لا يعرفها الكثيرون.. حقائق هامة عن المقاومة الفلسطينية في مقال لسعد الفقيه
رغم ما قدمت المقاومة من تضحيات وإنجازات فقد وقعت في إشكالات أثرت في مسيرتها ونجاحها. بعض هذه الإشكالات اجتهادات خاطئة لا تقدح في الأمانة والمسؤولية وبعضها "انحراف وخيانة وتنكّب للمسيرة"
كشف المعارض والأكاديمي السعودي البارز الدكتور سعد الفقيه، عما قال إنها حقائق تاريخية هامة عن المقاومة الفلسطينية لا تزال غائبة عن معظم المهتمين بها، بعد أن حظيت باهتمام إعلامي وأكاديمي كبير خلال الأسابيع الماضية.
وفيما تسود اعتقادات خاطئة بأن المقاومة بدأت بعد الاحتلال البريطاني في ١٩١٧م، وعند آخرين يعتقدون أنها بدأت بعد إعلان إسرائيل ١٩٤٨م، وبعضهم يؤخرها جدا إلى ما بعد تأسيس المنظمات الفلسطينية الحديثة، أشار الفقيه في مقال له نشره على حسابه بـ”إكس” إلى أن المقاومة أقدم من هذا كله.
وأوضح: “إذ كانت الشرارة الأولى للمقاومة ردة فعل تلقائية على محاولات الهجرة التي حدثت في القرن التاسع عشر قبل المؤتمر الصهيوني الأول.”
تاريخ المقاومة الفلسطينية وحقائق هامة:
وفي سنة ١٨٩٢ قام الفلسطينيون من أهالي قرية الخضيرة وقرية ملبس -كما قال- بهجوم مسلح على مستوطنة “بتاح تكفا” بعد أن تكاثر فيها المهاجرون اليهود القادمون من خارج فلسطين.
وتلا ذلك في عام ١٨٩٨م هجوم قام به أهالي الكفرات شمال غرب الأردن على مستوطنات أقيمت في منطقة جرش، وأحرقوا المستوطنات وطردوا من فيها ولاحَقوهم إلى بيسان.
واستمرت المقاومة (سلمية ومسلحة) قبل وخلال الاحتلال البريطاني وبعد إنشاء إسرائيل بكافة الوسائل إلى أن وصلت إلى ما هي عليه الآن.
وروى سعد الفقيه في مقاله المدعم بالأرقام والوقائع، أن أعمال المقاومة الفلسطينية ترجمت بعد الاحتلال البريطاني في ١٩١٩ إلى عمل مسلح بمهاجمة مركز الهجرة اليهودية، واستمر القتال خمسة عشر يوما مع السلطات الإنجليزية، استشهد فيه من الفلسطينيين ٦٠ مجاهدا وجرح ٦٠٠ آخرين.
في نفس السنة صدرت عدة إعلانات من مؤتمرات وجمعيات ترفض “وعد بلفور” وتدعو للتمرد عليه، وتلتها عدة مظاهرات ضخمة في القدس وأعمال مسلحة ضد المستوطنات.
وأضاف أن كل هذا كان مؤشراً على وجود وعي كامل بخطر المشروع الصهيوني في هذا التوقيت، لكن حجم المؤامرة وهزيمة الدولة العثمانية وقوة الاستعمار ودعمه للمشروع الصهيوني لم تمكن الفلسطينيين من استدراك الأمر مبكرا رغم هذا الوعي.
تعددت نماذج النضال والاجتهادات فيه:
وشنت المقاومة الفلسطينية الكفاح المسلح، واستخدمت المظاهرات والعصيان المدني “الإضراب”، ومارست التحريض الديني والفتاوى، واستثمرت الكتابة والصحافة والإعلام، وبذلت جهدا في النشاط السياسي وتأليب الشعوب العربية والإسلامية وكسب المتعاطفين من الشعوب الأخرى.
