تصفيات ميدانية وإخفاء قسري.. هكذا قمعت “السعودية” انتفاضة المنطقة الشرقية
لم توفّر السلطات السعودية أسلوباً إرهابيّاً إلا واستخدمته في قمع “انتفاضة الكرامة الثانية” في القطيف والأحساء عام 2011. الجنون السعودي طال البشر والحجر على حد سواء، إذ تراوحت فنون القمع بين الاعتقالات والإخفاء القسري والتصفيات الميدانية والإعدام بعد محاكمات غير عادلة، بالإضافة إلى هدم المساجد والحسينيات واقتحام الأحياء الآمنة وتشويه صورة أهالي القطيف والأحساء واتهامهم بالإرهاب.
فصول القمع لم تنته بعد في مملكة الإرهاب، إذ لا تزال السلطات السعودية تشن حملات اعتقالات تعسفيّة في القطيف والأحساء لاعتقال المشاركين في الانتفاضة. وفي موازاة ذلك يقبع مئات المعتقلين من المشاركين في الانتفاضة في السجون فيما ينتظر العشرات منهم تنفيذ أحكام الإعدام التي تلوّح بها السلطات.
أضف إلى ذلك، استكمال مخطّط هدم الأحياء في المنطقة الشرقيّة بما في ذلك هدم المساجد والحسينيات والبيوت والمحال التجارية وتجريف البساتين الزراعية وردم البحر. بين عامي 2011 و 2012، أي خلال العام الأول لانتفاضة القطيف والأحساء استشهد قرابة 20 شخصاً، ارتقوا بفعل الرصاص الغادر وعمليات الدهس خلال التصفيات الميدانية للمتظاهرين وخلال الاعتقال، فيما أصيب عشرات المتظاهرين بجروح متعدّدة.
اعتُقل أكثر من 1400 شخصاً لا يزال عدد كبير منهم في السجون، كان بينهم 24 طفلاً، حكم على 5 منهم بالإعدام بتهمة “استعمال العنف ضد الشرطة”.
تصفية وإعدامات تعرّض أهالي القطيف والأحساء للقتل على مرحلتين، الأولى خلال اندلاع التظاهرات أي بين عامي 2011 و 2012 حين جرى تصفية المتظاهرين مباشرةً، أما المرحلة الثانية فهي مستمرة حتى الآن، إذ يتم مطاردة واعتقال وقتل كل من شارك في التظاهرات.
أبرز الذين ارتقوا خلال التظاهرات التي اندلعت بين عامي 2011 و 2012 هم: الشھید جعفر حسن آل خلیف، الشھید ناصر المحیشي، الشھید السید علي الفلفل، الشھید السید منیب العدنان، الشھید علي قریریص، الشھید عصام أبو عبدالله، الشھید منیر المیداني، الشھید زھیر السعيد، الشھید السید أكبر الشاخوري، الشھید السید محمد الفلفل، الشھید عبدالله الأوجامي، الشھید حسین القلاف، الشھید خالد اللباد، الشھید حسن الزاھري، الشھید محمد المناسف، الشھید أحمد مطر.
تواترت عمليات التصفية الميدانية والإعدامات في السجون ما بعد انتفاضة القطيف والأحساء، فحتى عام 2017 أعدمت السلطات السعودية قرابة 70 شخصاً شارك في التظاهرات، بعد اعتقاله بصورة تعسّفية، مع العلم أن الإعدامات لا تزال مستمرة حتى الآن إذ يقدّر عدد الشهداء قرابة 200 شهيداً.
وفيما يلي بعض الشهداء الذين قتلوا على خلفية مشاركتهم في انتفاضة القطيف والأحساء: الشهيد أحمد المصلاب، الشهيد مرسي الربح، الشهيد علي المحروس، الشهيد حسين الفرج، الشهيد علي الفرج، الشهيد رضا البندري، الشهيد محمد عظيم، الشهيد عبدالله رمضان، الشهيد محمد الشيوخ، الشهيد محمد صويمل، الشهيد علي الداوود، الشهيد مقداد محمد النمر، الشهيد محمد طاهر النمر، الشهيد وليد العريض، الشهيد ثامر الربيع، الشهيد محمد المناسف، الشهيد حسن الزاهري، الشهيد الشاب مصطفى آل درويش، الشهيد مسلم المحسن، الشهيد عدنان بن مصطفى الشرفا، الشهيد القائد مرسي آل ربح، الشهيد المجاهد محمد ال زايد، الشهيد المجاهد محمد آل شبيب. بتاريخ 3 يناير/ كانون الأول 2016 أعلنت السلطات السعودية إعدام قائد الانتفاضة في القطيف والأحساء الشيخ نمر باقر النمر ومعه 3 شبان آخرون هم: الشاب علي سعيد آل ربح، الشاب محمد علي صويلم، الشاب محمد فيصل الشويخ.
