ترامب يحصد ما زرعه بوش الابن.. ونتائج قمم الرياض ’جوز فارغ’
في 16 أيلول / سبتمبر 2001 أعلن الرئيس الأمريكي جورح بوش الابن انطلاق الحملة الصليبية الجديدة ضد الإسلام وأمته، مقسّماً العالم بين محور الخير وتمثله أمريكا و"إسرائيل" وحلفائهما، وبين محور الشر وتمثّله إيران وسوريا وحزب الله وتنظيم القاعدة، وتالياً داعش.
حاول البعض تصوير هذا الإعلان آنذاك بأنه زلة لسان تدلّ على قلة الثقافة والفهم للتاريخ الإسلامي، وربط البعض الآخر هذا الاتجاه بانتماء بوش للكنيسة الصهيونية وتنفيذاً لعقيدة المحافظين الجدد، وأعطاها أبعاداً دينية تتصل بالتمهيد لظهور "المخلّص"، ولكنها في كل الأحوال لم تكن سوى فصلاً من فصول رؤية بدأت مع الرئيس الأميركي وودرو ويلسون واستمرت مع فرانكلين روزفلت ودوايت أيزنهاور وجيمي كارتر ورونالد ريغن وجورج بوش الأب والابن وصولاً إلى دونالد ترامب.. إنها سلسلة متصّلة لم يحد عنها سوى قليل عمل خلال عهده على حل مشاكل داخلية عصفت بالولايات المتحدة، ومنهم من لم يستوعب القصة فلقي حتفه أو تم إبعاده.
لقد كشفت تقارير وتحقيقات ومعلومات متعددة أن الهجمات الطائرة في 11 أيلول / سبتمبر التي أدّت إلى تدمير برجي التجارة العالمية ومبنى البنتاغون هي هجمات ملفّقة، إلا أن بوش وحلفه وفّروا الحدث الذي يبرّر إعلان الحرب الصليبية على الإسلام انطلاقاً من أفغانستان، وهكذا بدأ تظهير الرؤية عملياً، ولكن عثرات كثيرة حالت دون ذلك، وأهمها عدم قدرة "إسرائيل" على حسم نتائج حروبها ضد العرب باتجاه تقسيم العالم العربي والإسلامي إلى دويلات متناحرة، ومنع نشوء نظام إسلامي في إيران معادٍ للغرب، وعدم النجاح في القضاء نهائياً على المقاومة الفلسطينية، ونشوء المقاومة في لبنان، وإخفاق أمريكا في الاستثمار الكامل لحروبها الثلاثة في الخليج، وهي كلها حروب مهّدت ليكون للولايات المتحدة موطئ قدم في الجبهة الشرقية من العالم على تخوم الحدود الروسية والإيرانية.
خزائن السعودية لتمويل الحروب
ليست الحرب على الإرهاب إعلاناً جديداً، فهي تعود إلى منتصف القرن الماضي بعد الحرب العالمية الثانية، وانقسام العالم بين شرق شيوعي وغرب رأسمالي، وكان الإرهاب في الرؤية الأميركية يتمثّل آنذاك بالاتحاد السوفياتي وسلاحه النووي، وكانت منطقة الخليج آنذاك تشهد نهضة في صناعة النفط بإدارة بريطانية - أمريكية، وبدأت الأموال السعودية تغذي خزائن بريطانيا والولايات المتحدة تحت عنوان المساعدة على التصدي للأيديولوجيا الشيوعية المعادية للإسلام، وهي الأموال السعودية نفسها التي موّلت الحرب الأهلية في لبنان منتصف سبعينات القرن الماضي عبر تسليح حزب الكتائب تحت عنوان محاربة المدّ الشيوعي، بينما تم استخدام هذا السلاح لتمويل الحرب الطائفية وضرب المقاومة الفلسطينية بعد تهجير شعب فلسطين من أرضه المحتلة.
ترامب ومرحلة الاستيعاب
ها هي حقبة التاريخ تعود اليوم مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب ولكن في مراحل متقدّمة تجمع تفاصيل ما حققه سلفه من الرؤساء، ودوماً تأتي السعودية كمحطة وسطى ومحور مركزي يضمن تحقيق الرؤية الأميركية في المنطقة نحو الشرق الأوسط الجديد الذي حلم به شيمون بيرز و"بشّرت" به كوندوليزا رايس، ولكن مع تعديل جوهري فرضته وقائع لم تكن في حسبان دوائر التخطيط والقرار في أمريكا وأوروبا، فلم تعد الحرب صليبية، ولم تعد كراهية الإسلام المطيّة التي يركبها الغرب في تبرير اجتياحهم السياسي والاقتصادي للمنطقة، فهذه العناوين كانت مطلوبة في مرحلة معيّنة وتم استثمارها للابتزاز المباشر وانتهى دورها، وبدأت الآن مرحلة الاستيعاب.
جاء ترامب إلى الرياض بعد موجة مواقف إعلامية وقرارات نارية ضد السعودية والعرب والإسلام، وشكّلت الواجهة لوصوله إلى الحكم، فهرع العرب يتقاطرون إلى واشنطن يقدّمون الأضاحي في نسق مرسوم وممنهج، وعرب الخليج لا يستجيبون إلا بالضغط والإذلال؛ وكان ترامب حريصاً على التذكير بأحداث 11 أيلول/ سبتمبر خلال كلمته في قمة الرياض، وهو الذي اتهم السعودية بالوقوف وراء تنفيذها، فهذه هي الفاتورة الكبرى التي يجب أن يدفعها عرب الخليج، والأصول السعودية بمئات المليارات المجمّدة في المصارف والشركات الأميركية ستذهب إلى الخزائن الأميركية، إلا إذا استبدلتموها بصفقات سلاح ضخمة من شأنها تحريك الاقتصاد الأمريكي الراكد، وتوفير عشرات الآلاف من فرص العمل داخل الولايات المتحدة الأمريكية.
السعودية - إسرائيل ركنا الحلف ضد إيران
قبض ترامب الثمن الذي مهّد له بوش الابن قبل 16 عاماً بمئات المليارات من الدولارات، وقد لا يكون لهذه المبالغ الطائلة الأثر الجذري في ميزان الاقتصاد الأميركي الضخم، ولكن ترامب نجح في فتح الطريق أمام واشنطن للإطباق على المقدّرات الخليجية في المراحل المقبلة، ولكن ماذا جنى العرب والسعودية في المقابل؟!
الواقع أن الملك سلمان وحاشيته من الحكام العرب الذين بايعوا "الخليفة" دونالد ترامب يدركون تماماً أنهم لن يحصلوا على شيء، وما الصفقات التي تم الإعلان عنها سوى واجهة لتبرير الخوّة المالية الضخمة التي دفعوها لترامب صاغرين، فإن المطلوب من السعودية وعرب الخليج توفير منصّة لترامب حتى يعيد أمريكا إلى المنطقة من الباب الإسلامي والعربي، وما اختيار "إسرائيل" كمحطة ثانية بعد السعودية إلا رسالة واضحة لهيكل التحالفات القادمة في المنطقة مقابل إيران وسوريا وحزب الله، وهو ما لم يخفه كل من ترامب وسلمان في مواقفهما المعلنة، ولكن كيف سيتم تنفيذ هذا الهدف؟ وهل بمقدور السعودية ودول الخليج أن تكون على قدر دعوات ترامب بالتحرّك للقضاء على "الإرهاب" دون الاعتماد على أمريكا؟! المنال بعيد.
بقلم : محمد الحسيني
ارسال التعليق