وبهذا لا يمكن لأحد أن يلوم الفلسطينيين أنهم تركوا باباً من أبواب الجهاد لم يطرقوه أو نوعا من أنواع النضال لم يستخدموه. بل إن الجهاد الذي بذله الفلسطينيون يعتبر دروسا تاريخية في النضال الشامل لحركات المقاومة. والتوثيق الذي صاحب هذا النشاط رفع ذكر رموز في التاريخ وأعلى شأنهم في ضمير الفلسطينيين والعرب والمسلمين.
النشاطات التي قدمتها المقاومة والتي شملت العسكرية والاعلامية والسياسية وغيرها، كانت متميزة كما ونوعا. أما الكم فيخفى عن كثير من الناس أن عدد العمليات التي نفذتها المقاومة منذ انطلاقها عشرات الآلاف من العمليات منها ٤ آلاف عملية خلال الثورة الكبرى في فلسطين بين ١٩٣٦ و١٩٣٩. وفي نفس الفترة كانت المظاهرات والإضرابات ناجحة جدا إلى درجة أن الحكومة البريطانية وسّطت حكاما عربا لإقناع اللجنة العربية العليا بإيقاف الإضراب.
وفي نفس السياق قدمت المقاومة أعمالا نوعية من الوثائق والدراسات والإحصاء كما أسست عددا من مراكز الدراسات والمؤتمرات والإصدارات والنشاطات الإعلامية والأكاديمية. وفي السنوات الأخيرة نجحت المقاومة في الاختراق المضاد للعدو والتلاعب به أمنيا وسياسيا.
مجاهدون ساهموا في المقاومة من خارج فلسطين:
وحول المشاركة العربية المسلحة في المقاومة الفلسطينية في بوادرها الأولى لفت “الفقيه” إلى أن الكثير من المجاهدين الذين ساهموا في المقاومة كانوا من خارج فلسطين. وعلى رأسهم الشهيد عز الدين القسام نفسه المولود في جبلة التابعة للاذقية في سوريا.
وكان معه من سوريا (سعيد العاص ومحمد الأشمر) فضلا عن عدد كبير من المجاهدين الذين قدموا من شرق الأردن ومصر ومن شبه القارة الهندية خلال مسيرة الكفاح قبل أن تغلق الحدود.
وكان دعم الشعوب العربية لمناهضة الصهيونية رد فعل طبيعي بسبب الشعور بالمسؤولية تجاه قضايا الأمة عموما والمقدسات خصوصا. وظهر ذلك في مساهمة مجاهدين عرب من خارج فلسطين ونشاطات دينية وسياسية في بلدان عربية ضد الصهيونية.
ففي عام ١٩١٤ تشكلت جمعية مناهضة الصهيونية في الأزهر، وفي عام ١٩١٩ انعقد المؤتمر السوري العام من أجل مناهضة الصهيونية وأعلن رفضه لوعد بلفور. هذا فضلا عن عشرات الفتاوى من علماء العالم العربي مع الجهاد في فلسطين وضد الصهيونية.
الحكومات العربية ودعم الصهاينة:
وأكد المعارض السعودي في مقاله أيضا أن الحكومات العربية كان لها دور داعم للصهاينة بشكل مباشر أو غير مباشر.
والسبب-كما قال- هو أن الحكومات كانت معظمها خاضعة للاستعمار، خضوعا صريحا قبل التحرر الشكلي ومغلفا بعد التحرر.
وكان أول دور تثبيطي هو ما قام به الملوك العرب وتحديدا الملك عبد العزيز، والملك غازي ملك العراق، والأمير عبد الله أمير شرق الأردن، بمناشدة اللجنة العربية العليا بإيقاف الإضراب عام ١٩٣٦ بناء على وعود “صديقتنا” بريطانيا.
وكان هذا الإضراب قد أرهق الحكومة البريطانية وكان إيقافه ضارا بالمقاومة ونافعا للصهاينة.
من الخذلان إلى الخيانة:
لم تكن المواجهة العسكرية هي التحدي الوحيد الذي واجه المقاومة الفلسطينية بل إن التحديات شملت كل ما يمكن أن يخطر في البال. وفي مقدمة هذه التحديات زرع الجواسيس وشراء التنازلات والحصار السياسي وابتزاز المعتقلين والابتزاز بهم واغتيال المخلصين ودفع المشبوهين للمقدمة وانحراف فئات كاملة.
