ابن سلمان يحاول “ترويض” السيسي من بوابة المساعدات
بقلم: صالح البقشي...يزداد التوتر بين مصر والنظام السعودي، والذي تعكسه الحرب الإعلامية بين “نُخب” مقرّبة من مركز القرار لدى كل من القاهرة والرياض.
ويلعب ملف المساعدات المالية المشروطة التي يحاول محمد ابن سلمان فرضها على مصر في خضم ازمتها المالية الكبيرة، دوراً اساسياً في اشتعال الخلاف الذي يبدو أنه مرشح للانتقال من مرحلة الرسائل الإعلامية إلى الرسائل السياسية، بل أبعد من ذلك.
وقد دخل الأكاديمي السعودي علي الشهابي، المقرب من محمد بن سلمان، على خط التلاسن الإعلامي المشتعل بين النظام السعودي ومصر.
وغرد الشهابي باللغة الإنجليزية، عبر حسابه بموقع “تويتر”: “تستمر مصر في الاعتماد على إنقاذها باستمرار، لكن شهية المانحين تتضاءل الآن بشكل كبير”.
وأضاف قائلاً: “مصر عبارة عن ثقب أسود لن يغلق أبدًا ما لم تكن الحكومة قادرة على إجراء إصلاحات هيكلية مادية”.
واختتم “الشهابي” تغريدته بالقول: “نشهد الآن فترة صعبة في التكيف مع هذا الواقع الجديد”. ويوصف “الشهابي” بأنه مستشار إعلامي لبن سلمان، الأمر الذي سبق أن نفاه مرارا رغم تقارير إعلامية.
تراشق إعلامي:
وتعد تغريدة الشهابي، أحدث تراشق إعلامي بين النخبة في “السعودية” ومصر، والتي كان أبرزها مقال رئيس تحرير صحيفة “الجمهورية “عبدالرزاق توفيق”، قبل أن يتم سحبه من موقع الصحيفة وإقصائه عن رئاسة تحريرها.
وتصدر الجانب السعودي في هذا الهجوم أكاديميان مقربان من الديوان الملكي، هما تركي الحمد وخالد الدخيل، الذين وجها انتقادات لاذعة لتعامل مصر مع الملف الاقتصادي، محملين المسؤولية عن تردي الأوضاع في البلاد إلى الجيش الذي يسيطر فعليا على الاقتصاد.
الأمر ذاته ذكره الصحفي الكويتي علي الفضالة حين نشر مقطعاً مصوّراً هاجم فيه الإعلام المصري، متهماً إياه بتصدير مشاكل المصريين إلى دول الخليج.
وكان اتفاق صندوق النقد الأخير مع مصر، وتململ النظام السعودي الواضح من الالتزام بمواصلة تقديم المساعدات إلى مصر، أشعل شرارة التراشق الإعلامي بين الطرفين.
رسائل دبلوماسية:
غير أن النظام السعودي لم يكتفِ بالرسائل الإعلامية على لسان كتابها، لكنه بدأ في التعبير عن ضيقه عبر رسائل دبلوماسية، لعل أبرزها غياب المملكة مع الكويت، عن القمة الأخيرة التي استضافتها الإمارات في 19 يناير المنصرم، وجمعت زعماء مصر وقطر والبحرين وسلطنة عمان والأردن، وكان جزءا من جدولها هو بحث إغاثة القاهرة اقتصاديا.
وكان لافتا أن الغياب السعودي عن قمة أبوظبي كان هو الثاني بعد غياب عن تجمع سابق في مدينة العلمين المصرية، في أغسطس من العام الماضي، وهو التجمع الذي ضم أيضا قادة الإمارات والبحرين والأردن والعراق.
في غضون ذلك، أشارت تقارير صحفية قبل أسابيع إلى وجود “أزمة” تعتري العلاقات بين القاهرة والرياض على خلفية توجه الاستثمارات السعودية المرتقب ضخها في السوق المصرية، حيث يرغب النظام السعودي في الاستثمار بشكل أكبر في القطاع الخاص، بينما ترغب مصر في الحصول على استثمارات مباشرة في الشركات الحكومية، وهو ما ترفضه المملكة لأنها ترى هذه الشركات غير مربحة.
وقبل أيام، أثار وزير المالية في النظام السعودي محمد الجدعان، الجدل حين قال إن “عهد المنح والمساعدات غير المشروطة لبلاده قد ولَّى” وأن المملكة ستربط استثماراتها اللاحقة بـ”خطوات إصلاحية”، وهو ما اعتبره مراقبون إشارة مبطنة إلى بعض الدول المستهلكة للمساعدات السعودية وعلى رأسها مصر.
الحفاة العراة!
وكان رئيس تحرير صحيفة “الجمهورية” الحكومية في مصر عبدالرازق توفيق، وجه رسائل مسيئة للنظام السعودي بشكل غير صريح، حيث اتهمه بالحقد على نجاحات مصر، والغيرة من الجيش المصري قائلا إنه “لن يبقى دقيقة واحدة إذا أصاب مصر مكروه”، فيما وصف أولئك الذين انتقدوا بلاده بـ”السفلة” و”الأقزام”.
وانتقد توفيق، في مقاله في صحيفة “الجمهورية”، إحدى كبريات الصحف الحكومية في مصر، هجوم وإساءة إعلام “دول شقيقة” لمصر، وقال: “لا أدرى لماذا تثير قوة الجيش المصري العظيم وقدرته جنونهم وأحقادهم”.
