يوم التأسيس: الكذبة التي يبني عليها ابن سلمان حكمه
يحدث أن يُملي النظام السعودي أمر حذف صورة تظهر أحد لاعبي نادي الهلال السعودي، أحد أندية صندوق الاستثمارات، مرتديا الكوفية الفلسطينية كنوع من التضامن مع مجريات حرب الإبادة التي تخوضها "إسرائيل" على قطاع غزة. في المقابل، تهبّ الأندية لإبراز كل أشكال التضامن و"التهنئة" بمناسبة يوم التأسيس السعودي المزعوم.
ومن أفضل من الوجوه الرياضية العالمية، مدفوعة الأجر للترويج لهكذا حدث؟
صور ومقاطع فيديو للاعبي الأندية السعودية بلباس تقليدي نسب زورا إلى تاريخ آل سعود، تأدية رقصة العرضة، ومشاركة أبرز الوجوه الغربية المنضوية في الاندية السعودية لهذه الصور والمقاطع على حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، و"الحسابة بتحسب".
لم يعدّ مجديا الحديث عن طرق طبول ورقص وأهازيج وفلسطين تكابد ما تكابده لليوم الـ140. إذ أن محمد بن سلمان ومستشاره للترفيه قد أعلنوها صراحة ومنذ بداية العدوان الصهيوني بأن نظامهم غير معنيّ.
إن مبدأ اتخاذ آل سعود يوما وطنيا للبلاد والعباد التي جرى احتلالها وحكمها بالسيف، يتطلب الكثير من الجهد. والانطلاق من النقطة صفر نحو بناء مرتكزات يمكن أن تقوم عليها سردية النظام السعودي.
عام 1932، استحدث كيان وأعلن عنه ليضم مناطق ودويلات. وجرى ربط الوطنية بمقدار الولاء للـ"العائلة المالكة"، إنها وباختصار نقطة الانطلاق. عززتها سياسات التهميش لأبناء الحجاز وكذا القطيف والأحساء. التمييز والقمع الطائفي والمذهبي، الإعلاء من شأن شيوخ الوهابية وتسليمه زمام تنظيم أمور المجتمع والتحكّم بعيدا عن الموارد وشرط عدم تهديد العرش.
تحدي الذاكرة الجمعية:
"يوم بدينا" شعار اليوم الوطني المعلن عنه. في 27 يناير/كانون الثاني عام 2022 أصدر سلمان بن عبد العزيز أمراً ملكياً نص على أن يكون 22 فبراير/ شباط من كل عام هو "يوم التأسيس" لمدينة الدرعية، على يد مانع المريدي، مؤسس إمارة الدرعية الأولى، عام 850 هـ / 1446م، وهو الجد الثالث عشر لسلمان، والرابع عشر لنجله و"ولي عهده" محمد.
لم يكن “للسعودية” وجود قبل القرن الثامن عشر، لكن تأسيس المشروع السعودي بشكله الحالي، كما هو معروف، يعود إلى أول لقاء جمع محمداً بن سعود ومحمداً بن عبد الوهاب؛ فالأول حتى تلك اللحظة لم يكن إلا حاكماً للدرعية بالمفهوم المشيخي، وضمن نظام قبلي عرفته نجد منذ مئات السنين، فكان وصول محمد بن عبد الوهاب إلى الدرعية، فاراً من منطقة العيينة، لحظةً فارقةً في تاريخ نجد، إذ شهدت الدرعية تأسيس المشروع الوهابي بتحالف بين الرجلين، شمل تفاهمات الحكم بجوانبه السياسية والاقتصادية والدينية والعسكرية والأمنية. عند تلك اللحظة، بدأ المؤرخون، مثل ابن غنام وابن بشر، بتدوين بداية تاريخ “الدولة السعودية”، إلى درجة أن من يقرأ أحداث بدايات “الدولة”، كما جاء في مؤلفات أولئك المؤرخين، سيجد حضور المُلا محمد بن عبد الوهاب – هذا ما كان يُطلق عليه حينها – وتأثيره في إدارة المشروع الذي بدأ بالتوسع باستخدام القوة المفرطة والخطاب الديني المتشدد ضمن رؤيته للواقع في تلك المرحلة، فبدأ بما أسماه محاربة الشرك والضلال، ودخلت نجد، ومن ثم مناطق أخرى من الجزيرة العربية، في دوامة من الصراع الذي طغت عليه دماء ضحايا السيوف الوهابية وأعمال نهب كلِّ ما ليس وهابياً وسلبه.
