السعودية تدفع الأموال للجامعات الأمريكية لتجميل ابن سلمان
تساءلت صحيفة “نيويورك تايمز”، عن السبب الذي جعل السعودية تضخ ملايين الدولارات سنوياً في الجامعات الأمريكية، وماذا يتوقع حكام السعودية الحصول على مقابل ذلك.
وأشار تقرير مطول بعنوان “لماذا توجد أموال سعودية في الجامعات الأمريكية؟”، إلى احتجاجات طلابية العام الماضي أمام واحدة من أهم المؤسسات العلمية الأمريكية “معهد ماساسوشيتس للتكنولوجيا” (أم أي تي)، حيث كانوا يُطالبون بإلغاء زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى المعهد العريق، ويريدون إثارة الانتباه للوضع الكارثي الذي خلقه في اليمن، بالإضافة لتركيز النظر على علاقة المؤسسة و62 جامعة أمريكية مع السعودية.
وقال روبرت جوردان، السفير الأمريكي السابق في إدارة دبليو بوش: “كان شاباً متحرّراً ويناسب سليكون فالي وجماهير هوليوود، وتم التلاعب بهم بسهولة”، و”كان المال هو الذي يتحدّث وفرصة الارتباط بالمملكة الثرية جداً”.
وكان من بين المتحدّثين في التظاهرة لزيارة ابن سلمان أمام “أم أي تي” شيرين الأديمي (35 عاماً) التي قضت شطراً من حياتها في اليمن، ويعيش أهلها الحرب الأهلية التي سقط فيها آلاف اليمنيين، ولكن لا أحد في الولايات المتحدة يعرف بها. ولأن المُساهمات المالية السعودية تأتي على شكل دعم مالي للبحث، وممولة من شركة النفط “أرامكو” والصناعات الأخرى المملوكة من الدولة، لم يكن هناك ما يدعو لرفض المُساهمة المالية، ولهذا كانت أصوات المحتجين هامشية.
وتعيش الأديمي مع زوجها طالب الدكتوراه في “أم أي تي”، وكانت هي تنهي رسالتها في جامعة هارفارد. ولم تكن تهتم بالسياسة: “لو كان لدي شيء أقوله في الرأي العام لكان عن التعليم”، ولكنها بدأت تكتب عن التدخل السعودي في اليمن عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمنشورات الأمريكية، ولبست في التظاهرة قميصًا كتب عليه: “الرجل الذي تستقبله أم أي تي يقوم بتجويع ملايين اليمنيين للموت، ويمنع عنهم الطعام والدواء”. وكانت تقول ببساطة إن الجامعة تستقبل “مجرم حرب” وتجب معاقبته على جرائمه لا الترحيب به. وقامت هي وخمسة من المتظاهرين بدخول مبنى الجامعة، وسلّمت عريضة عليها 4.000 توقيع تطالبه بإلغاء المناسبة.
وفي نفس الشهر، أكتوبر، أعلنت جامعة “أم أي تي” أنها تقوم بتقييم علاقاتها مع المملكة. وفي تقرير مبدئي كتب في ديسمبر 2018، وزّع على هيئة المدرسين والطلاب ذكر فيه إن واحداً من حاشية محمد بن سلمان أثناء زيارته للجامعة من المتورّطين في قتل خاشقجي، في إشارة لماهر المطرب و”هذا الشخص تعامل مع مجتمع أم أي تي في ذلك الوقت- تدخل غير مرحّب به وغير مريح في مساحتنا مع أنه حدث في الماضي”. وأعادت شركة “إندفور” للترفيه 400 مليون دولار للمملكة هذا العام فيما احتفظت بقية المؤسسات الأكاديمية الأمريكية بعلاقاتها مع السعودية.
ورغم إعدام السعودية 37 شخصاً في أبريل، إلا أن المستثمرين اشتروا سندات أصدرتها أرامكو في نفس الشهر، فيما تخطط شركة “إي أمي سي” لبناء دور جديدة للسينما. ولكن الناشطين في حرم الجامعات يريدون هدفاً أعلى من جامعاتهم.
ويكشف التقرير أن المال السعودي يتدفق للجامعات النخبة الأمريكية مثل “أم أي تي” ونظيراتها، بأشكال عدة من بينها على شكل رسوم دراسية ونفقات الطلاب السعوديين.. وفي “أم أي تي” لم يدرس سوى 6 طلاب مرحلة جامعية أولى، و27 مرحلة عليا من بين 11.600 طالباً مُسجلاً في عام 2018. وترى الصحيفة أن المنافع التي تحصل عليها السعودية واضحة، فبالإضافة لحصولها على مدخل للعقل الأمريكي الأكاديمي فإن علاقتها مع مؤسسات مثل “أم أي تي” تخفف من صورتها وتبدو وكأنها دولة مُنفتحة مع أنها ملكية مُطلقة تضطهد المرأة ولا يوجد فيها قانون لحماية الصحافة.
وبالنسبة للنقاد فإن الجامعات تقوم ببيع بضائعها. وحسب سالي هاسلانغر، أستاذة الفلسفة في “أم أي تي” فالجامعات تمنح “رأسمال رمزي” وتبيع اسمها ومصداقيتها وسجلها العلمي “واستخدمناه لتلميع صورة محمد بن سلمان”.
وعادة ما يريد الطلاب وأعضاء هيئة التدريس أن تعكس الجامعات وازعهم الأخلاقي وغضبهم، ولكن الجامعات ترفض عادة. فقد وجهت السعودية 650 مليون دولار للجامعات الأمريكية في الفترة ما بين 2012- 2018 وهي ثالث مصدر للمصادر المالية. وتضم القائمة أعداء أمريكا مثل الصين وروسيا. ويظل تقرير الهدايا الأجنبية غير مكتمل لأن الجامعات لا تسجّل كل شيء وبعضها لا تلتزم بالقانون، وربما زادت نفقات السعودية على التعليم في أمريكا مليار دولار.
ويعلق التقرير أن علاقة الجامعات بالسعودية تطرح موضوعاً آخر وهو إن كان عليها التعبير عن مواقف سياسية أو أخلاقية. مُشيراً إلى أن سلوك السعودية كان كافياُ لتحرّك في الكونجرس لمنع صفقات سلاح للسعودية والإمارات. وبعد ثمانية أشهر من حديثها أمام “أم أي تي” كانت الأديمي واضحة: “ابتعدوا عنه” أي ابن سلمان “فلو كان المعني إفريقيا أو أمير حرب من بلد فقير هل كنا سندير هذا الحوار”.
وعلى خلاف ما تقوله الجامعات من دعمها للتحديث، نقل التقرير عن طالب سعودي اشترط إخفاء هويته قوله: “حريّة التعبير مضت في الاتجاه الآخر، ولا يمكنك المُخاطرة حتى بالنقد الهادئ ولو كان النقد واضحاً فأخشى أنك ستنتهي في السجن”.
وفي الوقت الذي اتسم به تقرير الأكاديمي في “أم أي تي” بالصراحة حول فظاعة جريمة خاشقجي ودعوة طلاب الجامعة لقطع العلاقة مع السعودية، إلا أن العميد أوصى الإدارة في النهاية بقطع علاقتها مع مؤسسة محمد بن سلمان “مسك” والحفاظ على التعاون مع بقية المؤسسات الأخرى مثل أرامكو وسابك وجامعة مدينة الملك عبد العزيز التكنولوجية.
ارسال التعليق