د. عبدالله الشمري لـ"الشرق": أبوظبي تدير ملفات السعودية السياسية والاقتصادية
أكد الدكتور عبدالله الشمري المحلل السياسي المختص في شؤون الخليج، أن القيادة السعودية بتصريحها ضرورة عودة بلادها إلى الوسطية، قد منحت قانون جاستا قبلة الحياة وأثبتت تورط السعودية في الإرهاب، مؤكداً أن أبوظبي تدير ملفات السعودية السياسية والاقتصادية، وهدفها الرئيسي هو إضعاف المملكة وتقسيمها.
وكشف الشمري في الجزء الأول من حواره مع "الشرق" عن طلب نظام أبوظبي من ترامب نقل قاعدة العديد إلى الإمارات، لافتاً إلى أن حكومة أبوظبي تتوهم أن مؤامراتها تؤهلها لقيادة العالم العربي. وأشار إلى ارتفاع شعبية القيادة القطرية في الشارع العربي، موضحا أن صفقة القرن "كلمة السر" التي فجرت الأزمة الخليجية.
وإلى نص الحوار..
دكتور عبدالله، ما الأسباب الحقيقية للأزمة الخليجية برأيك؟
بكل تأكيد، فإن الأسباب الحقيقية للأزمة الخليجية تتمثل في تلك الصفقة المشبوهة التي عقدتها قيادتا السعودية والإمارات مع جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي، والتي نتج عنها الانقلاب على ولي العهد السعودي السابق محمد بن نايف، وهذا ما كشف عنه مؤلف كتاب "نار وغضب".
فكوشنر من جهته، كان هدفه الأساسي تنفيذ "صفقة القرن"، لكنه كان يحتاج إلى السعودية؛ كونها أفضل دولة تعطيه المشروعية لتنفيذها، وهذا ما جعله حريصا على كسب القيادة السعودية في صفه، لأن هذا "بحسب تفكيره" إذا ما تحقق يكون بمثابة إنجاز 70 % من الصفقة، وهذا برأيي ما تحقق بالفعل من خلال اتفاقه مع قيادتي البلدين.
لكن في مقابل ذلك، كانت هناك عوائق أساسية أمامهم وتحديات لتنفيذ الصفقة، هذه التحديات تتمثل في قطر وقناة الجزيرة وحركة حماس، وبالتالي اتفق الثلاثي على ضرورة الضغط على قطر من أجل تنفيذ الصفقة بأقل الخسائر "هذا بالنسبة لكوشنر"، أما القيادة السعودية فكانت مهتمة بالاستيلاء على حقول الغاز القطري، ومن ثم تصبح مصادر الطاقة "الغاز والبترول" في حوزتها، من خلال محاولة السيطرة على قطر بالتحرك لغزوها عسكريا، وأعتقد أن هذا أجهض في الـ24 ساعة الأولى لبدء الأزمة.
وما العائد على قيادة أبوظبي من غزو قطر؟
القيادة الإماراتية برأيي هي التي وضعت الخطط الأساسية للأزمة وكيفية تنفيذها، وكانت تهدف من ذلك إلى إسقاط القيادة القطرية، ومن ثم تنفرد بقيادة العالم العربي، وهذا باعتقادي الهدف الرئيسي لقيادة أبوظبي التي ترى أن قطر تنافسها في زعامة المنطقة وقيادتها، خاصة إذا ما علمنا أن نفوذ قطر وشعبيتها ترتفع يوما بعد يوم في الشارع العربي والإسلامي، وهو ما أزعج بشكل كبير القيادة في أبوظبي.
مستقبل السعودية
على ضوء فشل المخطط، كيف ترى مستقبل السعودية بعد صعود القيادة الجديدة؟
للأسف الشديد، السياسة السعودية حاليا تدار من خلال أبوظبي، وخاصة في ملفي الاقتصاد والسياسة الخارجية، فنظام أبوظبي يريد أن ينصّب نفسه قائدا للعالم العربي، وليس للخليج فقط، وبالتالي خطط، لإضعاف الدور السعودي من خلال السيطرة على صناعة القرار فيه، خاصة أن السعودية لها مكانة في العالمين الإسلامي والعربي، كذلك لحصار قطر، لأنه يعتبرها برؤيتها ونضوجها السياسي عقبة أمام تحقيق طموحه.
وقد وجد نظام أبوظبي فوز ترامب فرصة ذهبية له. فحرص على التقرب إليه كي يدعمه في طموحه، وهذا ما جعله يخدع الطرفين السعودي والأمريكي، فيعطي ترامب ما يريد من جيب القيادة السعودية، ويعطي القيادة السعودية ما تريده من ترامب.
بل إن نظام أبوظبي ذهب بطموحه إلى أبعد من إمكانات وصلاحيات ترامب، من خلال مطالبته بنقل قاعدة العديد إلى أبوظبي، وهذا ما سعى لفعله خلال زيارته لواشنطن قبل يومين من قمة الرياض، لكن طلبه قوبل برفض المؤسسة العميقة الأمريكية العاقلة، التي حالت دون تحقيق ذلك، نظرا لصعوبة تلك الخطوة إن لم يكن لاستحالتها في ذلك التوقيت.
