التغيير

يواجه محمد بن سلمان، ضغوطات قانونية وسياسية أمريكية، دفعته لمخاطبة إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن والتعهد بفتح خزائن المملكة لضمان علاقات جيدة معه.

ويسعى بن سلمان إلى تهدئة بايدن الذى توعد بملاحقة المملكة وملاحقة قتلة الصحفي جمال خاشقي.  

“محمد بن سلمان هو الذي أمر باغتيال جمال خاشقجي”. هكذا تداولت الصحف الغربية هذه الخلاصة بعد 6 أسابيع من الجريمة.

واستندت الصحف الغربية لهذه الخلاصة نقلا عن تقرير مسرب عن الاستخبارات الأمريكية.

وأعطت تلك الخلاصة للتقرير مركزية في تحديد مصير اتهام بن سلمان بالجريمة.

لكن الكونجرس صادق على تعديل قانوني يطالب إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب برفع السرية عنه.

وتحديد كامل حول المسؤولين عن اغتيال خاشقجي، لكن ترامب لم يستجب لهذه المطالبة.

مطالب أمريكية

وبعد ساعات من تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، عاد التقرير إلى الواجهة مجددا، في ظل تعهد سابق لـ”بايدن” بمحاسبة قتلة خاشقجي من جانب.

ومطالبة رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب الأمريكي “آدم شيف”، لمدير الاستخبارات الوطنية، الجمعة، برفع السرية عن التقرير، من جانب آخر.

وتنسجم مطالبة “شيف” مع تعهد سابق لمديرة الاستخبارات الوطنية الجديدة “أفريل هاينس” برفع السرية عن التقرير وتقديمه للكونجرس، وهو ما من شأنه التأثير بقوة على مستقبل العلاقات الأمريكية مع المملكة.

فـبن سلمان، الذي أقر بمسؤوليته عن الاغتيال من ناحية سياسية، كونه الحاكم الفعلي وصاحب السلطة المطلقة في البلاد حاليا.

يصر على أنه لم يأمر بقتل خاشقجي، وأن منفذي الجريمة تصرفوا دون علمه.

وفي حال كشف تقرير الاستخبارات أدلة على “كذب” بن سلمان فإن مستقبل السلطة في المملكة وعلاقاتها الدولية سيتعرضان لاختبار قاس.

أيام صعبة قادمةويعزز من هكذا سيناريو أن عديد الشخصيات البارزة في حزب “بايدن” (الديموقراطي) يدفعون باتجاه رفع السرية عن تقرير الاستخبارات بشأن خاشقجي.

ومنهم المرشحة الرئاسية السابقة “هيلاري كلينتون”، التي روجت، عبر “تويتر”، لفيلم “المنشق”، الذي يروي قصة خاشقجي.

وفي حال تحقق سيناريو كشف التقرير فإن كل أدوات محاسبة المملكة “سياسيا وماليا” عن اغتيال خاشقجي ستكون متوافرة.

ولا سيما في ظل سيطرة الديموقراطيين على بيوت السلطة الثلاثة (البيت الأبيض ومجلسي النواب والشيوخ).

إضافة إلى وجود السيناتور الديموقراطي “بوب مينينديز” على رأس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، وهو ناقد لاذع لنظام آل سعود.

ويصر “مينينديز” على استعادة السيطرة على كيفية معالجة مبيعات الأسلحة للمملكة، ولديه غضب خاص ضد نظام بن سلمان.

وإلى جانب مبيعات الأسلحة، انخرط “مينينديز” في جهود تشريعية لتوبيخ المملكة على انتهاكاتها لحقوق الإنسان.

وفي عام 2019، كان السيناتور الديموقراطي هو الراعي الرئيسي لقانون المساءلة بشأن المملكة واليمن، الذي دعا إلى فرض عقوبات على المسؤولين في المملكة بسبب الحرب في اليمن وقتل “خاشقجي”.

محاولات احتواء

وإزاء ذلك، يمكن قراءة تعرض “المنشق” لحملة منسقة من التقييمات السلبية من قبل موالين لحكومة آل سعود على مواقع تقييم الأفلام.

وأفادت صحيفة “واشنطن بوست”، الخميس الماضي، بأن الفيلم كان يحظى بتقييم جيد على موقع تصنيف الأفلام الشهير “Rotten Tomatoes” ثم انخفض تقييمه الإيجابي من 95% إلى 68% فقط.