لقد تعاملت الوهابية مع أبناء الجزيرة العربية بوصفهم مشركين يتوجب عليهم إعلان إسلامهم مجدداً. على سبيل المثال، عندما وصلت الغزوات الوهابية إلى اليمن، وتحديداً إلى عسير تهامة، وقع العلامة عبد الرحمن بن حسن البهكلي في أسرهم في العام 1813، فطلبوا منه أن يعلن الشهادتين، وأن يعترف بأنه تلبَّس مع أبويه بالكفر. وقتها، مارس الوهابيّون جرائم أسر النساء والأطفال، وسلب الأموال، والاعتداء على كل من يخالفهم، وهدم المساجد، بما في ذلك مسجد زبيد. عند هذا الحدّ، يمكن فهم مُراد محمد ابن سلمان من إحياء هذا التاريخ، وإسباغ المكارم المالية من بوابة الترفيه عليه. يعلم ابن سلمان جيدا أن صورة التزاوج الديني والسياسي المتمثل بعائلة آل سعود والوهابية هي المرجحة في العقل الجمعي عند أي طرح لآليات قيام “السعودية” ككيان. ويدرك أيضا بأن محاولاته الممتدة لسنين مضت ومقبلة لا بدّ وأن تتركز على مهمة تشويه الحقائق وتغييبها، من خلال التركيز على محاولات آل سعود السيطرة على شبه الجزيرة العربية وإرادتهم الفردية في تحقيق الهدف حينها، وبالتالي إشغال الوعي الإنساني بكذبة مفادها إن قيام “الدولة الحديثة” بشكلها الحالي، لم يكن أكثر من تعاون بين طرفين جمعهما هدف واحد.
مع محمد بن سلمان، لم تدم ثنائية آل سعود الوهابية. فأقدَمَ، نظريّا، على قطع الرابط مع رجالاتها من المشايخ والمنظرين ليُعبّد الطريق أمام خططه لبناء "السعودية الجديدة". وبعد اللعب على الذاكرة، شرع بن سلمان على اللعب على الثوابت والقيم الاجتماعية، محاولا اجتذاب جيل الشباب ورفع أدرينالين الوطنية في عروقهم من بوابة استباحة المحرمات، واحياء حفلات الغناء والرقص. كل ما كان ممنوعا في "مملكة" آل سعود أباحه الحاكم الفعلي "للسعودية". من كفّ يد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلى استجلاب أهم وجوه الرياضة إلى أرض "المملكة"، وانسحب على أهل الفن والسينما من كافة أقطار العالم، إلى فتح باب التطبيع مع الكيان الصهيوني واستضافة الوفود الإسرائيلية حتى وصل الأمر بهم حد التواجد في المدينة المنورة.
من هنا، يعمل ابن سلمان على تركيز نجد كمركز أساسي للتاريخ السعودي المزعوم، وذلك من بوابة إطلاق المشاريع الاستثمارية المغرية للعين والارتكاز على نموذج "دبي" في رسم سياساته "الانمائية" المزعومة. أغفل ابن سلمان المقدّمات الإلزامية لبناء دولة وطنية، فإن التشبيك مع منتجات العولمة والتموضع كونياً، مع إغفال تأثيراتها على الهوية الوطنية وتزخيم الطائفية، يعيد إنتاج أزمة الكيان ولكن في شكل آخر.
ارسال التعليق