
عمالتكم لن تجديكم نفعا.. هكذا يبيعكم توأم الجنون والهمجية بثمن بخس
[جمال حسن]
* جمال حسن
سرب أحد المقربين من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الأخير شدد خلاله لقائه قادة ومسؤولي الدول العربية قبل أيام في نيويورك على هامش اجتماع الأمم المتحدة، أن "التطبيع لا يكفي بل على الدول العربية ان تدفع لاسرائيل تكلفة دمار الحرب، وكذا إعادة إعمار غزة ؛ حيث وافق المجتمعون بالتسديد دون أدنى اعتراض أو شروط.
ليس من العجب أن نرى دول مجلس التعاون بقيادة السعودية، يصرون وبالحاح كبير على ان يبقوا أذلاء وعبيد لدى راعي البقر الأمريكي ولن يتعظوا او يتعلموا مما جرى ويجري عليهم من مآسي ومخازي واذلال، ليس كل يوم بل كل ساعة ولحظة.. وكأني بهم يقولون وبصوت مرتفع "متعلم على الصفعات وجهي".
ففي كلمة له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، قال أمير دولة قطر تميم: أن نتنياهو يحلم بأن تصبح المنطقة العربية منطقة نفوذ إسرائيلي.. انهم يزورون بلادنا ويخططون لقصفها ومن الصعب التعامل مع هذه الذهنية؛ لكن سرعان ما جاء الرد على لسان محمد بن سلمان أن الدول الخليجية لا تزال متمسكة بالمبادرة العربية للسلام مع إسرائيل وحل الدولتين!!.
لطالما كانت الأنظمة الخليجية المطبعة والمنبطحة وعلى رأسهم السعودية والإمارات وقطر، تبحث عن نصر في المنطقة يذكر اسمها فيه حتى لو كان ذلك لصالح العدو الصهيوني؛ فتارة يجدونه في ضرب إسرائيل وأميركا لإيران وطوراً في تجريد حزب الله من سلاحه وآخر في التخلص من حماس وبعد إسقاط الأسد احتفلوا بالشرع لعله يشكل وجه السني العربي المنتصر.
بينما يضحك السفاح نتنياهو على عقولهم ليس من خلف الستار فحسب بل حتى في العلن وبكل صراحة، مخاطباً إياهم "كل هذا من صنع ايدينا فلا تفرحوا أنتم أْجراء ولستم شركاء"، وما الضربة العسكرية التي وجهها الى قطر بمساعدة الأردن والسعودية والعراق سوى نموذج صغير.
لنعود قليلاً الى الوراء، كيف تمكن العدو الإسرائيلي وفي يوم واحد من قصف سوريا ولبنان وغزة وتونس وقطر، خاصة وأن ما جرى في الدوحة ليس مجرد قصف عابر، بل طعنة في الظهر وخيانة لا يمكن سترها، غارات إسرائيلية تضرب قلب عاصمة خليجية راعية للمفاوضات بشأن الرهائن والحرب على غزة وبموافقة تل أبيب وواشنطن، وتستهدف الوفد القيادي المفاوض لحركة حماس؛ السؤال الذي لا يريدون الإجابة عنه: من سمح بمرور الطائرات الإسرائيلية حتى وصلت إلى قطر؟
فقد أجاب الخبير العسكري الأمني الصهيوني المقرب من نتنياهو "سابير ليبكين" للقناة الـ12 الاسرائيلية، إن "توقيت الهجوم الإسرائيلي على مسؤولي حماس في الدوحة كان بسبب توفر فرصة استخبارية خليجية فتحت أجواءها لتنفيذ الهجوم، متسائلاً: هل يعقل أن تقطع الطائرات كل هذه المسافة من تل أبيب حتى قطر من غير أن تمر فوق دول عربية؟ هل اختفت عن الرادارات الأمريكية؟ أم أن الأجواء فُتحت لها بتنسيق مسبق؟"
في اشارة واضحة كل الوضوح عن خيانة خليجية أمريكية مشتركة لقطر، تلك الإمارة التي كانت السباقة في عملية التطبيع مع العدو الإسرائيلي والإعتراف به ومنذ عقود طويلة، فكانت الضربة لها هي إعلان صريح من توأم الجنون والهمجية السياسية بأن لا قرار لبقراتنا ونحن من يملي عليها التنفيذ دون سؤال.
