زيارة الجبير لبغداد تغيير في سياسات النظام السعودي...أم تغيير في الأساليب???
أهتم المراقبون والمحللون كثيراً بزيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى العاصمة العراقية بغداد يوم السبت، 25/2/2017، ولقاءاته برئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، وبنظيره العراقي إبراهيم الجعفري اضافة الى رئيس الجمهورية فؤاد معصوم، ورئيس مجلس النواب سليم الجبوري وعدد آخر من المسؤولين العراقيين، واعتبر هؤلاء المحللين الزيارة بأنها حدث وتطور مهم، لان هذه الزيارة هي الأولى من نوعها يقوم بها النظام السعودي وعلى هذا المستوى ، منذ سقوط النظام الصدامي في عام 2003 بعد الغزو الأمريكي للعراق بقيادة بوش الابن في ذلك الوقت، هذا أولا، وثانياً لان علاقة النظام السعودي بالنظام العراقي الذي جاء بعد سقوط النظام السابق علاقة اتسمت بالعدوانية وبالتدخلات الفجة في شؤونه وشؤون العراق الداخلية، طائفية أو عرقية وصولاً إلى محاولات تقسيم هذا البلد، وفي الحقيقة، ان الدور السعودي التخريبي في العراق طيلة تلك الفترة غير خاف على ابناء المنطقة وعلى المتابعين للعلاقة بين النظام السعودي والحكومات المتعاقبة في بغداد، فهناك كم هائل من الوثائق ومن اعترافات الإرهابيين السعوديين تحتفظ به الحكومة العراقية في أرشيفها، حول دور هذا النظام السيئ في العراق، خصوصاً دوره في اعداد فصائل إرهابية من أزلام النظام السابق ومن قطعان الوهابية التكفيريين، إطلاق هذه الفصائل تحت مسميات مختلفة بعد تدريبها وتسليحها وتحويلها وتغطيتها بفتاوى علماء سعوديين و التي تشرع لهؤلاء الإرهابيين قتل العراقيين وذبحهم والفتك بهم بالسيارات المفخخة وبالهجمات القاتلة، باعتبارهم " رافضة " و"مشركين" و"مجوس" و"صفويين" وما إلى ذلك في التوصيفات، وللإشارة أن 28 رجل دين سعودي-منهم من يتسنم مناصب رسمية- أصدروا في يوم واحد فتوى مشتركة تشرع هذا القتل وتهدر فيها دماء العراقيين.ذلك إلى جانب الحملة الإعلامية الشرسة التي ظلت الماكنة الإعلامية السعودية الجبارة تشنها ضد العراقيين وحكومتهم وتدخلها السافر في شؤونهم، ونعتهم بالأوصاف والنعوت التي أشرنا إلى بعضها، والتي تتنكر إلى إسلامهم والى عروبتهم وتتهمهم " بالعمالة لإيران " وما إلى ذلك مما قام به النظام السعودي ولعل دوره في دعم الدواعش والمساهمة في مساعدتهم على احتلال مدينة الموصل وباقي المدن والمساحات الشاسعة في غرب العراق، من أوضح مما قام به النظام السعودي من عدوانية ومن تآمر على الشعب العراقي وعلى حكومته.
جانب آخر يؤكد أهمية هذه الزيارة، هو أن النظام السعودي، الذي ينظر إلى الحكومة العراقية باحتقار وازدراء انطلاقاً من عداوته للعراقيين ولحكومتهم، وانطلاقاً من فوقيته واستعلائه يعني، أن ثمة أمر مهم للغاية بالنسبة للنظام السعودي أجبره على الانحناء والمجيء لزيارة " عاصمة الرافضة والصفويين " سيما وان الجبير نفسه من ساهم في رفع منسوب التوتر بين بغداد والرياض إلى حدوده القصوى، بتصريحاته الفجة التى ادعى فيها بأن الحشد الشعبي " يمثل ميليشيات إيرانية " تأتمر بأمر إيران متهماً هذا الحشد بالطائفية و"بقتل السنة" وما إلى ذلك من الادعاءات والمزاعم التي ليس لها أساس في الواقع، ونفاها الحشد في حينها جملة وتفضيلا، بل نفاها العديد من رموز السنة في العراق.
وما دامت هذه الزيارة على هذا المستوى من الأهمية، فهل هي مؤشر على تغيير في السياسات العدوانية السعودية لدول الجوار؟ أم أنها محاولة لتغيير الأساليب من أجل الوصول إلى الأهداف التي يسعى النظام السعودي اليوم إلى تحقيقها.
