نجل العودة: أوضاع معتقلي الرأي في سجن الحائر مقلقة جدا
التغيير
وصف الأكاديمي عبد الله العودة، نجل الداعية الإسلامي البارز المعتقل سلمان العودة، الأوضاع في سجن الحائر بالعاصمة الرياض، بأنها “مقلقة جدا”.
واستعرض العودة في تغريدة عبر “تويتر” أوضاع معتقلي الرأي في السجن المذكور. وقال إن الاتصال منقطع مع الوالد منذ أكثر من شهر، ومنعته سلطات آل سعود من المعايدة والاتصال منذ منتصف رمضان تقريبا.
وقال إن هذا يضاف للمعاملة غير الإنسانية وصنوف الضغط والترهيب والابتزاز ضد معتقلي الرأي ودعاة الإصلاح في المملكة.
وأضاف العودة في تغريدة أخرى: “نحن هنا ننبه إلى أن قطع الاتصال يصنف بأنه شكل من أشكال المعاملة السيئة والمهينة حسب المعايير الدولية والقانون المحلي والشرع، إضافة إلى العزل الانفرادي للوالد (وهو الرجل الستيني). والظروف الوحشية التي مر بها خلال فترة اعتقاله.
وعلق المغرد Mahd: “تخيل الاستقبال الشعبي لو زار سلمان (العودة) الأردن أو فلسطين و تخيل نفس الزيارة لمحمد بن سلمان، الأول سيستقبل بالورود والثاني (تخيلوا)… طبعا عدا بضع من رجال الديوان… يعني بحكم الواجب معذورين”.
وكتبت Enas Badr : “اللهم فك أسر هذا العالم الجليل وأرنا في الظالمين آيات يا رب العالمين”.
وقالت “عاشقة أرض طيبة” : “الله يطمن الأمة على الشيخ #سلمان_العودة، ويفك أسره وأسر جميع المعتقلين وهم سالمين غانمين”.
وكشف الأكاديمي عبد الله العودة، في مايو/ أيار المنصرم، عن تفاصيل اعتقال أمن نظام آل سعود والده، ومراحل تعذيبه وتدهور حالته الصحية، وتغير القضاة عدة مرات في محاكمته، ورفض سلطات آل سعود وجود أي من المؤسسات والمنظمات الحقوقية والدولية في جلسات المحاكمة.
وبدأت حكاية اعتقال العودة، في التاسع من سبتمبر/أيلول عام 2017، من داخل بيته في العاصمة الرياض، حسب إفادة الابن، في حلقة حملت عنوان “الشيخ” ضمن بودكاست “السعودية العظمى”، الذي تدعمه منظمة “العفو الدولية”.
ويأتي بث الحلقة بعد 3 أيام من إذاعة مكالمة هاتفية للشيخ العودة (63 عاما) من داخل محبسه مع كل من والدته وابنته، وبدا فيه صوته متعباً.
وقال عبد الله العودة: إن والده العالم الشرعي والشخصية الفكرية المعروفة، سمع في السادسة مساء رنين الهاتف، فبادر ورفع السماعة ليفاجئه شخص يلقي عليه التحية ويسأل عنه، ثم سرد عليه قصة شخصية “يا شيخ أنا مرة كنت في مطعم كذا وذهبت إلى المسجد الفلاني”، ما أثار استغراب الشيخ العودة، إذ ذكر المتصل تفاصيل المطعم الذي زاره العودة في ذات اليوم والمسجد الذي صلى فيه أيضاً، “ما يعني أن المتصل كان يراقبه طوال اليوم”.
وأشار عبد الله إلى أن المتصل كان يتعمد تأخير المكالمة وإشغال الشيخ سلمان بقدر ما يمكنه من وقت، وفي أثناء المكالمة، رن جرس المنزل، وبالتزامن قام صاحب المكالمة بإغلاق الهاتف، وكأن المتصل، بحسب ما يقول العودة الابن، أراد إشغال الأب لحين قدوم رجال الأمن.
وأضاف: “حين فُتح الباب، كانت هناك مجموعة كبيرة من الناس بلباس مدني، عرفوا أنفسهم على أنهم من جهاز أمن الدولة، وحينما سألهم الوالد عن القصة لم يخبروه، وحينما سألهم عن إثباتاتهم لم يبرزوها، وقاموا بتفتيش البيت رغم عدم وجود إذن عدلي أو قضائي”.
وروى الابن تفاصيل مؤثرة لرؤية الأطفال الصغار وهم يشاهدون والدهم يُعتقل – قبل أشهر بسيطة ماتت أمهم وشقيقهم في حادث ولا يريدون أن يفقدوا أباهم – ويسألونه إلى أين يا بابا فيلتفت وينظر لهم وهو عند الباب محاط بأمن الدولة، ويقول “قريب وراجع إن شاء الله لا تخافوا”.
وتابع عبد الله: “رجال أمن الدولة قالوا لأخي الآخر لا تقلق الموضوع كله ساعات أو فترة بسيطة وسيُحل ولا تخبر أحدا، حرفياً قالوا: تلك الكلمة التقليدية التي تقولها كل أنظمة الاعتقال الشمولية في العالم (شوية وراجع)، انقضى الوقت والصغار لا يغلقون باب البيت أبدا لعله يدخل فجأة كما كان يفعل من قبل”.
