الخيانة تهمة التغريد خارج سرب ابن سلمان
رأت وكالة بلومبيرغ الأمريكية أن السعودية تشهد تطويرا في صيغة الهوية القومية الصارمة، مقابل خفوت للعقيدة الدينية، وكما يبدو فإن النظام السعودي يتحرك بقوة لإحكام قبضته على المجتمع السعودي حتى يرغمه على تبجيل ولي العهد محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للمملكة الذي يحاول أن يظهر وكأنه مصلح يسعى لإجراء إصلاحات اقتصادية.
وفي ظل هذه الجهود للحفاظ على الدعم المحلي لإعادة تصميم العقد بين النظام والمواطن، فإن تهمة الخيانة باتت هي الخيار الأفضل للنظام ليوهم من يرغب في أنهم العدو الجديد.
وفي تقرير نشرته الوكالة أمس أشارت إلى ما تعرضت له الإعلامية السعودية منى أبو سليمان التي وسمت بالخائنة لمجرد أنها، وبعد إعادة تغريدة خبر وفاة مفتي المملكة عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ والذي شاركته مع 544 ألف متابع لها على “تويتر”، بعدما تحققت أن التنبيه من مصدر رسمي. فمشاركتها للخبر، الذي ثبت عدم صحته فيما بعد، جعلت مقدمة البرامج الحوارية السابقة توصف بالخائنة ومتورطة بصراع قبيح حول ما يعنيه أن يكون المرء سعوديا في ظل مملكة تشكل “هوية جديدة” في عهد ولي عهدها محمد بن سلمان. ورغم أن “منى” حذفت مشاركة الخبر واعتذرت عنه، إلا أن التغريدات انهالت عليها لتصفها بـ “الخائنة” وأنه يجب تجريدها من جنسيتها. ومع ذلك فإن ردود الأفعال المسيئة للإعلامية لم تتضمن وصفها بالكافرة، حينما ظهرت مكشوفة الوجه على شاشة التلفزيون بأوقات أقل تساهلا، لتتحدى الأعراف الاجتماعية التي يؤيدها رجال الدين المتشددون.
وبدا أن العديد من السعوديين أخذوا زمام مبادرة هذا الاستبدال من الخطاب الرسمي للدولة، ما ظهر جليا في توجيه الاتهامات بالخيانة عبر الإنترنت، ونشر عناوين تهديد على صفحات الجرائد الأولى، تستهدف أي شخص يتهمونه بأنه يسيء لصورة المملكة.
وفي هذا الإطار، قال عضو مجلس الشورى السعودي عبدالله الفوزان في خطاب متلفز تم بثه في وقت متأخر من العام الماضي: إذا كان الشخص محايدا أو يقف مع العدو ضد هذا البلد، فمن حقنا أن نطلق عليه خائنا.
ويكمن خطر هذا الخطاب في أنه قد يدمر مجتمعا، يعاني بالفعل، لذا شددت منى على ضرورة أن تتدخل الحكومة بقوة كبيرة، وأن تتأكد من أن حملات الكراهية هذه لا تنتهي بتدمير نسيج المجتمع، غير أن المسؤولين بالمملكة لا يسارعون إلى إنهاء تلك الحملات القائمة على عقلية “إما معنا أو ضدنا”. وربما خفف النظام السعودي من القيود الاجتماعية، وأزال حظر دور السينما وقيادة النساء للسيارات، لكنه يعتقل عشرات المعارضين السياسيين.
وذهبت الوكالة إلى القول إن من وراء هذه المعادلة هو سعود القحطاني، أحد كبار مساعدي ابن سلمان، الذي بدأ، عام 2017، بإذكاء قناعة مفادها أن المملكة مهددة من خصومها داخليا وخارجيا.
وقد أنشأ القحطاني وسما بقائمة سوداء عبر شبكات التواصل الاجتماعي تحث السعوديين على تسمية “المرتزقة” الذين وقفوا إلى جانب قطر بعد فرض الحصار عليها. ورغم فقدانه لمنصبه على خلفية دوره بجريمة اغتيال الصحفي خاشقجي، إلا أن العقلية التي رعاها القحطاني واصلت الانتشار.
وفي هذا الإطار، بالنسبة للقوميين السعوديين تبدو التأكيدات الأجنبية بأن ابن سلمان على علم بعملية اغتيال خاشقجي هي في الواقع مؤامرة لإلحاق الضرر بمصداقيته.
وأضافت بلومبيرغ: ثمة صدى لشعارات مستوحاة من الرئيس الأمريكي في خطاب هؤلاء القوميين، مثل: “السعودية أولا” و”السعودية العظمى”، غير أن ما يجري بالمملكة من تغيير له آثاره المحلية أيضا. وعن ذلك تشير الأستاذة السعودية الزائرة بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إيمان الحسين إلى أن النزعة القومية جاءت بوقت لم تكن فيه السعودية تحاول الحد من الهوية الدينية داخل البلاد فحسب، بل كانت تتبع أيضا سياسة خارجية أكثر حزما.
وتقول الوكالة: يختلف السعوديون حول المسؤول عن الجانب الخبيث من التحول الجاري بالمملكة، إذ يرى بعضهم أنه يدار من أعلى بينما يرى البعض الآخر أن ظاهرة اجتماعية نشأت من أسفل.
ويستدل الشاب عبدالعزيز، ذي الـ25 عاما، الذي طلب عدم نشر اسمه الثاني، على الترجيح الأول بأن السعوديين الذين يؤيدون النزعة القومية الإقصائية هم أنفسهم الذين داهنوا القحطاني مؤخرا عبر شبكات التواصل الاجتماعي ووصفوه بأنه مواطن مخلص. وأيا من كان المسؤول، فالمؤكد أن القومية الإقصائية بالمملكة تفضي إلى تغييرات سلوكية واجتماعية، وهو ما عبر عنه شاب سعودي بقوله إنه ترك ساحة “تويتر” لتجنب تلك الأسئلة المتعلقة بولائه.
وتختم بلومبيرغ تقريرها بالإشارة إلى الحملة التي تعرضت لها صوفانا دحلان، المحامية البالغة من العمر 40 عاما، فبعدما نشرت فيديو العام الماضي لكلمة ألقتها عام 2013، عن التحديات التي تواجه المرأة السعودية، بدأت حملة قدح واتهام لها بتشويه سمعة الدولة، ونشرت لها صور وهي تشارك في مؤتمر في قطر قبل سنوات عدة من الأزمة الحالية، واتصل بها شخص في مكتبها قائلا: “توقعي جنازة”، وفوجئت بعبارة مكتوبة على سيارتها “الخائن الذي يستحق الموت”. ولم يسفر إبلاغ الشرطة عن تأثير يذكر، ولذا طلبت المساعدة من خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرمة في الأول، وكانت على وشك إرسال أطفالها للخارج، لكن الإساءات والتهديدات توقفت تزامنا مع جريمة اغتيال خاشقجي. وتشعر صوفانا بالامتنان لانتهاء ما تعرضت له، لكن إحساسها بالأمان تحطم، فالشعور بالأمان حالة ذهنية، يبدو أنها لن تعود أبدا، حسب قولها.
ارسال التعليق