لماذا لم تُدعَ البحرين لمجلس التنسيق السعودي الإماراتي؟
أخيراً أطلق وليا عهد أبو ظبي والسعودية فعلياً مجلس التنسيق السعودي الإماراتي، واعتمدا إستراتيجية العمل المشترك بين الدولتين دون بقية بلدان الخليج، وفي خطوة أثارت أسئلة وتكهنات عن أهداف المجلس وعلاقته بالكيان الأكبر «مجلس التعاون الخليجي» وسياق تفعيله في ظل أزمة خليجية عاصفة كما ثارت تساؤلات لمراقبين حول علاقة المجلس بدولة البحرين التي تصنف كتابع للسعودية.
وتتضمن الاستراتيجية المشتركة المعلنة لعمل المجلس 44 مشروعاً في مختلف مجالات التعاون، أطلق عليها «استراتيجية العزم» عمل عليها 350 مسؤولاً من البلدين من 139 جهة حكوميّة وسياديّة وعسكريّة، وخلال 12 شهراً، وعبر ثلاثة محاور رئيسية هي المحور الاقتصادي والمحور البشري والمعرفي والمحور السياسي والأمني والعسكري، وفقاً لوسائل إعلام البلدين.
ويتزامن انعقاد الاجتماع الأول لمجلس التنسيق الجديد - الذي يضم في عضويته 16 وزيراً من القطاعات ذات الأولوية في البلدين - مع الذكرى الأولى للحصار الشامل الذي فرضه البلدان والبحرين ومصر على قطر، وتم الإعلان عن إنشاء هذا المجلس في مايو 2016 في مدينة جدة وعقد المجلس اجتماعاً له يوم 13 يونيو 2017 بعد مرور نحو عشرة أيام من اندلاع الأزمة الخليجية. كما استضافت أبو ظبي يوم 21 فبراير الماضي أعمال ما سميت بـ «خلوة العزم» المشتركة بين البلدين، بمشاركة أكثر من 1500 مسؤول حكومي وعدد من الخبراء في مختلف القطاعات الحكومية والخاصة في البلدين.
أين البحرين؟
وكان لافتاً غياب البحرين عن عضوية مجلس التنسيق السعودي الإماراتي، رغم أنها تمثل شريكاً قريباً وجاراً ودوداً لم يتخلف يوماً عن دعم المواقف التي يتخذها البلدان حتى إن المنامة صنفت كتابعة للرياض، ولم يتقاعس عن القيام بالأدوار المنوطة به خليجياً وعربياً، ولكن عزم الأخوين الكبيرين قرر إبعاد البحرين عن الطاولة.
ومع أنه من غير الوارد مطلقاً أن تدعى الدوحة إلى عضوية المجلس التنسيقي الجديد في ظل استهدافها المتواصل من الدولتين، ومن المفهوم كذلك - في الظروف الحالية على الأقل - استثناء الكويت وسلطنة عمان نظراً لرفضهما الانسياق وراء حصار قطر، فمن غير المفهوم استثناء البحرين التي رافقت السعودية بشكل دائم في مواقفها السياسية وخاضت معها صراعاتها سلماً وحرباً.
ولم تعلق البحرين على حرمانها من عضوية إطار التنسيق الجديد، والتزم مسؤولوها الصمت حيال انعقاد هذا المجلس ومخرجاته التي خلقت إطاراً أخص وتقارباً أعمق بين حليفين داخل المنظومة الخليجية، وخلت وكالة أنباء البحرين من أي تصريح متعلق بهذا المجلس، كما آثر وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد الصمت وخلت صفحته على تويتر من أي تغريدات ذات صلة. وبينما اختار غالبية المغردين السعوديين والإماراتيين الثناء على المجلس والتبشير بما سيحققه للبلدين وللمنطقة من ازدهار وتطوّر، تمنّى البعض لو لم يتم استثناء البحرين الحليفة في السراء والضراء.