وتابع مهاجما المملكة دون ذكرها صراحة: “الغريب أن يأتى الهجوم والإساءة من المفترض أنه شقيق.. لكن وإن كانت مصر تترفع عن الصغائر وممارسات الأقزام والصغار، لكنها لن تقبل بضغوط وابتزاز يدفع المنطقة إلى أتون الصراعات وتتلاشى معه كل مظاهر الأمن والاستقرار”.
وتساءل: “ماذا وراء حالة التنطع والغيبوبة التي يعيشها بعض من يُفترض أنهم أشقاء ويتسم أداؤهم بالتهور والاندفاع؟”.
قبل أن يجيب بالقول: “لا يجب أن نستهلك وقتنا الثمين في مهاترات والرد على إساءات وأكاذيب السفلة فما يهمنا هو العقل المصري وبناء الوعي الحقيقي، لأن الحقد على نجاحات مصر وصل إلى درجة غير مسبوقة”.
وقال أيضاً “لا يجب على الحفاة العراة الذين ارتدوا أفخر الثياب مؤخرًا التطاول على مصر، وليس من حق اللئام والأندال ومحدثي النعمة أن يتطاولوا على أسيادهم”.
وحطّ توفيق من قدر منتقدي مصر ووصفهم بأنهم “دويلات لا يزيد عمرها على عمر أصغر أبنائه وليس لها أن تتحدث عن مصر إلا بالأدب وبالاجلال والاحترام”، لأنهم إذا كان يمكنهم “شراء بعض أصوات وأبواق الأقزام والعملاء والمرتزقة فلا يمكنهم شراء التاريخ والحاضر والمستقبل”.
وختم رئيس تحرير “الجمهورية” مقاله بالقول: “مصر أكبر وأعظم من أحاديث الإفك التي يروجها الأندال والأقزام واللئام والحاقدون، وكل شيء فيها يمضى إلى الأمام على طريق تحقيق أهدافها وتطلعات شعبها، لكن شكرًا للمحن والشدائد والأزمات لأنها تعرفنا من الفرسان من الأندال وأولاد الأصول ومن اللقطاء ومحدثي النعمة”.
كرة التوتر تكبر وتتدحرج:
كرة التوتر بين النظام السعودي ومصر مع تفاقم الأزمة الاقتصادية العنيفة التي تعيشها مصر، والتي أظهرتها تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية إلى السطح، وأبرزها تجلياتها انخفاض قيمة العملة المصرية، ولجوء مصر إلى صندوق النقد الدولي لطلب حزمة إنقاذ جديدة بقيمة 3 مليارات جنيه.
وبخلاف الأموال التي سيقدمها الصندوق والمؤسسات المانحة الدولية، أشار الاتفاق الثنائي بين القاهرة وصندوق النقد إلى أن باقي الفجوة التمويلية المصرية (حوالي 14 مليار دولار) سوف يتم سدها عن طريق “بيع الأصول المملوكة للدولة إلى صناديق الثروة السيادية الخليجية”.
ويرفض النظام السعودي ودول الخليج مواصلة سياسة المساعدات غير المشروطة، بحسب وزير مالية النظام السعودي، الذي أكد في يناير أن “عصر المنح والمساعدات الاقتصادية ولّى” وأن المملكة سوف تربط مساعدتها التمويلية بإجراء إصلاحات اقتصادية.
ويبدو أن التبرم من المساعدات لم يكن موقف المملكة وحدها، حيث خرجت أصوات خليجية مؤخرا تنتقد المساعدات الضخمة التي تلقتها القاهرة من دول الخليج خلال العقد الأخير، أبرزها ما صدر عن أمين سر مجلس الأمة الكويتي أسامة الشاهين، الذي طالب حكومته بعدم الانصياع لمطالب الصندوق بتمويل مصر، معتبراً أن الكويت أولى بأموالها.
“السعودية” أولاً!
وكان وزير مالية النظام السعودي قد أعلن أمام المنتدى الاقتصادي العالمي في منتجع دافوس السويسري أن النظام السعودي “يغير الطريقة التي نقدم بها المساعدة والمساعدة الإنمائية. اعتدنا على تقديم المنح والودائع المباشرة دون قيود، ونقوم بتغيير ذلك”.
وفي هذا الإطار، يقول المحلل السياسي والباحث في شؤون الشرق الأوسط جيمس دورسي، إن النظلام السعودي يتبنى شعار “السعودية أولاً”، وهو شهار يخدم أغراضا سعودية متعددة، منها ربط الدوافع الجيوسياسية للمساعدات السعودية بالمعايير الاقتصادية التي من المرجح أن تعزز نفوذ المملكة، وتخلق فرصا للاستثمار والأعمال، وتعزز علاقاتها مع البلدان المتلقية لتلك المساعدات.
ورأى أن حالة الجمود بين الرياض والقاهرة تعكس حقيقة أن مصر عبارة عن ثقب أسود، حيث ضخ النظام السعودي والإمارات ودول الخليج الأخرى عشرات المليارات من الدولارات مع القليل من النتائج الملموسة، باستثناء الحفاظ على السلطة، في نظام انبثق من انقلاب عسكري.
وهنا، يشير دورسي، إلى أن دعم النظام السعودي والإمارات للانقلاب العسكري في مصري جاء جزءا من حملة لدحر إنجازات الانتفاضات العربية الشعبية عام 2011 التي أطاحت بـ 4 قادة، بمن فيهم الرئيس المصري الراحل حسني مبارك.
ارسال التعليق