
قمة الدوحة الطارئة... الفرصة الضائعة!!
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبدالعزيز المكي...
صحيح إن الانطباع الذي كان سائداً عند أغلب المحللين والمراقبين، وحتى عند الرأي العام، إن هذه القمة، التي دعت إليها قطر بعد العدوان الصهيوني عليها، لاغتيال وفد التفاوض لحركة حماس، والذي يضم بعض القيادات السياسية للحركة وعلى رأسهم خليل الحية...
صحيح إن الانطباع الذي كان سائداً هو إن مثل هذه القمة سوف لا تختلف عن سابقاتها من القمم العربية الفاشلة، التي عقدت على مدى أكثر من ثلاثة عقود من الزمن... من حيث النتائج... لدرجة إن بعض المحللين أعطى مقدماً ما ستنتج عنه هذه القمة وكتب بيانها الختامي قبل انعقادها بثلاثة أيام، بسبب ما اعتاد عليه المحللون على مخرجات كل قمة فطالما هذه القمم تنتهي ببيانات (نستنكر وندين ونعبر عن الغضب)!! لكنها لم تتخذ أي إجراء أو خطوة عملية ضد أعداء الأمة العربية.
ولكن رغم أن هذا الانطباع السائد أصبح قناعة راسخة عند الرأي العام العربي والإسلامي، إلا إن القمة الأخيرة (قمة الدوحة) تختلف من حيث الظروف والتحديات المصيرية التي تواجه الأمة عن كل القمم السابقة، فهي تحديات كما قلنا مصيرية سوف تؤسس لحقبة تاريخية قادمة، تتوقف طبيعة ملامحها وماهيتها ومستقبل الأمة وهويتها فيها وجغرافيتها على ما تضطلع به الأمة وانظمتها المجتمعة او التي اجتمعت في الدوحة، من القيام بالأدوار المطلوبة لتشق طريقها وتقود سفينتها في عباب هذه الأمواج المتلاطمة... فالظروف الذي تمر بها الدول العربية والإسلامية اليوم تشبه الى حد ما الظرف الذي مرت به في بدايات القرن التاسع عشر، حيث تحولت الى ملعب للقوى الاستعمارية يوم ذاك، وانتهى بها المطاف كما هو معروف الى التقسيم والتجزئة والشرذمة، والاختلافات البينية بكل الوانها، والتي ما زالت تعاني منها الأمة الى اليوم، ويمكن أن نلخص ما تعانيه المنطقة والعالم من تحديات بما يلي:
1ـ تعيش المنطقة والعالم حالة عدم استقرار، وهشاشة على كل الأصعدة، فعدوان الإبادة الصهيونية في غزة يتواصل، ثم إن العدوانات الإسرائيلية طالت أغلب دول المنطقة وأخرها وليس أخيرها قطر! وهناك الحرب الأوكرانية ـ الروسية، والتوتر بين روسيا ودول الغرب، والتوتر بين أمريكا وفنزويلا والتوتر بين إيران وأمريكا والكيان الصهيوني، والتوتر بين الصين وأمريكا، و... و... فالعالم أو دوله أغلبها تعيش حالة من انعدام الوزن ويسابق بعضها الزمن لتأكيد حضوره وقوته ومحاولة فرض أجندته على الآخرين، ذلك بسبب انحدار القطب الأحادي أمريكا وحلفائها الغربيين وصعود الصين وروسيا وقوى أخرى ومنافستها لأمريكا، وأنهاء القطبية الواحدة، ولذلك فنحن نعيش مرحلة مخاض خطيرة وعسيرة، وللأسف يجري هذا المخاض بدرجة رئيسية وأساسية على ساحات الدول العربية والإسلامية تماماً كما حصل في بدايات القرن التاسع عشر، حيث كانت القوى الكبرى يومذاك بريطانيا والتي أطاحت بإلامبراطورية العثمانية، ووزعت اشلاءها على حلفائها فرنسا وإيطاليا ومن ثم أمريكا... وعليه فأن المنطقة العربية باتت مركز هذا الصراع بين القوة الأمريكية المتراجعة، والقوى الأخرى المتطلعة لإزاحة أمريكا والحلول محلها وسلبها مناطق نفوذها، كما ينعكس ذلك وبشكل يومي في العدوان والحروب المتتالية.
