تقدير أمريكي: السعودية لم تعد حيوية لمصالح لواشنطن
سلط الباحث في جامعة كولومبيا، جيرارد نيومان، الضوء على ما وصفها بـ "سياسة أمريكية فاشلة تجاه السعودية"، معتبرا أن السعودية "لم تعد تشكل قيمة استراتيجية للولايات المتحدة"، وأن ما يربطها بها هو النفط فقط، وهو ما يمكن أن تجده أمريكا في مناطق أخرى.
وذكر نيومان، في مقال نشره بموقع "ناشيونال إنترست" وترجمه "الخليج الجديد"، أن السعودية لم تعد حيوية لمصالح أمريكا، وأن قطع العلاقة تماما معها الآن لن يكون له أي تأثير تقريبا مقارنة بقطعها قبل 10 سنوات.
وأضاف أن المغامرات العسكرية في المناطق البعيدة تتطلب موقعا أماميا موثوقا به، ووقودا للوصول إليه، ومنذ اندلاع حرب الخليج عام 1990، كانت الولايات المتحدة تتطلع إلى السعودية لملء هذه المتطلبات، وفي مقابل كرم ضيافة المملكة وصداقتها وتوريدها للنفط بسعر معقول تتلقى المملكة الحماية والأسلحة الأمريكية.
واستمرت العلاقة بين "الدولة الديمقراطية والمملكة الاستبدادية"، حسب توصيف نيومان، لما يقرب من عقدين ونصف من الزمان، ومثلت انتصارا استثنائيا للسياسة الواقعية في فترة الجيوسياسية المثالية.
لكن مع إنهاء الولايات المتحدة لتدخلاتها في المنطقة، فإنها لم تعد بحاجة إلى موقع أمامي، كما أنها لا تحتاج إلى حليف عسكري بالمنطقة لتبادل المعلومات الاستخبارية معه، حسبما يرى نيومان، ما يعني أن الشيء الوحيد الذي يحافظ على الشراكة التاريخية بين البلدين هو مخزون النفط الهائل للسعودية وقيادتها لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك".
غير أن سياسة النفط السعودية تتعارض مع المصالح الأمريكية، فحصص إنتاج أوبك أبقت أسعار النفط عالية في جميع أنحاء العالم، ما أدى إلى المزيد من الألم للاقتصاد الأمريكي المتعثر، كما أن التدخل العسكري السعودي في اليمن، باستخدام الأسلحة والدعم الاستخباراتي الأمريكي، أبقى المنطقة غير مستقرة وأضر بسمعة أمريكا الدولية.
ويرى نيومان أن السياسات الأمريكية الحالية فشلت تماما في معالجة هذه الاختلالات، مشيرا إلى أن الوقت قد حان "لتوجيه إنذار: إما أن توفر الرياض النفط أو أن تفقد الأمن".
السعودية والمنطقة:
وبحسب الباحث الأمريكي فإن السعودية تمثل حالة فريدة في منطقة الشرق الأوسط التي تفتقر إلى بنية الاستقرار، إذ ليس لديها تسلسل هرمي عسكري أو سياسي واضح ولا اتحاد اقتصادي فعال بين دولها المتباينة، باستثناء "أوبك"، التي لا تنسق سوى إنتاج النفط.
وبينما يتم رسم الحدود في الشرق الأوسط بشكل مصطنع، فإن حقيقة التنافسات دينية وعرقية في معظمها، وهو وضع يترك فراغا دائما في السلطة لا يمكن لأي دولة أن تملأه، بينما يجعل التفاوض على المستوى الشخصي والسياسي صعبا للغاية.
غير أن السعودية تعد فريدة بشكل أكبر من أي من الدول الأخرى، إذ أن امتداد حدودها والعوامل الموجودة فيها تخلق حقائق جيوسياسية غريبة، بعضها إيجابي والبعض الآخر سلبي، حسبما يرى نيومان، موضحا أن المملكة تقع على واحدة من أكبر احتياطيات النفط في العالم، ما جعلها موضع حسد من جميع الدول، سواء كانت نامية أو غير ذلك.
ويعتبر النفط صناعة مهيمنة في المملكة بشكل يجعل عدم استقرار سعره العالمي يتوافق بشكل مباشر مع عدم الاستقرار في الاقتصاد السعودي.
