مسلسلات خليجية تكسر المحظور.. ترويج للتطبيع أم عرض للحقائق؟
التغيير
"أم هارون" و"مخرج 7" مسلسلان خليجيان؛ الأول كويتي-خليجي، والآخر سعودي، قلبا منصات التواصل الاجتماعي رأساً على عقب منذ بداية شهر رمضان المبارك، وباتا حديث الساعة في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج.
وأثار المسلسلان جدلاً ونقاشاً على نطاق واسع؛ لكونهما يتطرقان لمواضيع حساسة لم يسبق الحديث عنها في الدراما الخليجية من قبل، ويُنظر إليها على أنها من المحظورات من قبل معسكر رافض لها، وآخر مؤيد لطرحها بدعوى كسر المألوف وعرض الحقائق وترك الحكم للمشاهد.
وبين هذا وذاك احتد النقاش في الشبكات الاجتماعية، خاصة أن "أم هارون" تخطى خطوطاً حمراء بحديثه عن اليهود ووجودهم في منطقة الخليج العربي، في حين اتُّهم "مخرج 7" بمهاجمة الفلسطينيين وقضيتهم والترويج ضمنياً للتطبيع مع "إسرائيل"، فيما يرفض القائمون عليهما تلك الاتهامات.
"MBC".. القاسم المشترك
ويبث "أم هارون" و"مخرج 7" على قناة "إم بي سي"، التي تتخذ من دبي الإماراتية مقراً لها، ويعرضان في أوقات مناسبة للمشاهد الخليجي بعد الإفطار ومنتصف الليل ووقت السحور.
و"أم هارون" مسلسل يدور حول مجتمع متعدد الديانات في دولة خليجية لم تُذكر بالاسم، خلال حقبة ما بين ثلاثينيات وخمسينيات القرن الماضي، وأبطاله من عدة دول خليجية أغلبهم من الكويت، في حين كتب السيناريو الشقيقان البحرينيان محمد وعلي عبد الرحيم شمس.
أم هارون
والمسلسل مستوحى بشكل كبير من طبيبة (قابلة) يهودية حقيقية تُدعى "أم جان"، وصلت إلى البحرين من العراق في الثلاثينيات، وفق وكالة "رويترز"، فيما بُث بيان مع الحلقة الأولى أن الشخصيات والأحداث "من وحي الخيال. كما أنه لا يحمل أي رسالة سياسية".
كما تعرّض لهجوم عنيف، ووصفه البعض بأنه "خطأ تاريخي لا يغتفر"؛ من خلال مقطع يتحدث عن تأسيس الدولة العبرية على "أرض إسرائيل" عوضاً عن فلسطين، عقب انتهاء الانتداب البريطاني.
أما "مخرج 7" فهو من بطولة الممثل السعودي ناصر القصبي، واعتبر متابعون إحدى حلقاته هجوماً مبطناً على الفلسطينيين وقضيتهم، كما وصفوا إحدى المشاهد بأنها تقدم دعوة صريحة للتطبيع "التجاري" مع "إسرائيل"، كما ورد وصف للفلسطينيين بـ"الأعداء" الذين يهاجمون المملكة كلما أتيحت لهم الفرصة.
وعرض المسلسل السعودي آراء كانت حتى وقت قريب غير قابلة للعرض على الشاشة الصغيرة؛ على غرار أن بعض الفلسطينيين "باعوا أرضهم لليهود"، ومنهم "من يمول جدار الفصل العنصري".
ما الموقف الرسمي؟
مصادر قالت لوسائل إعلامية إن الحكومة الكويتية رفضت عرض "أم هارون" على قنواتها في البلاد، حيث ترفض الكويت فكرة التطبيع مع "إسرائيل"، على خلاف دول خليجية أبدت انفتاحاً على مسألة إقامة علاقات مع "تل أبيب".
وفي حال تطرق المسلسل إلى أن هناك حقوقاً يهودية داخل الكويت ومطالبة بإعطائهم هذه الحقوق فإن الممثلين الكويتيين تحت طائلة القانون معرضون للمحاكمة، وفق ما قاله رئيس "رابطة شباب لأجل القدس العالمية"، الكويتي طارق الشايع، لوسائل إعلامية.
وشدد على أن القانون الكويتي "لا يسمح لكائن من كان بأن يروج للتطبيع مع الصهاينة أو العمل معهم، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر"، موضحاً أن بلاده سنت قوانين لمقاطعة "إسرائيل".
وبيّن "الشايع" أن من بين تلك القوانين "مرسوم نشر في الجريدة الرسمية للبلاد لسنة 1967، وصف الصهاينة بالعصابات وفلسطين بالمحتلة"، مؤكداً أنه "لا يزال قائماً وجارياً العمل به، ولم يتم إلغاؤه".
وتقول مجموعة "إم بي سي"، بحسب المتحدث الرسمي باسمها مازن حايك: إن "رسالة (أم هارون) إنسانية لأنها تعالج الناس بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى، كما أنه يركز على التسامح والاعتدال والانفتاح، علاوة على أن الشرق الأوسط كان يوماً منطقة فيها قبول للآخر".
ما ردود الفعل؟
تباينت ردود الفعل حول المسلسلين الخليجيين بين من رآهما "تطبيعاً علنياً" ومن اعتبرهما "دراما جريئة" تسلط الضوء على قضايا جدلية.
ودشن نشطاء أكثر من وسم؛ على غرار "#إسرائيل_عدو"، و"#فلسطين_قضيتي"؛ للدفاع عن القضية الفلسطينية والتصدي للتطبيع مع "إسرائيل" في مواجهة وسم آخر حمل عنوان "#العدو" الذي أطلق دعماً لما ورد في مسلسل "مخرج 7".