ومن ضمنها العدوان الصهيوني على قطر بهدف اغتيال قيادة حركة حماس، فهذا العدوان، لم يكن انتهاكاً للسيادة القطرية واستهتاراً بالقوانين والأعراف الدولية وحسب، وإنما هو جزء من المخاض الذي تشهده المنطقة، والذي تحاول أمريكا من خلال دعم العدو الصهيوني عسكرياً وإطلاق يده العدوانية بشكل مطلق تثبيت معطيات جديدة وحقائق جديدة في المنطقة لعلها تساهم في إعادة الروح والسطوة لقوتها المتهالكة، ما تطلب ذلك تفكيراً جدياً لقادة الدول العربية والإسلامية بالدور الذي يمكن أن تلعبه تلك الدول في خضم هذا الصراع لإخراج الأمة من ويلات ودمار هذه المخاضات، وإن تشق طريقها باقتدار نحو التطلع الى موقع رائد في عالم المستقبل الذي يتبلور بسرعة؟ فالكل ينشط من أجل تحقيق الطموحات التي يصبو إليها، فالصين تريد تثبيت النظام متعدد الأقطاب الذي بات يفرض وجوده يوماً بعد آخر، ولعل مؤتمر شنغهاي الأخير كان معلماً واضحاً في هذا الإطار... أما أمريكا فتحاول مع حلفائها إبقاء السطوة الأمريكية، وتعطيل مفاعيل التحرك الصيني الروسي المشترك، سيما بعد التحاق الهند والبرازيل بهما ودول أخرى... أما الدول العربية فليس لها أي دور يذكر.
2ـ في إطار الصراع الأمريكي الغربي مع الصين وحلفائها... وفي إطار محاولة أمريكا إستعادة قوتها وسطوتها العالمية، تبنت بعد مجيء ترامب استراتيجية جديدة وهي بالتركيز على إعادة أمريكا الى هيبتها وقوتها، ولذلك كان شعار ترامب في انتخاباته (أمريكا أولاً) البعض من المتابعين والمحللين إعتبر هذا الشعار إنكفاء أمريكي على الداخل، أي التركيز على الأوضاع الأمريكية الداخلية والتخفيف من الأهتمام بالأمور الخارجية... بينما على خلاف هذا التصور تحرك ترامب من أجل تقوية أمريكا، على عدة محاور، منها:
أولاً: المحور الاقتصادي، حيث وجه ضربات للقوى المنافسة لأمريكا ومنها الصين بل حتى لحلفائه الأوروبيين برفع الرسوم الجمركية على بضائع هذه الدول وغيرها!! ذلك بالإضافة الى شفط التريليونات من الدولارات من أبقاره العربية الحلوبة...
وثانياً: الاستعدادات العسكرية والتحركات السياسية والدبلوماسية لمواجهة روسيا والصين ومحاولة إضعاف أو حتى عرقلة اندفاعاتهما السريعة نحو فرض او التأسيس لنظام عالمي متعدد الأقطاب... كما تمثل ذلك في بعض جوانبه بلقاءات ترامب بالرئيس الروسي (فلادمير بوتين)...
