واشنطن بوست: لنوقف هذه التمثيلية.. السعودية شريك وليست حليفا لأمريكا
التغيير
وفقا لبيان رسمي حول مكالمته الأسبوع الماضي مع الملك "سلمان بن عبدالعزيز"، تحدث الرئيس الأمريكي "جو بايدن" عن "الشراكة طويلة الأمد" بين الولايات المتحدة و المملكة ، وأعاد التأكيد على "الطبيعة التاريخية لتلك العلاقة".
في الإطار نفسه، قال وزير الخارجية "أنتوني بلينكن" إن "العلاقة مع المملكة أكبر من أي فرد"؛ وذلك في إيجاز صحفي، الأسبوع الماضي، حول خطط إدارة "بايدن" للرد على الدور الذي لعبه "محمد بن سلمان" في جريمة القتل الوحشية للصحفي "جمال خاشقجي"، كاتب العمود في صحيفة "واشنطن بوست"، وفق ما أظهره تقرير استخباراتي أمريكي صدر مؤخرا.
شراكة بائدة
حتى الآن، لن تفرض الإدارة الأمريكية عقوبات مباشرة على "بن سلمان". ويعود إحجام "بايدن" عن القيام بذلك جزئيا إلى الفكرة القديمة، التي تزعم أن المملكة حليف وثيق للولايات المتحدة. لكن الحقيقة هي أن الرياض، في أحسن الأحوال، تعد شريكا تتعارض مصالحه غالبا مع مصالح واشنطن، ونادرا ما تتوافق قيمها مع القيم الأمريكية. وبعيدا عن الدفع بأولويات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فإن آل سعود غالبا ما عملوا على تعقيد هذه الأولويات، خاصة في السنوات الأخيرة.
نعم، يواصل البلدان التعاون في جهود مكافحة الإرهاب الهامة، ودعم تطبيع العلاقات بين إسرائيل والعديد من الدول العربية. وعلى مدى عقود، وافقت الولايات المتحدة على بيع المملكة العديد من التقنيات العسكرية المتقدمة. كما تتمتع الشركات الأمريكية بعلاقات طويلة الأمد مع صناعة النفط في المملكة. لكن العلاقة بين الولايات المتحدة و المملكة أصبحت غير مؤكدة ومتوترة على نحو متزايد، خاصة في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، والحرب الأهلية في اليمن، وفي ظل انتهاكات المملكة لحقوق الإنسان.
تفكك الصمغ الذي عزز العلاقة الأمريكية مع المملكة لعقود من الزمان. فالولايات المتحدة لم تعد بحاجة إلى النفط نظام آل سعود. ورغم مبيعات أسلحة بالمليارات، لم تعد المملكة تثق في الولايات المتحدة لضمان أمنها. ومع ذلك، يقول "بلينكن": "لدينا مصالح مستمرة مهمة (مع المملكة). نظل ملتزمين بالدفاع عن المملكة". لكن أي حجج مفادها أن المملكة قيمة للغاية بالنسبة للمصالح الاستراتيجية الأمريكية بحيث لا يمكن المخاطرة بانتقادها أو الضغط عليها لا تصمد أمام أي تدقيق سليم.
ففي الأسبوع الأول من هذا العام، لم تستورد الولايات المتحدة أي نفط خام من المملكة للمرة الأولى منذ 35 عاما. وأولئك الذين يجادلون بأن العلاقة بين الولايات المتحدة و المملكة أهم من أي شيء، يشيرون إلى أنه لا تزال هناك سوق نفط عالمية، وبقية العالم يعتمد على واردات نفط المملكة ؛ وبالتالي فإن حدوث اضطراب كبير في صادرات نفط نظام آل سعود نتيجة عدم استقرار المملكة أو الصراع المستمر في الخليج على سبيل المثال، من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، ما قد يؤدي إلى ضائقة اقتصادية وحتى ركود عالمي. هناك بعض الصحة في هذه الحجة، لكن الصورة النفطية تغيرت بشكل كبير في العقود الأخيرة.
تعتمد المملكة على صادرات النفط لتغذية اقتصادها وكبح السخط الاقتصادي والاجتماعي المتصاعد محليا. ولدى الرياض حوافز للحفاظ على استقرار أسعار النفط بغض النظر عن ما ترغب فيه واشنطن. إن مصالح المملكة -وليس الأمريكية- هي الدافع في أغلب الأحيان لقرارات الرياض بشأن إنتاج النفط وتسعيره. وفي الواقع، أصبحت المملكة والولايات المتحدة الآن أكثر قدرة على المنافسة مع بعضهما البعض في سوق النفط العالمية؛ حيث تشهد الولايات المتحدة طفرة في إنتاج النفط. وفي عام 2014، أغرق آل سعود سوق النفط بالخام لمنع النفط الصخري الأمريكي من الاستيلاء على حصة أكبر من السوق. وفي عام 2020، لإنهاء حرب أسعار النفط بين روسيا و المملكة التي هددت بأن يكون لها تأثير كارثي على صناعة النفط الأمريكية، تدخل الرئيس "دونالد ترامب" وتوسط في التوصل لحل وسط.