وعرج الكاتب على ما قال إنه “الخذلان الذي تحول إلى خيانة” مشيراً إلى خيانات حرب ١٩٤٨ وحرب ١٩٦٧ واعتقال وتعذيب المجاهدين المصريين العائدين من الجبهة في ١٩٤٨. أو في أيلول الأسود أو في تل الزعتر أو في الضغط على منظمة التحرير لتقديم التنازلات في مدريد وأوسلو.
ثم بعد أن تحولت المنظمة نفسها إلى سلطة عربية وساهمت في دعم الاحتلال ضد المقاومة. هذا فضلا عن إقفال الحدود الأردنية والأوامر بإطلاق النار على كل متسلل للجهاد في فلسطين، وحصار غزة من قبل النظام المصري بعد الحسم في ٢٠٠٧.
ووفق مقال سعد الفقيه الذي تلاحقه السلطات السعودية لانتقاداته المستمرة لسياسات النظام السعودي، فإن الدول الداعمة للمشروع الصهيوني هي أقوى الدول في العالم طبقا لمراحل الصراع.
وأضاف: “في فترة ما قبل تأسيس الكيان كانت بريطانيا قد وضعت كل ثقلها في إنجاح هذا التأسيس ولهذا كانت بريطانيا هي الخصم الأهم. وبعد التأسيس صارت أمريكا في مقدمة الداعمين للكيان بعد أن صارت هي الدولة الأقوى والأغنى والأكثر تأثيرا ونفوذا في العالم.”
وتابع سعد الفقيه أن المقاومة تأثرت بمثل هذه التحديات وقدمت خسائر ضخمة ومرت بسبب ذلك بمحطات ضعف تطول مدتها بعض الأحيان أو تقصر، لكن جذوتها لا تهدأ وتعود بقوة كما لو لم يحصل لها شيء.
وكان من أخطر هذه التحديات شراء التنازلات وانحراف فصائل كاملة عن الطريق وتحولهم لصالح الصهاينة. وكادت هذه الحيل أن تقضي على المقاومة لولا وعي الصادقين فيها وتعاملهم معها كما ينبغي.
وتناول الأكاديمي السعودي بعدها تضحيات المقاومة التي قدمت على مدى أكثر من قرن عشرات الآلاف من الشهداء من جنودها ومئات من قادتها بل من كبار قادتها. وفي مقدمة القادة المضحين قبل تأسيس الكيان الشيخ عز الدين القسام، والشيخ كايد المفلح وحسن سلامة ومحمد سعيد العاص.
وبعد تأسيس منظمة التحرير اغتالت إسرائيل إما بنفسها أو عن طريق عملائها عددا كبيرا من قيادات المنظمة، ثم بعد ظهور حماس اغتالت (الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي ويحيى عياش، ونزار ريان واسماعيل أبو شنب وإبراهيم المقادمة وجمال منصور وجمال سليم وصلاح شحادة وغيرهم).
ومن الجهاد الإسلامي اغتالت إسرائيل (فتحي الشقاقي وطارق عز الدين وخليل البهتيني وجهاد غنام وغيرهم.)
وسوى الاغتيالات فقد كان معظم قيادات المقاومة في حالة خطر دائم وبعضهم في حالة غربة دائمة وقلق من خيانات الحكومات العربية والاختراق من عملاء الموساد. وهذا يعني أنهم يعيشون معظم الوقت بعيدا عن أهلهم وأبنائهم بل ربما فقدوا أبنائهم وزوجاتهم قبل استشهادهم.
بدأت المقاومة الفلسطينية بكل أشكالها إسلامية جهادية ضد الاستيطان وضد الاحتلال البريطاني. واستمرت الراية هكذا إلى أن قُضي على الثورة الكبرى في ١٩٣٩ بعد تعاون ملوك العرب مع بريطانيا ضد الثورة. ثم بعد تأسيس إسرائيل استمر العمل الفدائي المتفرق براية إسلامية جهادية كذلك إلى بداية الستينات الميلادية.