ثالثاً: وهو الأهم التحرك على منطقة غرب آسيا بقوة ونشاط غير مسبوقين!! لأن الخبراء والمفكرين الأمريكيين الذين يقفون وراء نظرية ترامب يعتقدون إن مفتاح عودة القوة والهيمنة العالمية الأمريكية يكمن في السيطرة على منطقة غرب آسيا، أي الدول العربية والإسلامية، فهذه المنطقة غنية بالثروات الطبيعية والمعدنية والنفطية وبالامكانات الهائلة الأخرى التي أن سيطرت عليها أمريكا وعلى جغرافيتها، ستحكم العالم وستفرض هيمنتها مجدداً وستلحق الهزيمة بخصومها!! ولذلك منذ اليوم الأول لمجيئه الى البيت الأبيض بعد فوزه بالانتخابات وبدأ حربه الاقتصادية على العالم، تحرك وبشكل موازي نحو منطقة غرب آسيا، بل منذ حملته الانتخابية أطلق عدة إشارات لما يبيته البيت الأبيض للمنطقة حينما قال: "إن إسرائيل مساحتها صغيرة، حينما أنظر الى الخريطة لا بد من توسيعها وإضافة أراضي جديدة لها"!! ما يعني إن هذا المشروع كان معد مسبقاً وقد ارتكز هذا المشروع على المحاور التالية:
أـ ضرب ومحاصرة قوى ودول معادية لإسرائيل في المنطقة، وكل قوى رافضة للهيمنة الأمريكية واستمرار النهب الأمريكي لثروات المنطقة وصولاً الى إيران مركز هذه القوى، وفي هذه المواجهة نزل أمريكا والغربيين بكل ثقلهم من أجل تدمير قوى الرافضة، معتمدين علىالكيان الصهيوني والدعم المالي والاستخباري والعسكري الخفي منه والعلني لأوباشهم العرب والمسلمين في المنطقة.
إن أمريكا وحلفاءها الغربيين تبنوا نظرية استخدام القوى المفرطة لتحقيق الأهداف وتخلوا عن نظرية الدفاع والردع التي كانتا سادة قبل هذا التغيير، وعلى أساس هذا التغيير زودوا العدو الصهيوني أداتهم العسكرية في المنطقة بكل ما يحتاجه من الأسلحة والمعلومات والخطط العسكرية والمقاتلين، ولذلك، وللأسف أنهم حققوا نتائج مهمة في بداية المواجهة مع القوى الرافضة، إذ لا بد من الاعتراف بهذه الحقيقة لكنهم لم ينجحو في القضاء على هذه القوى، وما زالوا يتحركون في هذا الإطار لتحقيق هذا الهدف الخطير!
ب ـ شجع الأمريكان والغربيين ومعهم الصهاينة، تحقيقهم بعض الإنجازات في بداية المواجهة على الانتقال الى المحور التالي، وهو محاولة تفكيك البنى الجغرافية والسياسية وحتى الأمنية لبعض الدول العربية وصولاً الى تفكيك المنطقة وتجزئتها من جديد، وتسييد إسرائيل عليها!! ولذلك منذ مجيء ترامب وحتى اليوم تضاعف النشاط الأمريكي في إطار تشجيع الإقليات في الوطن العربي والإسلامي على تأسيس كيانات مستقلة، فهم شجعوا الأكراد على الانفصال عن العراق ودعموهم، وشجعوا البلوش في إيران وباكستان وهكذا... وإلى الآن يروجون لهذه الثقافة وينشأون في تلك المناطق ميليشيات سرية وعلنية تعمل ضد الحكومات المركزية في بلدانها... وكمقدمة لهذه الطروحات ظلت أمريكا والغرب ومعهم الكيان الصهيوني يروجون لمقولة إن خطوط سايكس بيكو قد انتهت ولا بد من تخطيط جديد للمنطقة يستند الى أسس جديدة، تلبي المعايير الطائفية والأخلاقية في المنطقة العربية والإسلامية، كما تمثل ذلك في استباحة دول هذه المنطقة بانتهاك سيادتها، ومساعي إطفاء مراكز القوة فيها، وفي الوقت الذي تولت أمريكا هذا الأمر فأنها أطلقت اليد للصهاينة، ليطال في اعتداءاته المتكررة واليومية تقريباً لبنان وسورية قبل سقوط نظام بشار الأسد والعراق، وإيران على مدى 12 يوم، وأخيراً وليس أخير قطر ربيبة أمريكا وحليفتها بمستوى حليف الناتو!! وبعد منحها ترامب 1.5 ترليون دولار في زيارته الأخيرة، وطائرة ملكية مرصعة بالذهب والماس!!
