
تركي آل الشيخ وجائزة الإيمي.. وهم الإنجاز على سلم التفاهة
[عبد الرحمن الهاشمي]
بقلم عبد الرحمن الهاشمي
احتفل المستشار تركي آل الشيخ، رئيس الهيئة العامة للترفيه في "السعودية"، بفوز الشراكة الإبداعية التي تجمعه مع شركة BigTime Creative Shop بجائزة EMMY "إيمي" الدولية، والتي تغطي منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا. وقد عبّر تركي آل الشيخ عن فرحته بهذا "التتويج العالمي" من خلال منشور عبر حسابه الرسمي على "إنستغرام" قال فيه: "أحتفل معكم بأول جائزة EMMY في الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا مع شريكنا الإبداعي BigTime Creative Shop..الحمد لله حققنا هالإنجاز لأول مرة".
في الواقع لا يمكن قراءة احتفال تركي آل الشيخ، بما وصفه بـ"أول جائزة إيمي في الشرق الأوسط"، خارج السياق الأوسع لسياسة الترفيه التي أضحت إحدى ركائز ما يسمى ب"رؤية 2030". فالمسألة لا تتعلق بجائزة فنية أو بإنجاز إبداعي محض، بقدر ما هي خطوة إضافية في مشروع يستهدف إعادة تشكيل وعي وهوية مجتمع الحجاز، وربطه بمنظومة قيمية وثقافية غربية الطابع، تُفرض عليه عبر الترفيه الجماهيري وصناعة الاستعراض.
منذ إنشاء "هيئة الترفيه"، تحوّل الترفيه إلى سياسة دولة ورهان مركزي في رؤية الأمير الحاكم. الغاية المعلنة هي تنويع مصادر الدخل، لكن الغاية الأعمق تكمن في صناعة مجتمع جديد، أقل ارتباطا بالتقاليد المحافظة وأكثر انخراطا في ثقافة استهلاكية عابرة للحدود. الفوز بجائزة إيمي، كما جاء في خطاب آل الشيخ، يُسوّق على أنه "إنجاز تاريخي" و"أمل عربي جديد"، بينما الحقيقة أن هذا "الإنجاز" لا يُقاس بمدى أصالته أو تأثيره المحلي، بل بقدر انضباطه لمعايير صناعة الترفيه الغربية.
إن رهان السلطة هنا مزدوج: أولا، تقديم صورة جديدة للمملكة كفاعل عالمي في صناعة الترفيه؛ وثانيا، إعادة تشكيل وعي الأجيال الصاعدة عبر مهرجانات الكوميديا، الحفلات الصاخبة، واستيراد "النجوم" من الخارج. بهذا، يتحوّل الترفيه إلى أداة لإعادة صياغة الهوية الجماعية، وإلى قناة لتطبيع العلاقة مع أنماط استهلاكية وقيم ثقافية لم يعرفها المجتمع من قبل.
وتبقى المفارقة القاسية في التوقيت. فبينما يستعد تركي آل الشيخ لإطلاق "مهرجان الرياض للكوميديا" ويحتفل بـ"الفوز التاريخي"، كانت غزة ولا تزال تنزف تحت وطأة العدوان الإسرائيلي الفوق وحشي وحصار الموت اليومي. فأي معنى يمكن أن يُعطى للاحتفال والضحك، في وقت يواجه فيه الفلسطينيون الإبادة والتشريد؟ بل وفي وقت تشهد فيه الدول الغربية تظاهرات واسعة لوقف جرائم الحرب في غزة! أليس هذا شكلا من أشكال الشراكة في حرب الابادة بغزة، حين يصبح :الترفيه" أداة لتغييب الوعي العربي عن مأساته المركزية؟
المسألة ليست أخلاقية فحسب، بل سياسية بامتياز. فالرفع من زخم "الترفيه" في لحظة إقليمية مشتعلة، يكشف عن رغبة في عزل المجتمع الحجازي عن قضاياه الكبرى، وإبعاده عن التفاعل مع المأساة الفلسطينية. الترفيه يتحول هنا إلى استراتيجية لقطع الحبل السري بين الهوية الشعبية الحجازية والعربية وبين فلسطين.
أما عن الجائزة ذاتها، فهي تكثيف لوهم الإنجاز. فجائزة الإيمي ليست سوى اعتراف خارجي بمعايير إنتاج تلفزيوني تجاري، لا علاقة له بخصوصية التجربة المحلية ولا بقيمة إبداعية نوعية. تقديمها على أنها "أول إنجاز عربي وإفريقي وآسيوي" ليس سوى خطاب تضخيمي يُراد منه إيهام المجتمع بأنه يدخل "العالمية"، بينما الواقع أن الجائزة لا تغيّر شيئا في موقع "السعودية" السياسي ولا الثقافي، ولا تُغني عن أزماتها العميقة في الداخل والخارج.
لغة الاحتفال بالجائزة؛ "الحمد لله حققنا هالإنجاز لأول مرة"؛ تكشف الطابع الاستعراضي للمشهد: تصوير الاعتراف الخارجي كأنه نصر وطني جامع، بينما يُوظف في الحقيقة لتعزيز موقع السلطة وتبرير سياساتها. هكذا تتحول الجائزة إلى أداة دعائية، أشبه بواجهة لامعة تخفي تحتها تصدعات كبرى.
إن الاحتفاء بالإيمي ليس حدثا فنيا محضا، بل يأتي كمؤشر على الاتجاه الذي تسلكه "المملكة" في إعادة صياغة هوية المجتمع، عبر تحويله من مجتمع وشعب متدين، محافظ، شديد الحساسية تجاه القضايا العربية، إلى جمهور استعراض عالمي، لا يعنيه ما يجري في غزة ولا ما يُرتكب بحق فلسطين. في هذا السياق، يصبح الترفيه سياسة متكاملة، هدفها ليس الترويح عن الناس وتنويع مصادر الدخل بل صياغة وعي جديد لهم، وقطعهم عن تاريخهم وموقعهم في العالم العربي.
وهكذا يتبدّى "الإنجاز" الذي يروّج له تركي آل الشيخ مجرد واجهة استعراضية لتلميع صورة السلطة، لا إنجازا حقيقيّا على صعيد الإبداع أو الثقافة. ف"الترفيه" في زمن المجازر الفلسطينية تحوّل إلى أداة لتفكيك الجذور الثقافية وتغريب المجتمع الحجازي، وإبعاده عن مسؤولياته الأخلاقية والتاريخية
وفي الوقت ذاته، يُستغل هذا "الإنجاز" لتسليط الضوء على نجاح تركي آل الشيخ في مهمته الموكلة إليه، تعزيزا لموقعه الشخصي، ونيلا لرضى أميره، في لعبة استعراضية تخفي هشاشة البنية السياسية والثقافية من خلف طلاء براق.
يحدث كل ذلك بينما يخرج "نتنياهو" ليعلن مسؤوليته الروحية عن إقامة "إسرائيل الكبرى"، في مشهد يُظهر حجم الانحراف عن الأولويات الوطنية والقومية؛ احتفالات ترفيهية تُسوَّق كإنجاز، على حساب المضمون الأخلاقي والبعد الإنساني للقضايا العربية الكبرى. بينما تُواجه غزة مصيرها الدموي.
ارسال التعليق