الاحتمال الأول تغيير السياسات
يرى بعض المحللين والخبراء، أن زيارة الوزير السعودي عادل الجبير للعراق، هي مؤشر على تغيير في سياسات النظام السعودي، لان هذا الأخير وجد أن أساليب التصعيد مع إيران والعراق واليمن وسوريا وغيرها، لا توصله إلى طموحه المتمثل بزعامة المنطقة ويكون الآمر والناهي فيها وذلك للأسباب التالية:
1- وجد النظام السعودي أن تدخله في سوريا، وزجه بعشرات الآلاف من التكفيريين وتسليحهم وتمويلهم ودعمهم اعلامياً، كل ذلك لم يؤد إلى إسقاط نظام بشار الأسد، بل بدأت الرياح في سوريا وبعد ست سنوات من حرب طاحنة في هذا البلد، تسير بما لا تشتهيه سفن آل سعود فالنظام السوري بات أقوى من اليوم الأول لبدء الحرب الكونية على سوريا والتكفيريون وباقي الفصائل المسلحة السوريةُ تمنى بالهزائم المتلاحقة، وتعاني من التشرذم والتطاحن فيما بينها، ولأن الأمور تتجه نحو انتصار النظام السوري، فأن آل سعود يتحسبون من فترة ما بعد انتهاء هذه الحرب وتفرغ الحكومة السورية، وما يمكن أن تقوم به ثاراً للدماء السورية وللخراب الذي عمّ البلاد من الذين ساهموا بشكل فاعل، بل وضع هذه المأساة والمعاناة السورية، التي استمرت أكثر من ست سنوات.
2- ومثلما فشلت جهود آل سعود في النيل من الحكومة السورية، فأنها فشلت أيضاً في إسقاط الحكومة العراقية كما أشرنا في مقدمة الحديث، و اليوم تقف الحكومة العراقية على مشارف الانتصار النهائي وطي ورقة الدواعش والفصائل المعادية للشعب العراقي من أزلام النظام الصدامي السابق ، والتحول إلى البناء والأعمار وتعزيز التجربة الديمقراطية، وما بات يخيف آل سعود هو أن جهاد الشعب العراقي وصبره على ما تسبب له التآمر السعودي من ويلات ومصائب وقتل وتدمير، أنتج قوة جبارة، هي الحشد الشعبي إلى جانب الجيش العراقي الذي صقلته تجربة الحروب مع الدواعش ومع اتباع النظام البعثي السابق، وجعلت منه قوة هائلة هي الأخرى، سيما وان كل محاولات السعودية في التحريض ضد الحشد الشعبي واتهامه بالطائفية من أجل حلّه، باءت بالفشل، على العكس من ذلك تجذر هذا الحشد في التربة العراقية، وأصبح قوة عراقية رديفة للجيش العراقي، بتصويت البرلمان العراقي عليه وتشريع وجوده كقوة عسكرية لحماية العراق، إلى جانب الجيش العراقي بكل صنوفه وتنوعاته. وبالتالي أصبحت هذه القوة العراقية التي صنفت بأنها الرابعة في العالم مبعث فلق للسعوديين، سيما وان بعض القيادات في الحشد الشعبي وحتى الجيش العراقي توعد السعوديين بعد التفرغ من داعش وأزلام النظام السابق، كما أن هذا الحشد قام بمناورات عسكرية ضخمة في المناطق الحدودية مع المملكة السعودية، ومايعزز هذا الأمر هو ان الجبير ناقش مع حيدر العبادي قضية ضبط الحدود بين البلدين. كما أشرنا أن الوزير السعودي تعهد بوقوف بلاده على مسافة واحدة من كل المكونات السياسية العراقية وعدم انحيازها إلى مكون دون آخر، كما كانت تفعل في السابق، إضافة إلى تأكيد الجبير على أن بلاده مستعدة لدعم الحكومة العراقية ودعم إعادة الاستقرار في المناطق والمدن التي حررتها القوات العراقية من سيطرة واحتلال الدواعش.