برأيك من الواسطة بين القيادة الإماراتية وترامب، هل العتيبة أم شخص آخر؟
أعتقد أنه حسين السجواني رجل الأعمال الإماراتي المقرب من نظام أبوظبي وشريك ترامب، وهو الذي أقنع الأخير بضرورة دعم القيادة السعودية الجديدة. أما يوسف العتيبة فلم يكن قريبا من ترامب، وعلاقاته منحصرة بالمؤسسات الأمريكية فقط.
غزو قطر
وما دور الرئيس الأمريكي في هذا المخطط؟
عندما عُرض على الرئيس الأمريكي مخطط غزو قطر وافق عليه دون اعتراض، لأن ترامب كان همه الأساسي تحقيق هدفين رئيسيين ليثبت ولايته الأولى ويعزز شعبيته، الأول: إعلان القضاء على "داعش" من أمام مسجد النوري في الموصل "الذي ألقى فيه البغدادي خطبته الشهيرة"، وهذا لم يحدث، والثاني: تنفيذ "صفقة القرن" التي عجز عن تنفيذها "باعتقاده" الرؤساء السابقون للولايات المتحدة.
أما قادة النظام السعودي من جانبهم، فقد طلبوا أيضا من الرئيس الأمريكي دعمهم في تثبيت الحكم، والموافقة على الإطاحة بولي العهد السابق محمد بن نايف، مما جعل ترامب يستغل ذلك في الحصول على أموال طائلة، وهو ما حدث.. وبالمناسبة فقد حصل ترامب من السعودية على مبلغ 810 مليارات دولار، وليس 460 مليارا كما هو شائع.. فالـ460 مقابل الإطاحة بولي العهد السابق محمد بن نايف فقط، أما باقي المبلغ ففي مقابل تنصيب القيادة السعودية، وإنها جزء من بنود الاتفاق الذي أبرم بين الجانبين في واشنطن، والتي تنص أيضا على تغيير وجه المملكة الديني، وتعديل المناهج التعليمية، وتغريب نظام حياة المجتمع السعودي وهويته، خصخصة أرامكو، وصفقة القرن.
وربما يكون هذا المبلغ جزءاً فقط من المبلغ الأساسي، والذي يقدر بـ 2000 مليار دولار، الذي أفصح عنه ترامب مؤخرا في تغريدة له، حيث كتب فيها: سأدعم البنية التحتية بمبلغ 2000 مليار دولار بالاعتماد على دول صديقة تملك المال، ونحن كنا سببا في وجودها.
إذا ربما يكون حجم الصفقة الحقيقي بين ترامب والسعودية 2000 مليار دولار وليس 460 كما هو معروف؟
نعم، وقد حصل على جزء كبير منها" 810 مليارات دولار"، إضافة إلى وضع يده على صندوق الاستثمار السعودي الموجود في الولايات المتحدة، والذي يقدر رأس ماله بـ "570 مليار دولار" من أجل صرف تعويضات لضحايا 11 سبتمبر منه، وذلك بموجب قانون جاستا، وباقي الصفقة يتم تنفيذها على مدار 10 سنوات.
قانون جاستا
لكن قانون جاستا بحسب التقارير تم تجميده؟
بالفعل تم تجميده سابقاً، لكن القيادة السعودية الجديدة، ومن خلال تصريحها الغريب في افتتاح مشروع "نيوم" منحت ذوي ضحايا 11 سبتمبر المبرر لإعادة تفعيله من جديد. فالتصريح الذي صدر من أعلى هرم النظام السعودي وقال فيه: "سنقضي على الإرهاب الذي عاش بيننا 30 عاماً" منح أهالي الضحايا حق المطالبة بإعادة النظر في قانون جاستا، بعد أن تم تجميده نظراً لنصيحة القانونيين الأمريكيين بضرورة تجميده لعدم وجود اعتراف رسمي من السعودية بدعمها للإرهاب، أما وقد اعترفت القيادة السعودية بذلك، وتم تسجيل هذا الاعتراف من قبل القضاء الأمريكي، فبالتالي يمكن لجاستا أن يُفعّل ويطالب أهالي الضحايا السعودية بالتعويض.
على ضوء ما ذكرت، ما تقييمك لأداء القيادة السعودية الحالية؟
دعنا نفترض أن السعودية عبارة عن بناء، هذا البناء قوامه الحديد والإسمنت، فالحديد هو القَبَلية، والإسمنت هي المؤسسة الدينية.
والمؤسسة الدينية انهارت، ومن ثم تم تهميشها بشكل كبير، من خلال "مركز مكافحة التطرف" الذي أعلن عن إنشائه ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأمريكي، حيث قال: إن مهمة المركز إعادة تأهيل الدعاة، وتعديل المناهج الدينية، وتنقيح الكتب والمناهج القديمة، وبالتالي هذه الإجراءات تعتبر إنهاء حقيقيا لدور المؤسسة الدينية على المستوى الرسمي، إضافة إلى تقليص تأثيرها على المستوى الشعبي من خلال إصدار الفتاوى التي تبيح الانحلال وتخالف الشريعة الإسلامية، مثل إباحة الغناء بعد أن كان محرماً، وتحليل الضرائب بعد أن كانت محرمة ومكوسا.
أما المؤسسة القبلية، فأعتقد أن السياسة السعودية ومن خلال دعم بعض القبائل بهدف تحريضها ضد قطر، فإنها بذلك تسير في اتجاه تفكيك أواصرها وتماسكها، ومن ثم تكون بداية لتفكيك المملكة ذاتها وتقسيمها.
ارسال التعليق