قبل تنفيذ حكم الإعدام، اعتقل سماحته في 8 يوليو 2012 وبقي في السجن لمدة ثلاث سنوات تكبّد خلالها مختلف صنوف التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان بما في ذلك حق الدفاع عن النفس. وفي نهاية المطاف، حكمت المحكمة الجزائية المتخصّصة في القضايا المتعلقة بالإرهاب، على الشيخ نمر بالإعدام في 15 أكتوبر 2014.
ورغم عدم وجود علاقة للشيخ نمر بأية أنشطة إرهابية، إستندت المحكمة على قانون مكافحة الإرهاب الصادر في عام 2014 الذي يحتوي على تعريف واسع جداً لمفهوم الإرهاب بما في ذلك أي عمل يشكل “خطراً على الوحدة الوطنية “، بغية محاكمته على أسس تعتبرها إرهابية.
استخدمت السلطات السعودية المحكمة الجزائية المتخصصة عدة مرات لمحاكمة و إدانة الناشطين الإصلاحيين والمدافعين عن حقوق الإنسان بسبب أنشطتهم السلمية.
وفي إطار استكمال الإنتقام الجماعي من أهالي القطيف والأحساء، نفّذت سلطات الرياض أكبر عملية إعدام بحق 33 مواطناً شيعياً في 23/ نيسان 2019 شاركوا في تظاهرات القطيف والأحساء. أدينوا جميعهم بتهمة الإرهاب والتجسّس لدولة أخرى، وهم أصحاب “خلية الكفاءات” أو خلية “التجسس لإيران”. تعرّض المعتقولون لتعذيب مبرح من قبل السلطات السعودية التي انتزعت منهم اعترافات بالقوّة.
ومن بين الرجال السبعة والثلاثين الذين أُعدموا: منير الآدم وهو رجل من ذوي الإحتياجات الخاصة وعباس الحسن وهو أب لأربعة أطفال اتُهم “بالتجسس” و “نشر المذهب الشيعي” ومجتبى السويكت وسلمان قريش وعبد الكريم الحواج الذين كانوا قاصرين عند الاعتقال.
تعرض هؤلاء المعتقلين، إلى جانب الكثيرين غيرهم، للتعذيب والإكراه على الاعتراف وحُرموا من الحق المشروع بالدفاع عن أنفسهم وسط أجواء قمع بوليسية ومحاكمات صورية واعتقالات تعسفية.
شيطنة القطيف والأحساء في موازة القتل الدموي مارست السلطات السعودية شكلاً آخر من الإرهاب لقمع الانتفاضة وهي شيطنة أهالي القطيف والأحساء، وتشويه صورة الشيخ نمر النمر النمر، في مسعى منها إلى عزل القطيف والأحساء عن باقي المناطق قي “السعودية” كي لا تتسع رقعة التظاهرات، وفي نفس الوقت ضرب مصداقية الشيخ نمر النمر وتفكيك الالتفاف الشعبي حوله.
وفي ورقة بحثيّة نشرها الباحث السياسي د. حمزة الحسن، بعنوان: “ما وراء دعشنة القطيف.. نظام متهالك، وسياسيّون انتهازيّون”، بدأ الأمر بإطلاق تسمية “دواعش العوامية” على الحراك السلمي الذي انطلق في 2011، حينما كانت السلطات السعودية تقتل الأهالي في الشوارع.
ثم بدأ تداول المصطلح يتّسع ليشمل صحافة النظام، حتى صار الإعلام الرسمي السعودي يستخدم مصطلحاً آخر هو “دواعش الشيعة” مقابل دواعشها هي، لتقول للعالم بأن الإرهاب ليس نسخة من أيديولوجيتها الوهابية، أو ليس محصوراً فيها، وهذا ما يؤكده العالم يوماً بعد يوم. أراد آل سعود بذلك القول إنه كما للسنّة دواعشهم، فللشيعة دواعشهم، وهناك إرهاب سني وإرهاب شيعي.