3- بدأ النظام السعودي يدرك أن التصعيد الأمريكي الأخير بعد مجئ ترامب إلى البيت الأبيض الأمريكي، ضد إيران لا يعني أن أمريكا أو الكيان الصهيوني سينخرطان في حرب مباشرة مع إيران، بل اتضح للسعوديين، وهذا ما صرحت به بعض الصحف الصهيونية، أن الاميركان والصهاينة يريدون تجنيد السعودية ومن تقنعه من العرب والمسلمين في المواجهة المباشرة مع إيران وحلفائها في حين يكتفي الأمريكان والصهاينة بقيادة العمليات العسكرية وتهيئة المعلومات الاستخبارية اللازمة في هذه المعركة، وبالتالي تحويل السعودية ومن معها إلى محرقة...وتكون هي الخاسر الأكبر في مثل هذه الحرب، ولعل سقوط النظام السعودي وتلاشيه سيكون قضية مؤكدة بحسب الخبراء العسكريين، ويقول هؤلاء الخبراء، أن تراجع إدارة ترامب عن فرض عقوبات جديدة على إيران عزز عند السعوديين الرؤية الآنفة، وجعلهم يراجعون حساباتهم وسياساتهم السابقة القائمة على التصعيد مع إيران وتوتير أجواء المنطقة، ولذلك جاء الجبير إلى العراق لنزع فتيل التوتر مع هذا البلد، ولتتولى القيادة العراقية القيام بوساطة بين المملكة السعودية والجمهورية الإسلامية في إيران وهذا الأمر المح إليه عدد من المسؤولين العراقيين، سيما وان الحكومة العراقية قامت قبل مدة بهذا الدور، أي التوسط بين السعودية وإيران....
4- أدركت السلطات السعودية، أن سياسة إثارة الفتنة الطائفية في المنطقة، ومحاولة إشعال حرب بين السنة والشيعة، إمتثالاً لما يريده الكيان الصهيوني والولايات المتحدة، باعتبار أن مشروعهما في المنطقة يستند في أحد ركائزه إلى هذه الحرب الطائفية...أدركت أن هذه السياسة سوف تطالها لا محالة وسوف تؤدي بها إلى التقسيم المؤكد، ليس هذا وحسب، وإنما لاحظت السلطات السعودية أنها حصدت المتاعب واللوم والاتهام بدعم الإرهاب والإرهابيين في المنطقة، وذلك ما تجسد في الأشهر الأخيرة في تغطية وسائل الإعلام الغربية والأمريكية وفي تصريحات المسؤولين الغربيين وحتى الأمريكيين، وما سن الكونكرس الأمريكي لقانون جاستا الذي يجرّم السعوديين بدعم الإرهابيين الذين فجروا برجي التجارة العالمي في نيويورك عام2001 في شهر أيلول، الّا مثال واحد على هذا التوجه الغربي والأمريكي بشأن اتضاح إرهابية النظام السعودي ومسؤوليته عما يقترفه الإرهابيون التكفيريون من جرائم في العالم وفي المنطقة.
5- يبد أن السعودية وصلت إلى قناعة أن الحرب على الشعب اليمني لا طائل منها ولم تحقق للنظام السعودي الأهداف التي شن العدوان على هذا الشعب من أجلها، فعلى الرغم من مرور700يوم على هذه الحرب، إلا أنها ليس لم تتحقق فيها الأهداف السعودية وحسب، بل تحولت إلى عبئ كبير على النظام السعودي، لأنها استنزفته اقتصادياً وأسقطته أخلاقياً وعرّته أمام الرأي العام العربي والإسلامي، ومازالت تستنزفه عسكرياً، بينما يزداد أنصار الله وحلفاؤهم قوة وتقدماً في صناعة الصواريخ البعيدة المدى والتي وصلت العاصمة السعودية الرياض.وبحسب رأي بعض المحللين فأن النظام السعودي يريد من خلال خفض التوتر مع الجمهورية الإسلامية في إيران، وتطبيع العلاقات معها عبر الوساطة العراقية، حل الأزمة اليمنية مع حفظ ماء وجه السعوديين سيما وان طهران أعلنت مراراً وتكراراً استعدادها للتوسط بين السعوديين وبين الحوثيين وحلفائهم لإنهاء معاناة الشعب اليمني المظلوم.
الاحتمال الثاني تغيّر الأساليب
عدد من المحللين لا يرى أن النظام السعودي تغيّر نحو العقلانية وإعادة الحسابات ومراجعة السياسات التي أوقعته في أزمات هو في غنى عنها، فهم يقولون رأي هؤلاء المحللين- أن النظام السعودي مغلوب على أمره، وليس أمامه سوى تنفيذ ما تمليه عليه الدوائر الصهيونية والأمريكية، فالرئيس الأمريكي ترامب أعلن صراحة أن على النظام السعودي وباقي أنظمة الخليج العربية أن تدفع أثمان حمايتها،وان تغطي نفقات المشاريع الأمريكية والصهيونية في المنطقة، وقد أشارت بعض المصادر الخاصة إلى أن النظام السعودي منح ترامب ابقاء ال750مليار دولار الموجودة كودائع سعودية في البنوك الأمريكية، والتي كان عادل الجبير قد هدد بسحبها وإحداث ضجة وهزة في الوضع الاقتصادي الأمريكي أن صوت الكونكرس الأمريكي على قانون جاستا، لكن السعودية لم تنفذ هذا التهديد رغم صدور القانون المشار إليه.