مخرجات قمة اليخت
ويضع مسؤولو البلدين إنشاء المجلس في إطار التعاون الاقتصادي والسياسي والعسكري باعتباره يمثل تتويجاً لمسار طويل من التعاون ولعلاقات وثيقة تعززت في الآونة الأخيرة بتحالفات سياسيّة أعمق في أغلب ملفات المنطقة، بما فيها حصار قطر وما يقال عن تقارب مع إسرائيل تجري أغلب فصوله تحت الطاولة، بينما يرى آخرون أنه مرتبط بسياقات سياسية وإقليمية أشمل ذات صلة بإعادة تشكيل المنطقة برمتها.
وفي هذا السياق يشير أستاذ الأخلاق السياسية وتاريخ الأديان بجامعة حمَد بن خليفة في قطر محمد المختار الشنقيطي إلى أن تفعيل المجلس يأتي في سياق تطبيق مخرجات قمة اليخت السرية التي عقدت - حسب مصادر إعلامية - أواخر 2015 على متن يخت في البحر الأحمر، وجمعت قادة ومسؤولين بارزين في دول عربية، وتمحورت حول إدارة تشكيل المنطقة بما يسمح بهيمنة السعودية والإمارات عليها، ومواجهة تركيا وإيران. وكان موقع «ميدل إيست آي» قد كشف أن رجل الأعمال الأمريكي اللبناني جورج نادر - مستشار ولي عهد أبو ظبي - الذي أشرف على هذه القمة، طالب المجتمعين بتشكيل نواة تجمع إقليمي في المنطقة داعم للولايات المتحدة وإسرائيل، ويكون بديلاً لمجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية.
ويقول الشنقيطي للجزيرة نت إن مخرجات القمة انتهت إلى الدولتين بعد التطورات العاصفة التي عرفتها المنطقة خلال السنة الماضية، فقد انسحب الأردن بعدما اكتشف أن الهدف هو تصفية القضية الفلسطينية إلى الأبد، بينما لا يمثل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أي أهمية تذكر نظراً لتحكم البلدين في قراره السياسي وتوجهاته العامة.
ويعتقد أن مجلس التنسيق الجديد سيدفع باتجاه ما أرادت قمة اليخت تحقيقه، وهو ترويض السعودية للمنظومة الإسرائيلية، وتشكيل بنية عربية تتحكم فيها إسرائيل.
كما أنه سيضمن لولي عهد أبو ظبي مزيداً من التحكم في القرار السعودي، بما يضمن إبعاده عن بقية الجسم الخليجي، وتأجيل أي حلول منتظرة للأزمة الخليجية.
«التنسيق» عوضاً عن «التعاون» تؤكد التصريحات الرسمية في كلا البلدين أن مجلس التنسيق الجديد لن يكون بديلاً عن مجلس التعاون الخليجي الذي يضم ست دول من بينها قطر والكويت وسلطنة عمان، بالإضافة إلى البحرين التي تنخرط مع السعودية والإمارات في حصار قطر ولكنها غابت عن التشكيل الجديد لأسباب غير معلنة. وتذهب العديد من التحليلات إلى أن الإطار الجديد يراد له أن يكون مجلس تعاون مصغراً في ظل حالة الموت السريري التي تضرب مجلس التعاون الكبير، وفي ظل التقارب الشديد بين الدولتين في غالبية الملفات.
ورغم التضارب في المصالح والمواقف الذي يطفو من حين لآخر على سطح العلاقة بين الطرفين في بعض الملفات ومن أبرزها الملف اليمني، فإن تطوّرات ما بعد اندلاع الثورات العربيّة وحدت مواقف الطرفين في ملفات عديدة أبرزها ملف الثورة المضادّة التي حملت الدولتان لواءها دعماً وتمويلاً ورعاية واحتضاناً.
ومع أن مجلس التعاون يمثل مكسباً خليجياً وعربياً وسعودياً أيضاً بالدرجة الأولى، فإن أزمة الخليج نقلته إلى موت سريري، قبل أن يقضي الإطار الجديد - وفقاً للكثيرين - على ما بقي منه.
ارسال التعليق