وهنا يشير نيومان إلى أن "النفط إذا أصبح في الغد بلا قيمة، أو حتى انخفض سعره إلى النصف، فمن شبه المؤكد أن الاقتصاد السعودي سينهار. ولمنع حدوث هذا السيناريو، حافظت السعودية بقوة على موقعها في أوبك، وتكافح للتلاعب بسوق النفط العالمي والحفاظ على ازدهار اقتصادها، غالبا على حساب بقية العالم".
وبينما يرى قادة المملكة الهيمنة الإقليمية خطوة تالية واضحة في القوة السعودية، فإن وجود إيران يعقد هذا المسعى، بحسب نيومان، الذي يرى أن الدولتين تتشابهان في القوة والنفوذ بالمنطقة، باعتبار المملكة زعيمة الإسلام السني وإيران زعيمة الإسلام الشيعي، وخاضتا صراعا على الهيمنة منذ الإطاحة بالعراق البعثي كمنافس ذي صلة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
وفي حين أن المناخ الجاف للسعودية وحدودها الطويلة تجعلها هدفا غير جذاب للحرب التقليدية، إلا أنها تتركها معرضة بشكل خطير للتسلل من قبل الجماعات المسلحة، ومنها جماعة الحوثيين اليمنية، المدعومة من إيران.
ولتعزيز نفوذها وتقليل المخاطر التي تشكلها هذه الجماعات على استقرارها ودفاعها الوطني، ألزمت السعودية نفسها بمكافحة التشدد. وتجلت هذه السياسة بشكل أوضح في التدخل المستمر بقيادة السعودية في اليمن، البلد الذي تتمركز فيه جماعة الحوثيين.
وبمساعدة التدريب الأمريكي ومبيعات الأسلحة والاستخبارات، قادت قوات التحالف حملة قصف برية مكثفة بهدف الإطاحة بالحوثيين واستعادة الحكومة اليمنية السابقة، لكن الحرب تسببت في واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في التاريخ، إذ لقي عشرات الآلاف من المدنيين مصرعهم، وتشرد الملايين، ويعاني الملايين من الجوع.
تناقض مصالح:
وليس للتدخل العسكري السعودي تاريخ انتهاء واضح، و"ما هو أبعد من كونه كارثة إنسانية ضخمة يعمل بمثابة آفة على السمعة الدولية الأمريكية بحكم مشاركتها غير المباشرة" حسبما يرى نيومان، لافتا إلى أن السياسة السعودية كانت تبدو أكثر استساغة خلال التدخل الأمريكي في الشرق الأوسط، لكنها الآن تتعارض مع المصالح الأمريكية بكل الطرق تقريبا.
فالولايات المتحدة تحتاج إلى نفط رخيص، أو يتوقف اقتصادها، فيما تشارك السعودية بشكل مباشر في الحفاظ على ارتفاع أسعار النفط.
وتحتاج الولايات المتحدة إلى استقرار الشرق الأوسط حتى لا ينجر إلى صراع آخر، فيما يهدد التنافس السعودي الإيراني هذا الاستقرار.
وتحتاج الولايات المتحدة إلى استعادة سمعتها الدولية بعد حروبها الكارثية في الشرق الأوسط، فيما يجعل التعاون مع التدخل العسكري السعودي في اليمن ذلك أكثر صعوبة.
ويرى نيومان أن السياسة الأمريكية الحالية لا تفعل الكثير لمعالجة أوجه القصور الصارخة هذه في العلاقة مع السعودية، فمنذ الانسحاب من أفغانستان، كان هناك توعك في الدبلوماسية الأمريكية في الشرق الأوسط.
ومع ذلك، يؤكد الباحث الأمريكي أن نفوذ الولايات المتحدة لايزال كبيرا، وأن السعودية بحاجة إلى أسلحة لأمنها القومي، وإلى خبرة أمريكية لصيانة هذه الأسلحة.
كما أن الهدوء الأخير بعض التوترات، لا يعني أن التنافس بين إيران والسعودية أصبح شيئا من الماضي.
ولذا يؤكد نيومان أن "السعودية لم تعد حيوية لمصالح أمريكا"، وأن "قطع العلاقة تماما الآن لن يكون له أي تأثير تقريبا مقارنة بقطعها قبل عشر سنوات"، مشيرا إلى وجود بدائل محتملة للنفط السعودي يمكن استكشافها في فنزويلا ونيجيريا والإمارات والبرازيل، أو حتى في أمريكا نفسها.
واختت نيومان مقاله بدعوة الإدارة الأمريكية إلى استخدام نفوذها ومطالبة السعودية بالتمسك بجانبها في صفقة "النفط مقابل الأمن" أو البحث عن الأمن مع دولة أخرى.
ارسال التعليق