وبعد مضي خمسة أشهر من دون تواصل واتصال، بحسب ما يقول العودة، وسط تزايد الإشاعات والجو المخيف، تواصل شخص مجهول من مستشفى السجن مع عبد الله العودة وأخبره أنه رأى والده في المستشفى وهو في العناية المركزة بوضع صحي حرج، فقام الابن بنقل هذا التخوف للعالم وتسريب الخبر والمطالبة بالكشف عن مكانه.
ويشرح طريقة معاملة والده في السجن: “علمنا لاحقاً بعد السماح بالزيارة أنه مر بظروف سيئة جداً، تقييد اليدين والرجلين داخل الزنزانة، تغميض العينين، حرمانه من الأكل والشرب أثناء التحقيق، والتحقيق معه لأيام متواصلة من دون نوم، لدرجة أن يتناوب عليه المحققون، كانوا يقذفون له الأكل في أكياس وهو مقيد اليدين فيفتحها بفمه حتى تجرحت أسنانه، والأسوأ كانت طريقة نقله من مكان لآخر حينما يقذفون به في مؤخرة السيارة ويسرعون بها حتى يضرب السقف ثم يرتطم بالأرض، كل ذلك وهو الشيخ الستيني، حتى ارتفع ضغطه وتردت حالته، ما أوصله بالفعل للمستشفى”.
وفيما يتعلق بالتهم التي وُجهت لوالده أثناء التحقيق، قال عبد الله: “كان المحققون يسألون عن كتاباته وتغريداته ومشاركاته المرئية والمسموعة، لأنها هي التهم في نظرهم، لم يكن هناك أسرار ولا خفايا ولا أشياء غريبة ولا جديدة”.
وأكد العودة أن المحققين قالوا لوالده إن “حياده في الأزمة القطرية وعدم انخراطه فيها كان خيانة”.
وعاد الابن بذاكرته لتفاصيل المحاكمة التي تعرض لها والده، إذ يقول: “فصل أكثر رعبا بدأ بمحاكمة غامضة في ظروف سرية وبمحكمة اعتقل نصف قضاتها قبلها بفترة وجيزة”.
ووصف الجلسة، التي بدأت في يوم الرابع من سبتمبر/ أيلول عام 2018 باليوم الذي لا ينسى، إذ طالبت النيابة بقتل العودة تعزيراً بناء على 37 تهمة، حكى الابن لأول مرة بعض تفاصيلها فقال: إن “منها الإفساد في الأرض بتأليب المجتمع ودعوته للتغيير في حكومة آل سعود، والانضمام لاتحادات وجمعيات عالمية وتأليب الرأي العام وإثارة الفتنة، وتهم سخيفة أخرى مثل حيازة كتب محظورة واستقبال رسالة في الجوال مناهضة للتوجه الحكومي”.
وأوضح العودة أن من بين التهم أيضاً: “السخرية من منجزات الحكومة، ووصف حكومة آل سعود بالاستبداد، وتهمة أخرى هي وصف حكومة آل سعود بالاستئثار بالثروات”.
واتهم العودة في البودكاست “سعود المعجب” القاضي المتخصص في الأنكحة والزواجات، الذي قام العاهل السعودي بتعيينه نائباً عاماً في النيابة العامة الجديدة، رغم محدودية خبراته ومعرفته في القانون الجنائي، بالسماح للحكومة بالسيطرة عليه، وتسليم النيابة العامة لتصبح “أداة بيد الاستبداد”، بحسب ما يقول.
وخلال محاكمة الداعية والأكاديمي العودة، تغير القضاة عدة مرات، وفي كل الجلسات رفضت السلطات حضور أي طرف مستقل من المنظمات الدولية أو المؤسسات الحقوقية المستقلة، كما أكد عبد الله أن والده لا يزال في الحبس الانفرادي رغم أن حادثة اغتيال خاشقجي أدت بالحكومة إلى الارتباك في الإجراءات القضائية.
وتُعد هذه الشهادة، التي بثها عبد الله العودة، أول شهادة كاملة لحادثة اعتقال الشيخ سلمان العودة، وتحكي بالتفصيل وحشية أجهزة الأمن السعودي المشكلة حديثاً مثل جهاز أمن الدولة، وفساد إجراءات النيابة العامة وتدخل سلطات آل سعود في عمل القضاء في البلاد وسط حالة من انعدام الشفافية.
والشيخ سلمان، واحد من مئات العلماء والناشطين المعتقلين في سجون المملكة، وهو داعية إسلامي، وعالم دين، ومفكر سعودي، ومقدم برامج تلفزيونية، حاصل على ماجستير في السُّنة في موضوع “الغربة وأحكامها”، ودكتوراه في السُّنة في شرح بلوغ المرام /كتاب الطهارة)، كان من أبرز ما كان يطلق عليهم مشايخ الصحوة في الثمانينات والتسعينات، وله عشرات المؤلفات الدينية.
اعتقلته سلطات آل سعود لعدة سنوات قبل أن يتم الإفراج عنه والسماح له بإقامة المحاضرات الدعوية بعيداً عن السياسة.
وفي 15 مارس 2013، وجّه العودة خطابًا مفتوحًا لآل سعود وخصوصًا وزارة الداخلية، مطالبًا بأن يتم إطلاق سراح معتقلي الرأي، وامتصاص الغضب الشعبي المتعاظم فيما يتعلق بملف المعتقلين آنذاك.
ارسال التعليق