إزاحة هادي: حين تتملص الرياض وتستبدل جلدها في حرب اليمن
يعرف الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، أنه أُصعد إلى المركز الأول في اليمن، ليملأ مكانه موقتاً، فيما حُدد دوره وفق المبادرة الخليجية لإدارة البلاد لمرحلة ما بعد ثورة عام 2011 إلى حين انتخاب رئيس دستوري بعد عامين.
لكن هادي الذي توحي هيئته بأنه موظف من موظفي المناصب الوسطى وليس رئيسا، ظل، على مدى سنوات الحرب الطويلة، حجة لاستمرارها، إلى أن بات وجوده يشكل عبئا على مصالح السعودية التي لم تستطع إيجاد بديل «شرعي» له، يبقي حجة حربها قائمة.
لا يمكن فصل قرارات فجر الخميس التي أقيل بموجبها الرئيس اليمني المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، ونائبه علي محسن الأحمر، وأنيطت جميع صلاحياتهما بمجلس رئاسي مؤلف من ثمانية أعضاء، عن سياق التطورات على مستوى الهدنة الإنسانية والعسكرية المعلنة أخيرا في اليمن، فضلا عن الأزمة الأوكرانية، والتجاذب في العلاقات الأميركية - السعودية.
إلا أن العنصر الحاسم في ما وصف بـ«الانقلاب الأبيض» على هادي وإجباره على التنحي والجدل الدائر حول البديل ومن ثم نقل صلاحيات الرئيس إلى مجلس رئاسي، يكمن في مفهوم الشرعية الذي يعتبر جوهريا بالنسبة إلى التحالف السعودي - الإماراتي، كونه علة الحرب والحجة الأبرز لاستمرارها على مدى سنوات.
تعتقد المملكة أن المسرحية التي أقدمت عليها ستوفر لها الحجة للنأي بنفسها عن الحرب، وأن الخطوة المذكورة هي من ضمن الإجراءات الممهدة لوقف إطلاق النار وإحلال السلام، وأنه بإزالة هادي - رمز هذه الحرب - يزول أحد أهم أسبابها بعدما كان وجوده على رأس ما يسمى «الشرعية»، المشرع لها، والمحرض على استمرارها، وأن من شأن تلك الإجراءات أن تفتح الباب على ديناميات سياسية جديدة قد تحدث خرقا في جدار الأزمة، وإن كان من الصعب التكهن بتداعياتها على المدييْن المتوسط والبعيد، خصوصا أن بعض المكونات المشكل منها «المجلس الرئاسي» يستحكم فيها العداء.
اللافت في تشكيلة «المجلس الرئاسي» أن أعضاءه الثمانية لديهم خلفية عسكرية وأمنية، إذ يمثل أربعة منهم قوى وكيانات عسكرية مستقلة على الأرض، وهم: عبد الرحمن أبو زرعة ممثلا «ألوية العمالقة»، وطارق صالح ممثلا «حراس الجمهورية» في الساحل الغربي، وعيدروس الزبيدي ممثلا «المجلس الانتقالي الجنوبي»، وسلطان العرادة ممثلا فرع «حزب الإصلاح» في مأرب.
ويبدو أن السعودية هدفت من توزيع المناصب على الوكلاء الفاعلين، إلى إعادة ترتيب وضع وكلائها وتأطيرهم في هيكلية سياسية وعسكرية واحدة بعد الفشل الميداني وانسداد الأفق السياسي الذي خلفته مرحلة هادي، بما يمكن أن يوظف لمقتضيات مرحلة التفاوض مع صنعاء من منطلق عسكري وسياسي موحد.