أما النظام الصهيوني فهو يتحرك على صعيد انجاز مشروع بيريز القديم الجديد وهو إقامة تحالف بين الكيان الصهيوني " والدول العربية المعتدلة السنية "بحسب التوصيف الصهيوني، فمنذ زيارة نتنياهو للولايات المتحدة ولقائه بالرئيس الأمريكي ترامب، والمسؤولون الصهاينة ووسائل إعلامهم تثير الجدل والمتابعة حول بلورة هذا الحلف الذي تقف السعودية على رأسه، فالواضح أن الكيان الصهيوني يريد تشغيل هذا الحلف ضد إيران وباقي محورها، ولذلك هو يدفع بالنظام السعودي نحو سياسات رفع التوتر مع إيران وسوريا وحزب الله.
ويقول هؤلاء المحللون، إن الإعداد لهذه المواجهة يتطلب في البداية تفكيك محور المقاومة الممتد من بيروت إلى طهران، مروراً بدمشق وبغداد، ولأن العراق يشكل الحلقة الأضعف في هذا المحور، نظراً للنفوذ الأمريكي فيه ونظراً لوجود من يوالون السعودية، في العملية السياسية، وكل ذلك بنظر السعوديين والصهاينة يسهّل عملية استقطاب العراق وبالتالي قطع الطريق على إيران، وجعل عملية دعمها العسكري للحكومة السورية صعبة جداً، بحسب ما يراه أعداء الحكومة السورية، وبالتالي فأن ذلك يسهل على هذا الحلف النيل من حلفاء إيران والاستفراد بهم. ويعزز هؤلاء المحللين رأيهم هذا، بالإغراءات وحسن النوايا التي أبداها الوزير السعودي، تجاه العراق، بفتح صفحة جديدة، واستعداد السعودية بدعم واعمار المدن والمناطق التي طهرتها القوات العراقية والحشد الشعبي من الدواعش، ذلك فضلاً عن تعهد السعودية بالوقوف على مسافة واحدة من كل المكونات العراقية، كما أشرنا قبل قليل.وفي هذا السياق أكد عادل الجبير في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع نظيره العراقي الدكتور إبراهيم الجعفري قائلاً " أن السعودية تتطلع لبناء علاقات متميزة مع العراق" منوهاً إلى وجود " روابط جغرافية وتاريخية ومصالح مشتركة بين البلدين سواء في مواجهة التطرف والإرهاب أو فيما يتعلق بالاستثمار، وكان الجبير قد كتب على توتير في نفس اليوم الذي زار فيه بغداد، تغريده جاء فيها " إن بلاده تقف على مسافة واحدة من جميع الأطياف والأعراق والأديان في العراق"
وكتب أيضاً " العراق بلد التاريخ والحضارات يتمنى له الجميع الأمن والاستقرار والازدهار".
من جانبه وصف المتحدث باسم الخارجية العراقية أحمد جمال، زيارة الوزير السعودي بأنها مهمة بالنسبة للعراق من أجل بناء علاقات صحيحة ومتوازنة مع السعودية لما تملك من أهمية وتأثير دولي وإقليمي وأشار جمال في تصريح صحفي مكتوب، إلى أن إعادة العلاقات بين الدولتين تعود بالمصلحة على العراق ضمن إطار برنامج الحكومة في مجال العلاقات الخارجية، وفي ميدان إبقاء العراق على الحياد من سياسة المحاور والاستقطاب التي تعاني منها المنطقة ".
أما وزير الخارجية العراقي السيد إبراهيم الجعفري، فبعد أن عبر عن حرص العراق على إقامة أفضل العلاقات مع السعودية، شدد على أن " سياسة العراق تقوم على الانفتاح مع بلدان العالم ولا يسمح بالتدخل في شؤونه الداخلية ولا يتدخل في الشؤون الداخلية للدول، كما انه لا يدخل في سياسة المحاور"...ويرى المراقبون أن تلك إشارات عراقية واضحة إلى أن العراق يرفض أن يكون تحت العباءة السعودية.
على أي حال الأيام القادمة ستكشف حقيقة هذه الانعطافة السعودية في العلاقة مع العراق، ويتمنى الكل أن يكون الاحتمال الأول هو الأصح، أي أن النظام السعودي في حالة مراجعة لسياساته الخاطئة التي كلفت شعوب المنطقة لحد الآن خسائر وأثمان ضخمة لا يمكن تعويضها أبداً.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق