تحليل أمريكي يقلل من شأن الاتفاق الإيراني السعودي
قلّلت وكالة “بلومبرج” الأميركية، من الصفقة التي أعلن بموجبها عودة العلاقات بين النظام السعودي وإيران، برعاية ووساطة صينية.
وفي تحليل نشرته الوكالة، قلّل الصحفي الهندي المخضرم بوبي جوش، من الصفقة، معتبرا أنه من غير المرجح أن يغير الاتفاق المعلن في بكين من مخاطر الصراع بين البلدين، وأقصى ما يمكن أن يفعله هو منح الصين انتصارا دبلوماسيا شكليا.
ويقر الكاتب بأن الخطوة كانت مفاجئة بالفعل من قبل الصين، التي تتردد منذ فترة طويلة في إقحام نفسها بمشاكل الآخرين، لكن يبدو أنها باتت مستعدة أخيرًا لتحمل مسؤوليات صنع السلام لقوة عالمية.
و”بالغطس المباشر في عمق الدبلوماسية، تتعامل بكين مع واحدة من أكثر العداوات استعصاءً في العالم، حتى أن إدارة الرئيس الأمبركي جو بايدن، التي تشك بشدة في طموحات الصين العالمية المتنامية، لم تملك إلا أن تشيد بالاتفاق السعودي الإيراني”، بحسب الكاتب.
لكن اللوحة التي صنعتها الصين بمشاركة النظام السعودي وإيران “أقل من أن تراها العين”، على حد توصيف الكاتب، الذي يرى أن دور الصين كوسيط كان مبالغا فيه، قياسا إلى أن السعوديين والإيرانيين كانوا يعملون بجد منذ نحو عامين لتحقيق انفراجة، بمساعدة العديد من الوسطاء، مثل العراق وسلطنة عمان، ما يعني أن الصين دخلت متأخرة.
ويضيف أن الرياض وطهران اعتبرا أنه من المناسب السماح لبكين بإحراز هذا الانتصار الدبلوماسي الظاهري بإشرافها على صياغة الاتفاق، لاعتبارات اقتصادية، فالصين – بعد كل شيئ – هي أكبر مشتر للنفط السعودي والإيراني.
لذلك كان ختم الصين على الاتفاقية أكثر نفعا للسعودية وإيران من ختم العراق أو عمان، وفق التحليل.
ويعود الكاتب لمناقشة ماهية التقدم الذي حدث بالاتفاق الأخير بين النظام السعودي وإيران، معتبرا أن إعادة فتح السفارات لا يعد تطورا مهما، فوجود السفراء في البلدين قبل عام 2016 لم يفعل شيئًا يذكر لتخفيف العداء في الماضي.
أصل الخلافات، الأمن الإقليمي:
ويرى الكاتب إنه بالنسبة للأمن الإقليمي، فإن أكبر تهديد للخليج يتمثل في هجمات إيران – في الغالب من خلال وكلاء في اليمن والعراق – على أهداف سعودية، بحسب وصفه.
ويدلل على موقفه أيضا بأن الاتفاق السعودي الإيراني في الصين لم يتضمن حديثا صريحا عن وقف نشاط الحوثيين في اليمن، باعتبارهم مدعومين من طهران.
أيضا، يبدو أن السعوديين يستشعرون الآن زيادة التهديد الإيراني، بعد تصاعد تخصيب اليورانيوم في طهران إلى عتبة قريبة من صنع السلاح النووي، وإنتاجها للصواريخ الباليستية ذات المدى الأطول بشكل تدريجي، وشراؤها المبلغ عنه لمقاتلات روسية متطورة.
ولهذا السبب، يسعى محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة، الآن للحصول على ضمان أمني أمبركي والوصول إلى المزيد من الأسلحة الأمبركية، مقابل تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، وفق الكاتب.
ويرى أيضا أن هناك اعتبارات تجارية قد تعيق التقدم في العلاقات بينهما بوساطة صينية، وهو أن صادرات النفط الخام الإيرانية إلى الصين، التي تخرق العقوبات، تأكل من الحصة السعودية في تلك السوق.
مشروع التطبيع:
تأمل إيران أن يردع الاتفاق النظام السعودي عن تعميق العلاقات مع خصم طهران الإقليمي الأساسي، الكيان الصهيوني. وبحسب موقع “وورلد فيو” التابع لمركز “ستراتفور” الأميركي للدراسيات الأمنية والاستراتيجية، فإن مخاوف طهران المتعلقة بالأمن القومي تفاقمت مؤخرا بسبب العلاقات الدافئة بين النظام السعودي والكيان الصهيوني، حيث سعىت الرياض إلى توسيع شركائها في مواجهة العدوان الإيراني المتزايد وتضاؤل الاهتمام الأميركي بأمن الشرق الأوسط. لطالما كان الكيان الإسرائيلي أكبر عدو إقليمي لإيران على عكس النظام السعودي الذي لطالما كانت لإيران علاقة براغماتية معها على مدى عقود على الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية رسمية بينهما على مدى السنوات السبع الماضية.
