من اراد “مناكفة” السعودية عليه الذهاب الى ايران.. ومن اراد “مناكفة” مصر عليه زيارة سد النهضة الاثيوبي..
هناك قواعد ومعايير في “المناكفة” باتت تحكم العلاقات بين الدول العربية، والمتوترة منها على وجه الخصوص، هذه الايام، فاذا اردت ان تتقارب مع الدول الخليجية، وتحصل على مساعدات مالية وارضاء ولي الامر فيها، فما عليك الا ان تقطع علاقاتك مع ايران، وتؤكد في اجهزة اعلامك انها تشكل خطرا وجوديا على المنطقة، والعكس صحيح.
استمرت هذه “القاعدة” في العمل الدبلوماسي طوال السنوات الست الماضية تقريبا، وزادت حدة بعد اقدام متظاهرين ايرانيين بمهاجمة السفارة السعودية في طهران وحرقها قبل عامين احتجاجا على اعدام الشيخ نمر النمر، احد قادة الطائفة الشيعية السعودية ومرجعيتها الدينية.
في ظل تأزم العلاقات السعودية والقطرية مع مصر، جرى ضم عاصمة جديدة تنافس ايران في دبلوماسية “المناكفة” وهي اديس اباب، فمن يريد ان يغضب القيادة المصرية عليه القيام بزيارة لها، وتوقيع اتفاقات استثمارية وتعاون اقتصادي معها، وربما يبلغ الغضب ذروته اذا قام زوار العاصمة الاثيوبية بالتعريج على سد النهضة على النيل الازرق، واخذ الصور التذكارية بجواره.
في الاسبوع الماضي شنت وسائل الاعلام المصرية حملة شرسة ضد المملكة العربية السعودية لان مستشارا للعاهل السعودي زار اديس ابابا، وسد النهضة، على رأس وفد كبير التقى خلال الزيارة رئيس الوزراء الاثيوبي، وبحث زيادة استثمارات المملكة في مجالات الزراعة والطاقة الكهربائة، وهي زيارة اعتبرتها هذه الوسائل خطوة “استفزازية” لمصر.
العلاقات القطرية المصرية لم تشهد تحسنا طوال الربع قرن الماضية تقريبا الا لعام واحد، وهو الذي تولى فيه الرئيس الاخواني محمد مرسي الحكم، فالقيادة القطرية اتخذت موقفا انتقاديا حادا للرئيس حسني مبارك وسياساته، ولعبت قناة “الجزيرة” دورا كبيرا لتحريض الشارع المصري للاطاحة به اثناء انفجار ثورة “يناير” عام 2011، وحل الرئيس عبد الفتاح السيسي محل الرئيس مبارك هذه الايام، حيث تتهمه دولة قطر بالقيام بإنقلاب عسكري على الرئيس مرسي الذي وصل الى الحكم في انتخابات حرة ديمقراطية.
التوتر في العلاقات بين البلدين دخل مرحلة “كسر العظم” هذه الايام، وبدأت الاتهامات المتبادلة بين حكومتي البلدين تتجاوز كل الخطوط الحمراء، وتنتقل الى مناطق محرمة ربما يترتب عليها نتائج خطيرة.
يوم الاحد الماضي اصدرت وزارة الداخلية المصرية بيانا اتهمت فيه قيادات اخوانية مقيمة في الدوحة باحتضان المتهم الرئيسي في تفجير الكنيسة المرقصية، الذي ادى الى مقتل واصابة عشرات المصلين، وقالت ان مهاب مصطفى السيد، اسم المتهم الرئيسي في الشبكة المسؤولة عن تنفيذ هذه العملية الارهابية (ما زال فارا) زار الدوحة، ويوم امس ذهب النائب هشام مجدي، وكيل لجنة الشؤون الافريقية بمجلس النواب الى ما هو ابعد من ذلك عندما اتهم دولة قطر باتخاذ موقفا معاديا من مصر تعليقا على زيارة وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني الى اديس ابابا، وجدد اتهامات بلاده لدولة قطر بدعم الجماعات الارهابية.
الخارجية القطرية، وعلى لسان المتحدث بإسمها السفير احمد الرميحي، رفضت الزج في قطر بعملية الهجوم على الكنيسة المصرية لتغطية قصور اجهزة الامن المصرية في حمايتها، واكد ان مهاب مصطفى دخل الى الدوحة وفق الاجراءات المرعية المطبقة على آلاف الزوار لقطر يوميا.
اذا اردت ان تغيظ السعودية وحكومتها ما عليك الا شد الرحال الى طهران، واذا اردت ان تغيظ السلطات المصرية وتستفزها فعرج على اديس ابابا، والتقط صورا تذكارية امام سد النهضة، ووقع اتفاقات تعاون تجاري واقتصادي مع حكومتها، والعكس صحيح في جميع الحالات.
لا نعتقد ان قواعد “المناكفة” التي تتبعها الحكومات العربية مع بعضها البعض توجد في اي مكان آخر في الكرة الارضية، خاصة ان الحملات الاعلامية المتبادلة تلعب دورا كبيرا في تأجيج الخلافات وزيادة جرع التحريض.
مخاوف مصر من تقليص حصتها من مياه النيل مخاوف مشروعة، وسد النهضة الاثيوبي يشكل خطرا وجوديا، خاصة ان هناك دول، على رأسها اسرائيل، تقف خلف هذا السد وتحرض الدولة الاثيوبية على المضي قدما في سدود مماثلة على النيل الازرق الذي يزود نهر النيل بأكثر من 85 بالمئة من مياهه.
هناك قضايا استراتيجية ليس لها علاقة بالحاكم، والاتفاق او الاختلاف معه، وانما بالشعوب، ومن بينها سد النهضة، والتهم بالارهاب، وهذه القضايا يجب ان تظل بعيدة عن المناكفات السياسية والاعلامية.
مصر تستحق المساندة والدعم في مساعيها للحفاظ على امنها المائي الاستراتيجي، ومن الدول العربية جميعا، بما فيها الدول الخليجية، والسعودية وقطر على وجه الخصوص، لان اي خطر من اثيوبيا، واي تقليص لحصتها المائية، سيؤثر على مئة مليون مصري ومعيشتهم ومستقبلهم وابنائهم لعقود، وربما لقرون قادمة، ومصر كانت وستظل العمود الفقري للامتين العربية والاسلامية، ولذلك نكرر مجددا بان مهما بلغت حدة الخلاف مع نظامها لا يجب ان تغيب عنا هذه الحقائق.
ارسال التعليق