كل ذلك بغية تخفيف الضغط العالمي الذي يتوجه بالاتهام مباشرةً إلى الأيديولوجية الوهابية التي تنطلق من “السعودية” نفسها، فكراً وترويجاً وشباباً وتمويلاً وتحريضاً واستخداماً. هدم ومداهمات الهدم هو وجه آخر من وجوه الجنون السعودي الذي كشفت ملامحه انتفاضة القطيف.
هو أيضاً جرى تنفيذه على مرحلتين، الأولى تمثلت في مداهمة واقتحام دور العبادة والأحياء في القطيف والأحساء خلال اندلاع التظاهرات بين عامي 2011 و2012 والمرحلة الثانية لا تزال مستمرة إلى اليوم، في تآمر واضح من قبل النظام السعودي لتهجير أهالي القطيف والأحساء. في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، اقتحمت القوات السعودية مدينة الهفوف عاصمة منطقة الأحساء وقامت بإغلاق حسينية بوحليقة في حارة الرفعة الشمالية في المدينة والتي تعتبر من أكبر الحسينيات في منطقة الأحساء بغرض إزالة ومنع المظاهر العزائية من قماش أسود وصور وبوسترات.
كما تعرّض مسجد الطائفة الإسماعيلية ببلدة الثقبة في محافظة الخبر إلى الهدم بشكل كامل من قبل السلطات السعودية في 17 أبريل/ نيسان 2012. إلى ذلك، داهم عناصر المباحث والشرطة حسينية في بلدة الأوجام التابعة لمحافظة القطيف في 11 ديسمبر/ كانون الأول 2011 وقامت بتفتيشها كما قاموا أيضاً بمداهمة عدد من المنازل المجاورة التي تعود لرواد الحسينية.
وفي 27 ديسمبر/ كانون الأول 2012 اقتحمت القوات السعودية مدينة سيهات التابعة لمنطقة القطيف وحاصرت القوات مداخل المدينة عبر حواجز عسكرية بينما حاصرت قوات أخرى تستقل سيارات من نوع “يوكن” شارع مكة وفتحت النار عشوائياً نحو النساء والرجال المتجمعين. بعد عدة سنوات على قمع الانتفاضة، شنّت السلطات السعودية اكبر حملة عسكرية على حي المسوّرة التاريخي وسط بلدة العوامية في القطيف عام 2017.
وبحسب شهود عيان من أهالي المدينة استقدمت القوات السعودية عدداً من الجرافات والمدرعات المصفحة لتهديم مئات المنازل في حي المسورة مسقط رأس الشيخ النمر، فيما تحدث آخرون عن منع السلطات السعودية الطواقم الطبية وسيارات الإسعاف من دخول العوامية لإسعاف الجرحى، كما منع الصحفيين من تغطية الهجوم العسكري على حي المسورة.
القوات السعودية استهدفت أيضاً حيّ الشويكة جنوبي القطيف، في 17 ديسمبر 2017، في مشهديّة مماثلة لهدم حي المسوّرة، إذ جرى إزالة عدد من المنازل والكراجات، استكمالاً للعملية العسكرية التي شنّتها مع هدم حيّ المسوّرة قبلها بأشهر قليلة.
وقد خلّفت المدرعات وراءها أكوام من ركام الأبنية والمحال التجارية وأنقاض الكراجات المهدومة، لتدمر مصدر أرزاق المواطنين. مسلسل الهدم والتهجير طال في 11 مايو/ أيار 2019 بلدة السنابس بجزيرة تاروت، حيث اقتحمت قوات الأمن الهاصة البلدة وقتلت ثمانية من أبنائها، ثم عمدت إلى هدم 3 منازل وتجريفها بعد إخراج الأهالي منها عنوة وتركهم في العراء، لتتعرّض المنطقة إلى حجم هائل من الدمار نتيجة القذائف الصاروخية والقنابل التي استهدفت منازل المدنيين العزّل. ولم يكن ذلك سوى نبذة قليلة ومختصرة عن واقع هدم وتجريف واقتحامات مستمرة منذ انتفاضة 2011، في إطار العقاب الجماعي الذي يمارسه النظام السعودي حيال أهالي القطيف والأحساء.
ارسال التعليق