وفي حين أن المملكة لا تزال ثاني أكبر منتج للنفط في العالم (بعد الولايات المتحدة) وأكبر مصدر له، فقد انضمت إليها الولايات المتحدة باعتبارها "منتجا مرجحا" قادرا على موازنة التقلبات الشديدة في أسعار النفط (وإن لم يكن ذلك بالسرعة التي يمتلكها نظام آل سعود). علاوة على ذلك، هناك مخزون وافر من الخام في احتياطيات النفط الاستراتيجية حول العالم يمكن استخدامه للتخفيف من صدمات أسعار النفط. ببساطة، لن يكون لانقطاع تدفق النفط نفس التأثير على أسعار النفط كما حدث في الماضي. وثبت أن هذا هو الحال، على سبيل المثال، في سبتمبر/أيلول 2019؛ عندما أدى هجوم مدعوم من إيران على منشآت نفطية مهمة إلى خفض إنتاج النفط اليومي العالمي بنسبة 5%، وبعد ارتفاع لمدة قصيرة في الأسعار، لم تتأثر سوق النفط العالمية بشكل كبير.
نعم، قدم آل سعود معلومات استخبارية قيمة عن القاعدة والمنظمات التابعة لها، ويُنسب لهم الفضل في تحذير الولايات المتحدة من عدة هجمات. لكن ليس من الواضح كيف يدعم الجيش والأجهزة الأمنية النهج الأمريكي تجاه احتواء إيران. في الواقع، إذا وجد آل سعود وايران طريقة لخفض التوترات بينهم أو التفاوض على نوع من التسوية المؤقتة؛ فسيقلل ذلك من العبء الواقع على الجيش الأمريكي والمصالح الأمريكية الأخرى في الخليج، ولن يؤدي إلى تقويضها.
البحث عن التوازن
كما يقوض القصور في القيم المشتركة بين الولايات المتحدة و المملكة أي أمل تحالف حقيقي. وبينما اتخذ "ترامب" قرارا بالتجاوز عن وضع حقوق الإنسان في المملكة، تعهد "بايدن"، خلال حملته الانتخابية، بجعل القيادة في المملكة "منبوذة كما هي". لكن من خلال رفضه، حتى الآن، معاقبة بن سلمان، وضع الرئيس المصداقية الأمريكية على المحك. لقد روج محمد بن سلمان للإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية في المملكة، لكنه صاحب ذلك مع قمع وحشي، إذ واصلت المملكة بلا هوادة حملتها لترهيب وإيذاء المعارضين لنظام آل سعود الذين يعيشون في الخارج.
لا يزال للولايات المتحدة مصلحة في استقرار المملكة. ولا تزال الكثير من دول العالم تعتمد على النفط القادم من هناك. لكن في ظل إدارة "ترامب" أصبحت العلاقة الأمريكية مع المملكة غير متوازنة. إن هذه العلاقة بحاجة إلى التوازن والإصلاح وليس التمزيق. ويمكن لإدارة "بايدن" أن تفعل المزيد لإحداث تغييرات فعلية في السياسات والأنشطة للمملكة، بما في ذلك مطالبة آل سعود بالبدء في إطلاق سراح السجناء السياسيين وناشطي حقوق المرأة والمجتمع المدني. يجب أن تصر الإدارة على أن يكف محمد بن سلمان عن اضطهاد المعارضين في الخارج. ويجب ممارسة أقصى قدر من الضغط على الرياض (وأنصار الله) لإنهاء العنف في اليمن. ويمكن لإدارة "بايدن" أن توضح أنه إذا لم تتغير السياسات المملكة -وسلوك بن سلمان- فستفكر في اتخاذ خطوات إضافية، بما في ذلك عقوبات أشد، تشمل مباشرة "بن سلمان".
الرئيس لديه نفوذ على المملكة أكثر مما قد يدرك. وسواء استخدم هذا النفوذ في النهاية أم لا، فعليه أن يدرك أن المملكة أثبتت، من نواح كثيرة، أنها عائق، وليست رصيدا، لمصالح الولايات المتحدة وقيمها. الآن، لدى "بايدن" فرصة للاعتراف بذلك.
ارسال التعليق