يقول الكاتب والأكاديمي السعودي أحمد بن راشد بن سعيد، في معرض حديثه عن مسلسل "أم هارون": إن "إرادة التطبيع مع الكيان الصهيوني تتجلّى من خلال التركيز على مزاعم بالظلم تعرّض لها يهود في الكويت إبّان صعود الحركة الصهيونية، ثم النكبة الفلسطينية".
وأكمل في تغريدة عبر حسابه في "تويتر" قائلاً: "لا يوجد أي تفسير لهذا العمل خارج نطاق كسر الحواجز مع الكيان تمهيداً للاعتراف الرسمي به".
بدوره يرى الخبير في القانون الدولي، رامي عبده، أن الغاية من هذه المسلسلات "كي وعي الشعوب العربية"، موضحاً: "إننا أمام عمل ممنهج ومنسق ومرتب له بعناية منذ سنوات وليس مشاهد عبثية، بل عمل يصب في تحقيق غاية حددتها وزارة الشؤون الاستراتيجية لدى الاحتلال".
واستدل "عبده" في تغريدة ثانية على كلامه بأن "الجهة المنتجة لمسلسل أم هارون هي جهة رسمية بحرينية تعمل وتنسق بشكل مباشر مع وزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية".
أما الوزير الفلسطيني السابق باسم نعيم، فوصف في معرض حديثه عن "أم هارون" ما يجري بأنه يعتبر "موجة جديدة من التطبيع تبدأ من القاعدة نحو القمة (التطبيع الشعبي)، بعد أن فشلت الاستراتيجية القديمة بالتطبيع العلوي عن طريق الأنظمة، ويشمل كل أنواع التطبيع الناعم، والثقافي، والرياضي والأكاديمي".
وفي تغريدة ثانية قال "نعيم"، وهو عضو مكتب العلاقات الدولية بحركة "حماس: "نصطدم كل يوم بأخبار عن أعمال فنية جديدة، وخاصة من منطقة الخليج العربي، تمرر فكرة تطبيعية أو تعمل على تجميل صورة الاحتلال الصهيوني وتشرعن وجوده"، مبيناً أن الأسوأ تبرير هذا السقوط بـ"الهجوم على الفلسطينيين وحقوقهم الثابتة في فلسطين".
أما حساب يُدعى "جنرال الخليج" فأكد أن الهدف من "أم هارون" وضع "القطار على السكة الصهيونية"، معتبراً أن المسلسل "عرف تلاعباً كبيراً وتجاهلاً للتاريخ والدين والحقائق".
بدوره أبرز الباحث في شؤون الخليج السياسية، فهد الغفيلي، أهداف المسلسلين من وجهة نظر صنّاعه والقائمين عليه، مؤكداً أن الأفكار التي تحاول "إم بي سي" زرعها في عقول المشاهدين تندرج في سياق التطبيع مع الدولة العبرية.
وأوضح أن القناة المُمولة من حكومة آل سعود تريد أن تقول إن "إسرائيل" موجودة ولن تزول، في مخالفة لصريح القرآن وأحاديث الرسول، فضلاً عن كون القضية الفلسطينية تعتبر "جعجعة وكلاماً فارغاً".
ماذا عن الطرف الآخر؟
وفي رسالة بدت استحساناً لمسلسل "مخرج 7"، قال الصحفي السعودي المقرب من دوائر صنع القرار، عضوان الأحمري: إن "الفن رسالة وسلاح وقوة ناعمة".
وعلى خُطا "الأحمري" قال الصحفي السعودي المخضرم تركي الحمد، إن مشكلة الفلسطينيين منذ عام 1948 تكمن بإدراك الحقيقة بعد فوات الأوان، محذراً من اقتطاع مزيد من أراضيهم في حال لم يقبلوا بما يُسمى بـ"صفقة القرن".
أما الممثلة الكويتية المخضرمة حياة الفهد، التي تقوم بدور القابلة اليهودية في "أم هارون"، فبررت انخراطها في المسلسل قائلة: إن "الأجيال الشابة يجب أن تعرف فئة من البشر كانت وما زالت موجودة في عالمنا".
وبينت موضحة: "صحيح نحن لسنا معهم، لكن يجب علينا أن نتطرق لهم من خلال حقبة زمنية قديمة؛ لأن لدينا جيلاً من الشباب ليس لديهم معلومات عنهم"، وفق تصريحها لصحيفة "الأنباء" الكويتية.
وبموازاة ذلك دافع بحرينيون عن "أم هارون" وربطوها بـ"أم جان"، مستحضرين مقابلة تلفزيونية أجريت معها عام 1977، كما قالوا: إن "أشهر ولادة في تاريخ البحرين" تستحق التوثيق.
من جانبه استهجن الكاتب السعودي عبد العزيز الخميس مطالبة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بوقف عرض المسلسلين المثيرين للجدل لكونهما يروجان للتطبيع.
أما الصحفية البحرينية سوسن الشاعر فكتبت مقالاً في صحيفة الشرق الأوسط بعنوان "أم هارون.. الولادة التي ولدت على يدها"، قائلة: إن "العوائل اليهودية استوطنت البحرين منذ العشرينات ما زال العديد منهم موجودين ولهم كنيس للتعبد، وبيوتهم ومحلاتهم موجودة".
"الفن لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ينفصل عن الواقع وما يدور فيه من قضايا"، هكذا رد الكاتب والناقد الفني السعودي مبارك الخالدي، على مناقشة قضية التطبيع في الدراما، على اعتبار أنها من القضايا الملحة والمثيرة للجدل.
وأبدى الخالدي في حديث لصحيفة "الشرق الأوسط" قلقه من أن يصبح التطبيع "أمراً عادياً يُناقش كحال نقاش كرة القدم وغيرها من مواضيع مستهلكة".
ارسال التعليق