أدركت السعودية، متأخرة جدا، أن الرهان على استمرار أسطورة «الرئيس الشرعي» خاسر، بل حتى أن الرئيس المقال أصبح، منذ وقت طويل، عقبة حقيقية أمام إمكانية خروجها من المستنقع اليمني، فيما تبين أن الحرب التي شنتها على اليمن بدعوى إعادته إلى العاصمة صنعاء، أسقطها الشعب اليمني منذ الأشهر الأولى للحرب. ولم يكن الاستمرار بالحرب، طوال السنوات الماضية، إلا من باب المكابرة والعناد والاستخفاف بقدرة الشعب اليمني والرهان على استسلامه.
افتقدت المملكة، مع مضي الوقت، الخطة السياسية للشروع في مسار اختيار البديل لهادي، في ظل استمرار الحرب التي تشكل تهديدا وجوديا لها. وهي أدارت الأذن الصماء لكل ممارساته، وتمسكت بتعويمه على رغم أدائه الضعيف وسوء إدارته وفساده.
والشيء نفسه ينطبق على فريقه، وعلى معظم أعضاء مجلس الرئاسة الجديد، ومنهم مقربون من هادي. وفي هذا الإطار، ينقل عن مسؤولين في المملكة، قولهم، إن «الحاجة الشديدة لهادي اقتضت الحفاظ عليه تحت أي ظرف. وعندما اكتشف أنه بات يشكل عبئا حتى على مصالحنا، وقفت العاصمة السعودية إزاء ذلك عاجزة عن التخلص منه وإيجاد البديل».
استوطن هادي العقل «الجمعي» لأصحاب القرار في المملكة باعتباره الرئيس المعترف بحكومته دوليا والذي يؤمن الغطاء القانوني والسياسي للحرب على اليمن، وأن لتنحيته، أو حتى موته، عواقب مدمرة على جهود الرياض في هذا المضمار. هكذا، بنيت السردية الإعلامية والسياسية للسعودية، بما اصطلح على تسميته «دعم شرعية هادي».
وهو نفسه اعترف، في مقابلة تلفزيونية، بأنه سمع بالحرب في الغيضة، مركز محافظة المهرة، أثناء هروبه من عدن إلى سلطنة عمان في الأيام الأولى للحرب.
على أن الضرر الذي مثله وجود هادي على رأس «الشرعية»، لم يقتصر على السعودية، بل انتقل إلى المعسكر المحلي التابع لدول التحالف والمناهض لجماعة الحوثي، إذ واجهت إدارة المملكة الكثير من التحديات داخل هذا المعسكر لم يكن بإمكانها، على رغم تكرار المحاولات، تذليلها.
وأثارت الخطوة السعودية انتقادات في صفوف الوكلاء المحليين على أكثر من صعيد، فحذروا من تداعيات استمرار التحالفات بين المكونات المحسوبة على «التحالف» في المستقبل، فيما يرجح مراقبون استحالة التوافق بين هذه المكونات المتقاتلة مناطقيا والمتباعدة عقائديا.
وفي هذا السياق، قال وزير النقل السابق، صالح الجبواني، إن قيام التحالف السعودي - الإماراتي بإيصال «الشرعية» إلى مرحلة الإهلاك الكامل، ثم الانقلاب عليها ومركزة قادة ميليشياتها في مجلس رئاسي غير دستوري يقود الدولة، سيشرعن الكانتونات القائمة وسيقود عملية تفكيك البلد، وصولا إلى مرحلة التقسيم اللاحقة، إن لم ينفجر قبل إتمام هذه العملية لعدم تجانسه.
وفكرة مجالس الرئاسة في اليمن قديمة، إذ تم اللجوء إليها سبع مرات منذ عام 1962 وجميعها فشل في تحقيق الأهداف التي شكلت من أجلها. وحديثا، وخصوصا في الحرب على اليمن، طرحت هذه الفكرة أكثر من مرة في المداولات السياسية، بما فيها المفاوضات التي جرت في الكويت عام 2016 بين السعودية وممثلين عن «الشرعية» من جهة، ووفد صنعاء من جهة أخرى، لكن اشتراطات السفير الأميركي لدى اليمن حالت دون الوصول إلى اتفاق.
ارسال التعليق