وتأكيداً لهذا المشروع الخطير نجد ترامب، ونتنياهو، خصوصاً الأخير يؤكدان ليل نهار، إن لهم مطلق الحرية في التحرك العسكري والقصف في أي بلد عربي اذا رأى في ذلك تهديداً، أي إن الصهاينة والأمريكان لا يبالون في انتهاك السيادة وفي قتل الشعوب وتدمير الإنسانية في هذه الدول! وهو ما يجري اليوم في غزة وفي لبنان وحتى في سورية بعد سقوط الأسد واستيلاء المجموعات الإرهابية على الحكم.
ج ـ التحرك الأمريكي الصهيوني على إقامة (إسرائيل الكبرى) من النيل الى الفرات، اذ وجد المفكرون الأمريكيون ونظرائهم الصهاينة في الأرض المحتلة ومن منطلق ديني توراتي مسيحي إن الوقت حان لإقامة (إسرائيل الكبرى) التي تضم بحسب التوراة كل من (بلاد الشام وجنوب تركيا وغرب العراق و80% من السعودية ونصف مصر حتى القاهرة!!
ولذلك راينا نتنياهو يؤكد باستمرار على طموحاتهم في تحقيق هذه (النبوءة) ويعتبر نفسه إنه (الملك اليهودي) الذي تتحقق في عهده هذه النبوءة!! ذلك من أجل منحه القوة والسيطرة والقوة الاقتصادية، و... و... التي تمكنه من تحقيق أهداف أمريكا والدول الغربية في نهب ثروات الأمة وفي تسخير إمكاناتها في خدمة المشاريع الأمريكية والغربية في المنطقة!!
إذن المنطقة كلها، بكل دولها في دائرة الاستهداف الأمريكي الغربي الصهيوني، بما فيها الأنظمة العربية المطبعة مع العدو، والأنظمة التي أغرقت ترامب بـ 5 تريليونات، فهذه التريلونات لم تشفع لهذه الأنظمة من العدوان الأمريكي الصهيوني لأن هناك مشروع أكبر وأخطر من هذه الإتاوات، حتى نتنياهو أعلن بغطرسة إن هذه الأنظمة يجب أن تطبع بشروطنا لا بشروطها قبل هذه التطورات، مؤكداً أنه من الآن فصاعداً يجب على هذه الأنظمة أن تنفذ ما نأمرها به... لذلك كان يفترض أمام هذا التحدي الخطير أن تتخذ الأنظمة العربية والإسلامية الإجراءات اللازمة لمواجهة هذا التحدي، لا أن تخرج ببيان هزيل تضمن شجب وانتقاد لفظي لا يقدم ولا يؤخر! فالقمة كانت فرصة ذهبية لهذه الأنظمة في إنقاذ نفسها من مشاريع التقسيم والتجزئة والتشظي، سيما وان الكثير من الكتاب والمحللين والخبراء انبروا قبل القمة وتقدموا باقتراحات ومشاريع رائعة من أجل أن يتبناها المجتمعون في هذه القمة ويشكل بعضها حلولاً ومصدات لحماية المنطقة من العبث الأمريكي الصهيوني، لو أقدم المجتمعون على تبني بعضها ولو بخطوات بسيطة مثل وقف التطبيع، وسحب السفراء من إسرائيل أو تقديم الدعم لأهل غزة على غرار ما يقوم به اليمن الشمالي او حتى قطع النفط عن أمريكا والدول الغربية، او التحرك الدبلوماسي والإعلامي لفضح جرائم العدو، ولفضح هذه المشاريع لكن العكس من ذلك، وجدنا إن بعض هذه الأنظمة من لا يزال يقدم الدعم العسكري واللوجستي للنظام الصهيوني، ويعلن أنه سيبقى حليفاً لأمريكا في حين إن أمريكا كان لها الدور الأساسي في العدوان الصهيوني على قطر!!
وعلى هذا الأساس لا يمكن التعويل على أنظمة (ابي الرغال) العربية، فأغلب هذه الأنظمة تعمل كبيادق وأداة من أدوات واشنطن لتنفيذ هذا المشروع ولا تبالي حتى لو طالها المنشار الأمريكي الصهيوني لشطر بلدانها!!
ارسال التعليق