وبحسب مقال “الفقيه” تأسست فتح ومنظمة التحرير على يد عدد مّمن تأثّر بالتياراتِ الإسلامية لكن سرعان ما خُطفت الراية منهم لصالح التيارات الوطنية والقومية واليسارية مع بقاء العاطفة الإسلامية في كثير من كوادر فتح. أما الجماعات الأخرى التي تأسست في الستينات مثل الجبهة الشعبية فكانت ماركسية أو يسارية لا علاقة لها بالإسلام ولذلك كانت كوادرها قليلة.
وانحسر الطرح الإسلامي في الستينات والسبعينات الميلادية إلى أن ظهرت الانتفاضة في الثمانينات فعادت العاطفة الإسلامية من جديد وتأسست حماس والجهاد الإسلامي واستحوذت على قلوب وعقول الفلسطينيين وتضخمت كوادرها بسرعة كبيرة.
أما في التسعينات فقد تحولت معظم كوادر فتح بعد أوسلو إلى السلطة وقبلت بدور المتعاون مع الاحتلال ضد المقاومة. وساهم ذلك في تحول كل الراغبين في مناهضة الاحتلال إلى الانضمام لحركتي حماس والجهاد.
ما مدى التخطيط والفكر الاستراتيجي في المقاومة؟
بدأت المقاومة بشكل تلقائي ومبادرات مبعثرة في الربع الأول من القرن العشرين ثم تحولت إلى عمل منظم وخطير جدا في الثورة الكبرى إلى أن أخمدت في ١٩٣٩. بعدها فقدت الزخم وعادت إلى العمل المبعثر الفردي أو بجماعات صغيرة إلى أن تشكلت مرة أخرى في منظمة التحرير وفتح والجبهة الشعبية في الستينات الميلادية.
كانت لهذه المنظمات أهداف وخطط وأهداف واضحة لكنها لم يكن لديها وضوح في بقية أركان الاستراتيجية، ولذلك تمكن العدو من صرفها عن أهدافها وتحويلها إلى خادم له.
أما حماس فَلديها استراتيجية كاملة الأركان بهدف نهائي واضح وأهداف مرحلية محددة ومعرفة دقيقة بالذات والكوادر والمؤيدين والحاضنة الشعبية وتصور دقيق عن العدو وسياسته وأساليبه وفهم عميق للمنطقة والعالم وخاصة الحكومات والشعوب العربية والقوى المؤثرة في المنطقة مثل أمريكا وروسيا وإيران وتركيا والخليج. ويبدو أن وضوح هذه الاستراتيجية هي أحد أسباب النجاح وله دور في اتخاذ قرار ما يسمى بالحسم في ٢٠٠٧.
أخطاء المقاومة وانحرافاتها:
رغم ما قدمت المقاومة من تضحيات وإنجازات فقد وقعت في إشكالات أثرت في مسيرتها ونجاحها. بعض هذه الإشكالات اجتهادات خاطئة لا تقدح في الأمانة والمسؤولية وبعضها انحراف وخيانة وتنكّب للمسيرة.
من النموذج الأول موافقة الثوار في الثلاثينات على مناشدة الملوك العرب إيقاف الثورة، ومنها ثقة المجاهدين بالحكومات العربية وعودتهم طواعية حتى يدخلوا السجون، ومنها الدخول في أحلاف بلا شروط. أما النموذج الثاني فأخطرُه التخلي عن المقاومة كليا والتحالف مع النظام الصهيوني ضد المقاومة.
واختتم الدكتور سعد الفقيه مقاله بالقول: “فهذه ليست كل الحقائق إنما هو اجتهاد فيما يظن أنه يغيب عن كثير من الناس، وإلا فالمقاومة الفلسطينية سِفرٌ ضخم لا تنقضي حكايته ولا يمل دارسه من دراسته. وإضافة إلى أن الإشارة إلى الحقائق المذكورة تذكير بها لأهميتها فإنه كذلك فتح للشهية لمعرفة المزيد عن المقاومة خاصة بعد الأحداث الأخيرة التي ذكرت الناس بأن القضية لا تختزل في خلاف الدولة والدولتين.”
ارسال التعليق