ومن خلال استعادة العلاقات مع الرياض، بحسب “وورلد فيو”، تأمل طهران في تقليل التوترات التي تدفع النظام السعودي حاليا إلى التفكير في تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني. وفي أكثر من مناسبة، أعرب مسؤولون إسرائيليون عن تطلعهم إلى تطبيع العلاقات مع النظام السعودي.
ومن أصل 22 دولة عربية، تقيم 6 دول هي مصر والأردن والإمارات والبحرين والسودان والمغرب، علاقات معلنة مع كيان الاحتلال الذي لا يزال يحتل أراضٍ عربية في كل من فلسطين وسوريا ولبنان منذ حرب 5 يونيو 1967.
العدوان على اليمن:
وبشأن اليمن، فإن الاتفاق بين الرياض وطهران، يمكن أن يؤدي إلى إحراز تقدم في محادثات السلام، حيث كان النظام السعودي يخوض مفاوضات مع جماعة الحوثي بوساطة عمانية .
ومنذ أكثر من 8 سنوات يتعرض اليمن لعدون مستمر من الأخلاق السعودي الاماراتي المدعوم أميركيا. واعتبر “وورلد فيو” أن اليمن هو الموقع الرئيسي الذي بختلف فيه النظام السعودي وإيران، وأن القتال فيه ليس مرتبطا بشكل مباشر بالصراع بين البلدين، لكن الخلاف بينهما أدى إلى تفاقم القتال وإطالة أمده.
وفي أعقاب اتفاقها الجديد مع النظام السعودي، رأى الموقع أنه يمكن لإيران استخدام نفوذها على الحوثيين لتشجيعهم على قبول التسوية، كما سبكون النظام السعودي منفتحا على توقيع مثل هذا الاتفاق إذا تمكنت إيران من المساعدة في ضمان تخفيف الحوثيين لهجماتهم على الأراضي السعودية.
في الأساس، لا يستطيع النظام السعودي الاستمرار بالعدوان في اليمن، وبرى أنها استنزفته، وقضمت من رصيده ومكانته، في ضوء رغبته في تطوير اقتصاده وتنويع مصادر دخله وإنتاجه، والاستفادة من المكانة الدينية له.
هذا الأمر يتطابق مع الرؤية الأميركية، التي تريد أن تضع الحرب في اليمن أوزارها، كي تتفرغ للتهديدين الروسي والصيني، وتسعى الإدارة الأميركية كي تستثمر المكانة الدينية للمملكة للتحريض على روسيا والصين بدوافع أيديولوجية تخدم الأهداف الأميركية، على غرار دور المملكة الديني في التحشيد ضد السوفيات إبان غزوها لأفغانستان في فترة الحرب الباردة والنظام ثنائي القطبية.
لكن مصادر دبلوماسية غربية مطلعة على الملف اليمني، تكشف أن الأسابيع القليلة الماضية شهدت تكثيف المفاوضات الدائرة في الكواليس بين النظام السعودي وجماعة الحوثي، مشيرة إلى أن طرفي النزاع أصبحا أقرب من أي وقت مضى من التوصل إلى اتفاق يتيح للرياض التخفيف من وطأة انخراطها العسكري في اليمن ، وإن بصورة نسبية، وتدريجية.
تتقاطع تلك التسريبات مع ما تسرّبه الباحثة في “المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية”، سينتيا بيانكو، بشأن إصرار الجانب السعودي في جولات المحادثات المتعددة مع إيران على أن “عودة العلاقات مع طهران يجب أن تقترن بدور نشط، وبنّاء من قبلها لإنهاء الحرب في اليمن”.
وفي هذا السياق، يشدّد موقع “المونيتور” على أنّ السعوديين ما كانوا ليوافقوا على تحسين علاقاتهم الدبلوماسية مع ايران لولا وجود تنازلات، أو توافقات مشتركة حيال الأزمة اليمنية.
تأسيساً على ذلك، يوحي كبير الباحثين في “معهد دول الخليج العربية” حسين آيبش، بوجود احتمالات كبيرة بأن تكون إيران “قد قطعت وعوداً بأن تضغط على حلفائها في اليمن، ليظهروا استعداداً أكبر لإنهاء الصراع الدائر هناك”، مستدركاً بالقول “إن التفاهمات التي يمكن أن تكون السعودية وإيران قد توصلتا إليها خلف الكواليس، غير معروفة حتى الآن”.
بدوره، يربط توربجورن سولتفيدت، وهو باحث في مركز “Verisk Maplecroft” الاستخباري، بين التقارب السعودي الإيراني، والتوتر بين واشنطن وطهران ، معتبراً أن الأمر يبدو منطقياً في ظل جمود المفاوضات بشأن الاتفاق النووي الإيراني. ويشرح أن النظام السعودي، وفي ظل غياب أي إطار لتخفيف التوترات الإقليمية بصورة أشمل وأوسع بين واشنطن وطهران، تدرك حاجتها للتحرك بصورة استباقية في إدارة علاقاتها مع إيران، في إشارة إلى قلق الرياض من التداعيات الكارثية لأي مواجهة أميركية إيرانية على مصالحها وأمنها.
ارسال التعليق