وهنا يطرح المراقبون سؤالا عن أسباب إختفاء كل منظومات الدفاع الجوية الخليجية في التصدي لهذا العدوان، مشددين أنه عندما تحلق طائرة مسيّرة يمنية، تتحرك الدفاعات الخليجية وتستيقظ راداراتها، وتُطلق عشرات البيانات عن “التصدي” و”الحماية”؛ لكن عندما تكون الطائرة إسرائيلية، فجأة تنام كل الصواريخ وتعمى كل العيون! لماذا؟ من يجرؤ على الإجابة؟
فكلما يشد الراعي وربيبته اللقيطة الحبل كلما ركنت وانحنت وانبطحت الأنظمة الخليجية المطبعة أكثر وأكثر وزادت مرونة لاستحلابها مادياً وسياسياً وبلا كرامة وعزة، حتى لم يعدوا يعدوّن حتى ضمن البقر فما بالك بالبشر؛ ما يشير إلى قرب تحقيق مقولة هنري كيسنجر قبل 14 عاماً في حديثه لصحيفة "ديلي سكويب" الأمريكية بقوله: " إن ما يحدث حاليا في الشرق الأوسط، من حروب داخلية (الجماعات الارهابية المسلحة) وعدم استقرار، هو تمهيد أميركي لحرب عالمية ثالثة؛ وإن من لا يسمع قرع طبول الحرب العالمية الثالثة فهو أصم".
ثم يذكر كيسنجر الآلية التي ستقود لهذه الحرب المزعومة والتي نعيش اليوم مقدماتها غيرالمكتملة، حيث أشار إلى أن "الجيش الأمريكي سيقوم باحتلال سبع دول في الشرق الأوسط (دول مجلس التعاون والعراق) نظرا لأهميتها الاستراتيجية، خصوصا وإنها تحتوي على البترول، وموارد اقتصادية مهمة أخرى، وموقع جيواستراتيجي يمثل قلب العالم؛ مشيراً إلى إن ذلك سيتحقق بعد ضرب إيران.
وما يزيد الطين بلة هي اعتياد وإدمان قادة البلدان العربية الخليجية على سياسة الإنبطاح والذل والركون وتنفيذ رغبات وإملاءات راعي البقر الأمريكي مهما كانت محقرة ومذلة لهم سعياً منهم البقاء في عروشهم لوقت أطول، فيما حقيقة ما يجري تؤكد بأن عمالتهم هذه ومهما أتسع نطاقها وزاد الدفع للبوفالو الطائش لن يجديهم نفعاً، القرار صدر بزوال العروش لتحقيق "إسرائيل الكبرى".
ففي هذا الإطار قالها المبعوث الأمريكي "توم براك" وبكل وضوح ودون أدنى شك، "أن المنطقة الخليجية وبلاد الشام مجرد “عشائر وقرى”، وأن الدول الحالية لم تكن سوى صناعة بريطانية ـ فرنسية!!؛ وأن الحلول ستُطرح تدريجيا بدءاً بسوريا ولبنان والأردن وصولًا إلى غزة.. ثم دول البترول الخليجية، مشدداً على أن المرحلة الراهنة عصيبة ولا يُرى في الأفق حل واضح معتبراً أن "الحديث عن السلام ليس سوى وهم"!!.
رسالة الحليف الإستراتيجي الكبير والداعم الرئيسي لعروش الأنظمة الخليجية المتوارثة والدكتاتورية باتت واضحة بوضوح سطوع الشمس وهي "الشرق الأوسط العربي كله أمام مشروع تقسيم أو فيدرالية كحد أدنى!"، لا دور للملوك والأمراء فيه.. كش ملك؛ ولكن { إِنَّكَ لَا تُسۡمِعُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَلَا تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوۡاْ مُدۡبِرِينَ} سورة النمل الآية 80.
ثم نرى كم يكون السياسي الخليجي رخيصاً وذليلاً بعد كل هذه التصريحات والمطالبات من الراعي الكبير، والأمين العام لدول مجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي، يؤكد "إن شراكة دولنا مع الولايات المتحدة ضرورة استراتيجية تضمن الأمن للجميع"، وذلك خلال اجتماع لوزراء خارجية دول مجلس التعاون مع نظيرهم الأمريكي "ماركو روبيو"، على هامش الدورة الـ80 لأعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة في نيويورك.
وأكثر من ذلك نرى أن "توم براك" يكشف النقاب عن "السعودية تتجه نحو التطبيع مع إسرائيل ضمن ما وصفه باتفاق “سليمان” على غرار اتفاق “إبراهيم” الذي عقدته الإمارات بل وبخطى أسرع."؛ في الوقت ذاته نرى الرئيس التشيلي "غابرييل بوريتش"، يعلن ومن على منبر الأمم المتحدة بأنه "لا يريد أن يرا نتنياهو وعائلته يمزقون إربا بقصف صاروخي بل أريد أن أرى نتنياهو والمسؤولين عن الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني يقفون أمام محكمة العدل الدولية"!!.. أنه الفرق الشاسع بين الحرّ والعبد.
ارسال التعليق