية والذي تم على يد حزبه ومخابراته وعدد كبير من الارهابيين الذين كانت تركيا تحتضنهم وتعيد تصدير بعضهم الى اوروبا ليقوموا بعمليات ارهابية، هذه النتيجة هي ان الانقلاب كان من تدبير اردوغان نفسه وهذا ما اجمع عليه كبار المحللين وقيادات الاستخبارات العارفين بآليات الانقلابات.
قد يقول قائل وربما هذا صحيح لكنه غير مؤكد ان طائرات انطلقت من قاعدة انجرليك وقصفت مروحيات الانقلابيين ما يعني ان الانقلاب حقيقي وليس مسرحية. لكن من يعرف السياسة الاميركية لا بد انه يعرف ايضاً ان هذا ممكن. فأميركا لا تملك في تركيا حتى الآن بديلاً لاردوغان وارادت ان تلقنه درساً ان لا يلعب معها ولا يتذاكى اكثر عليها من الدور المطلوب منه والذي تخطاه بما اضر بتكتيكاتها في حربها المزعومة ضد الارهاب. كما لقنته درساً بأن العملاء غير مسموح لهم بالتواصل مع روسيا فهذا دور الكبار فقط ..
والآن بدأت ومعها دول اوروبية توصل له عبر الدبلوماسية والاعلام رسائل بأنه وإن نجح في مسرحيته للقضاء على خصومه الذين يلاحقهم ويعزلهم ويعتقلهم فإن هذا لا يعطيه الحق في التعسف في اجراءاته القمعية. وهذا الدرس على طريقة المثل القائل (على هامان يافرعون) !
كل هذا لا يعني ان السلطان العثماني نجح في مسرحيته، فهناك من هم في مراكز صناعة القرار يؤكدون ان الانقلاب الحقيقي قادم لا محالة اذا حاول العميل التطاول على اسياده.
تبقى المسألة التي اصبحت تؤرق العالم بجدية وان كان في البداية طرفاً فيها وهي تشخيص الارهاب وتسمية صانعيه ومموليه ومصدريه، فقد اصبحت دوائر ابحاث ودراسات تزود مراكز القرار بالمعطيات تشير علناً الى ان السعودية هي المصدر الحقيقي للارهاب وهي منبته وحاضنته وليست ايران او سوريا، ما يعني ان على هذه الدولة - اي السعودية - ان تنتبه ولا تتعدى الخطوط الحمراء، اذ لا مصالح لأحد بوجود المصلحة الاميركية. فقد يأتيها الدور، كما سيأتي على دول اخرى اصبح اسمها مسجلاً على الاجندة الاميركية. وما الملفات الملوح بفتحها الا البداية.
هل فهمنا الآن ماذا عناه عتاة الغرف السوداء بمقولتهم إن هناك معادلات جديدة بدأت في المنطقة؟
بقلم : عبدالحميد الدشتي
ارسال التعليق