كما يمكن قراءة التوجهات الجديدة لنظام آل سعود في الإطار ذاته.

ويحاول بن سلمان إصلاح بعض الملفات، بما يخفف على الأقل بعض المصادر طويلة الأجل للغضب الأمريكي في وقت مبكر من ولاية بايدن.

ففي غضون بضعة أسابيع، أعلنت المملكة اتفاقا عربيا للمصالحة مع قطر وتخفيضات طوعية في إنتاج النفط الخام للمساهمة في تحقيق استقرار الأسواق.

إضافة إلى صدور أحكام قضائية مخففة بحق اثنين من أبرز المعتقلين السياسيين هما الطبيب “وليد فتيحي” (يحمل الجنسية الأمريكية).

والناشطة لجين الهذلول تهدف إلى إبقائهما خارج السجن أثناء وجود “بايدن” في البيت الأبيض.

لكن هل تكفي هكذا تحركات لإفلات المملكة من مصير “الدولة المنبوذة” حسب تعبير استخدمه “بايدن” نفسه في إحدى حملاته الانتخابية؟.

صعوبات بالغة

تبدو الإجابة أقرب إلى النفي في ظل قيام مبادرة المجتمع المفتوح في الولايات المتحدة برفع دعوى قضائية على مكتب مدير الأمن القومي في أغسطس/آب 2020.

استنادا إلى قانون حرية المعلومات، ومطالبتها بالكشف عن نتائج تقرير الاستخبارات بشأن “خاشقجي”؛ ما يعني أن إدارة بايدن قد تجد نفسها مجبرة على كشف التقرير حتى في حال قبولها تجميدا مؤقتا للتصعيد مع المملكة.

كما أن التحركات في أوساط الديمقراطيين وجماعات الضغط الموالية لهم تدفع باتجاه محاسبة المملكة.

وهو ما عبر عنه المستشار العام في “مؤسسة الديمقراطية للعالم العربي” (داون) في واشنطن، “مايكل إيزنر”، بالتشارك مع المحامي في المؤسسة “جاك ستيل” في مقال نشرته مجلة “فورين بوليسي”.

واعتبر المقال أن كشف تقرير “خاشقجي” ضرورة لـ”حماية اعتبارات الأمن القومي، بما في ذلك أمن المقيمين في الولايات المتحدة الذين استهدفتهم قوى أجنبية”.

وأضاف الكاتبان: “إخفاء الأدلة التي تكشف عن دور (بن سلمان) ونظام آل سعود في قتل شخص مقيم في الولايات المتحدة، سيشجع بقية الديكتاتوريين على الاعتقاد أن أمريكا ستتستر عليهم.

كما أن هناك ثمنا أمنيا بعيد المدى للوقوف مع ديكتاتوريين قُساة ممن ينظر إليهم على أنهم عامل رئيسي في زعزعة استقرار المنطقة”.

دفتر الشيكات

ويرى المحلل السابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والمدير في معهد بروكينجز “بروس ريدل” أن بدء التحرك في الكونجرس بشأن رفع السرية عن تقرير خاشقجي يعد بمثابة “طريقة مفيدة لوضع مسألة المساءلة عن مقتل خاشقجي على الملأ في وقت مبكر من عمر الإدارة الجديدة”.

وتوقع ريدل أن تسعى إدارة “بايدن” إلى الحد من مبيعات الأسلحة للمملكة، لكنها قد تتخذ أيضا إجراءات موجهة ضد “بن سلمان” شخصيا، بما في ذلك العقوبات المالية.

ويشير المحلل السياسي “ألكسندر نازاروف”، في هذا الصدد، إلى أنه “سيتعين على الرياض، التي ساعدت ترامب، عدو الديمقراطيين، الدفع مرة أخرى”.

ويربط المحلل الروسي ترجيحه باعتزام الديمقراطيين تبني برنامج لمساعدة الاقتصاد الأمريكي بقيمة 1.9 تريليون دولار.

وأشار إلى أن “الولايات المتحدة ليس لديها أموال لذلك”.

ويبدو أن هذا الترجيح تدركه دوائر السلطة في المملكة جيدا”، حسبما نقلت وكالة “رويترز” عن دبلوماسي غربي في المنطقة.

وأكد أن بن سلمان يدرك أن “عهدا جديدا بدأ” دون الحاجز الواقي الذي وفره له ترامب وأن الرياض بحاجة لتقديم مزيد من التنازلات.