حول جدوى المظاهرات الطلابية بين بلاد الغرب وبلادنا: لماذا لا ينبغي جلد الذات
لعلّ مئات آلاف طلاب الجامعات من مختلف الدول العربية ينظرون بحسرة لمظاهر الاحتجاجات التي يقيمها أترابهم في الجامعات الأميركية والأوروبية ضد الإبادة الجماعية في غزة. نعم ينبغي الاعتراف بأن هؤلاء يملكون شجاعة تفوقت على شجاعة الشعوب التي تحكمها أنظمة تخشى على سمعة كيان الاحتلال بالقدر الذي تخاف فيه على استمرارية حكمها، حتى نجد أن النقاش في أمر غياب التحركات الطلابية ينتقل في حالة الدول العربية إلى مستوى مختلف؛ يلامس الحديث عن أصل وجود أنظمتهم في الحكم إلى اليوم.
الحديث عن وضع التحركات الطلابية في أي بلد؛ لا يمكن أن ينفصل عن مدى ديناميكية الشعب برمّته أمام أنظمته الحاكمة. فالحديث عن مظاهرات طلابية في جامعات أوروبا أو في بلدان عربية تحظى شعوبها بقدر معقول من حرية التعبير، لا يمكن أن يستمر بالانسيابية عينها عند الحديث عن الطلاب الجامعيين في الدول الخليجية، "ممالك النفط المنهوب".
خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فقد تصاعدت مؤخراً حدّة السيف الموجه من "الأمراء" الخليجيين في وجه أي مظهر من مظاهر التضامن مع غزة حتى لو لم يُؤتَ على ذكر "حليفهم" الاستراتيجي في المنطقة، أي كيان الاحتلال الاسرائيلي. فيصبح لوم شبّان منطقة الخليج؛ تخطّياً للحديث عن عمالة أنظمتهم التي باتت "ملوكية أكثر من الملك" في مقارعتها الأصوات التي تعادي كيان الاحتلال.
وعلى سوداوية تعامل الحكومات الغربية مع المتظاهرين،إلا أنه من غير الممكن مقاربة الوضع لو حصل في المراكز الأكاديمية الخليجية مع ما يحصل اليوم في أميركا، حيث انطلاقة الصهيونية. ذلك لمعايير كثيرة أهمها مدى ادعاء الحكومة احترامها وتطبيقها للديموقراطية مع شعبها. فأنظمة تعترف بديكتاتوريتها عبر أقصاء الشعب عن اختيار من يحكمه ليس كمن نصّب نفسه "أم الديموقراطيات"، وسواها من المفارقات.
عامل أساسي لا يمكن استبعاده عند انتقاد الوضع الطلابي في الدول العربية، هو الدافع والهدف من الاحتجاج في حرم الجامعات. في أميركا مطالب الطلاب واضحة وموجهة إلى إدارات الجامعات بسحب استثماراتها من مورّدي الأسلحة والشركات الأخرى التي تستفيد من الحرب. بالمقابل ما من بيانات تقول بأن جامعات عربية تقوم بتمويل أو حتى تستفيد من تمويل جهات تموّل الحرب الإسرائيلية على غزة.
مفارقة يجب الإشارة إليها، أن القلق من المظاهرات في أميركا اليوم يعود بجزء منه إلى هذا التوقيت الحساس بالنسبة للبيت الأبيض، حيث اقتراب الانتخابات الرئاسية. فهذه الحراكات تصعّد كثيرا حالة رفض إعادة بايدن إلى البيت الأبيض مرة أخرى، خاصة أن شعبيته شهدت تراجعا كبيرا منذ بات العداون على غزة غير مبرر حتى من قِبل الكثيرين ممن يتعرضون منذ طفولتهم لكذب الماكينة الإعلامية الأميركية.
في المقابل، يغيب هذا المعيار عن دول الخليج، رغم ذلك نجد تحريم ارتداء الكوفية في الأماكن العامة. وصل الأمر إلى أن يُمنع "صانعي المحتوى" المقيمين في الإمارات من الاستمرار بدعم القضية العربية ذلك باعتراف العديد منهم.
وانتشر فيديو لأحد المقيمين في الإمارات فيديو يوثّق فيه ردات فعل مواطنين في الإمارات عند الطلب منهم أخذ صورة مع العلم الفلسطيني، ليظهر الأمر كما لو أنه جرم يُخشى ارتكابه:
هذا فضحت المظاهرات الداعمة لغزة في أميركا زيف ادعاءات الأخيرة عن دفاعها عن حق التعبير، وتبيّن أخيرا وحدة في الموقف الأميركي بين الحزبين الديموقراطي والجمهوري من ما يجري في الجامعات وخاصة في جامعة كولومبيا.
فقد نشر موقع "أكسيوس" معلومات حصل عليها حصريا عن أن مجلس إدارة جامعة كولومبيا يواجه ضغوطًا جديدة من مجموعة من الديمقراطيين في مجلس النواب تحذّره إما "التصرف بشكل حاسم" وإنهاء المخيم المستمر المؤيد للفلسطينيين في حرم الجامعة أو الاستقالة.
أتى ما كشفه "أكسيوس" في وقت ظُنّ فيه أن الدعوات اقتصرت على الحزب الجمهوري، ليمثّل ذلك تصعيداً في موقف الديموقراطيين غير المُعلن.
ووفقا للموقع فقد كتب 21 عضواً ديمقراطياً في مجلس النواب رسالة إلى مجلس أمناء الجامعة عن "خيبة أملهم من أن جامعة كولومبيا، لم تقم بعد بحل المخيم غير المصرّح به وغير المسموح به للنشطاء المناهضين لإسرائيل واليهود في الحرم الجامعي، على الرغم من الوعود التي قطعتها الجامعة بذلك"
كما دعت المجموعة التي يقودها النائبان جوش غوتهايمر (ديمقراطي عن ولاية نيوجيرسي)، ودان غولدمان (ديمقراطي عن ولاية نيويورك) إلى حلّ ما وصفه بـ"المعسكر".
ارسال التعليق