
السلطات السعودية تتفنن باستهداف نشطاء حقوق الإنسان
يرسم تقرير للأمين العام للأمم المتحدة عن حالات التخويف والانتقام حول العالم، صورةً متواصلة من الممارسات القمعية التي تطال نشطاء حقوق الإنسان في السعودية، ويرصد نمطًا منهجيًا من العقاب الجزائي والإداري والأمني ضد أشخاص تعاونوا مع آليات الأمم المتحدة أو سعوا للتعاون معها.
وأدرج التقرير المملكة ضمن قائمة 32 دولة تمارس “الترهيب والانتقام” يؤكد أن القمع لا يقتصر على الاعتقال فحسب، بل يتسع إلى أدوات أكثر دقة لخنق الأصوات وإسكات الشهود.
ويظهر التقرير أن ثمة انتقالًا من سلوكيات تقليدية إلى مجموعة أدوات انتقامية مترابطة: محاكمات سرية أمام دوائر أمنية متخصصة، أحكام بالسجن تُتبع بحظر سفر طويل الأمد، وإجراءات تقييدية تطال حتى القضايا العائلية.
حالات محمد فهد القحطاني، عيسى النخيفي، لُجين الهذلول، وفوزان الحربي — التي رُصدت عبر سنوات في تقارير الأمم المتحدة — تقدم أمثلة نموذجية.
من ذلك احتجاز ومحاكمات وصفها فريق الأمم المتحدة المعني بالاحتجاز التعسفي بأنها تعسفية في حالات عدة، ثم إفراجات لاحقة لا تواكبها إزالة القيود التعسفية مثل حظر السفر وقيود الاتصال بالأسرة، ما يعني استبدال عقوبة السجن بقمع لا يقل تأثيرًا في تقويض قدرة الناشط على العمل والمشاركة العامة.
يركّز تقرير الأمين العام على استخدام دول عدة — بينها السعودية — قوانين «الأمن القومي» ومكافحة الإرهاب كغطاء لتقييد التعاون مع الآليات الدولية. هذان الإطاران التشريعيان يمنحان سلطات واسعة يمكن تكييفها ضد نشطاء يعبرون عن انتقادات أو يوفرون معلومات عن انتهاكات.
كما يوثّق التقرير ممارسات من قبيل الاستدعاءات الأمنية المتكررة، الضغوط على أصحاب العمل، ومناورات إدارية تقيد حرية الحركة وتخنق مصادر الكسب، وهي تكتيكات تهدف إلى خلق بيئة قمعية «تُقَنع» الناشط بالتراجع أو الخروج من الساحة.
ولا يتوقّف التأثير عند الحدود الوطنية؛ يشير الأمين العام إلى تصاعد موجة «القمع العابر للحدود» التي تستهدف معارضين وناشطين حتى وهم في الخارج.
هذا يشمل حملات التشويه، تهديدات لأفراد العائلة المتبقين داخل البلاد، ومحاولات لعزل المنفيين عن شبكة دعمهم الدولية. النتيجة: تواتر ظاهرة «الرقابة الذاتية» بين المدافعين الذين يخشون من عواقب التعاطي مع آليات الأمم المتحدة أو الحقوقية.
تؤدي سياسات الترهيب والانتقام إلى «تجفيف منابع» رصد الانتهاكات والمساءلة: مصادر المعلومات تقلّ، الشهود يتردّدون في الإدلاء بشهاداتهم، والمنظمات المدنية تُجبر على تبديل أولوياتها أو الانتقال للعمل السري.
على مستوى أوسع، ينعكس ذلك في ضعف آليات الوقاية الوطنية وعدم قدرة المجتمع الدولي على الحصول على معلومات مستقلة وموثوقة حول وضع حقوق الإنسان، ما يعوق المساءلة والإصلاح.
ويضع التقرير مطالِبًا واضحة: إنهاء ممارسات التخويف، رفع القيود التعسفية المفروضة على من أُفرج عنهم، وحماية نشطاء حقوق الإنسان من الانتقام.
كما يُستدعى المجتمع الدولي إلى تعزيز آليات الحماية للمدافعين وتمكين التعاون الآمن مع الأمم المتحدة. وفي حال استمرار أنماط القمع، قد تتصاعد الضغوط القانونية والدبلوماسية على المملكة، بما في ذلك إحالات وتوصيات من هيئات أممية ومؤسسات العدالة الدولية التي قد تُلقي بظلالها على علاقات الرياض الخارجية.
تأتي هذه الممارسات في سياق رغبة أجهزة الدولة في ضبط السرد العام وإدارة صورة البلاد داخليًا وخارجيًا، ولا سيما في فترات تسارع الإصلاحات الاقتصادية أو الانفتاح الدولي.
ويبدو الاستهداف وسيلة ثنائية الهدف: إخماد أي رواية بديلة عن الإصلاحات المعلنة من جهة، وإرسال رسائل رادعة لمن يفكر في توثيق أو كشف مخالفات أو ممارسات قمعية من جهة أخرى.
وتؤكد معطيات الأمم المتحدة أن الإفراج عن معتقل لا يكفي إذا رافقه حظر سفر واستهداف للعائلة ومنع من العمل المدني: تتحول حياة الناشط إلى سجن بلا قضبان. الحل يتطلب إجراءات عملية: إلغاء القيود التعسفية، ضمانات قانونية لحماية عمل المدافعين، فتح تحقيقات مستقلة في الادعاءات، وتمكين قدرات آليات الأمم المتحدة من العمل دون خوف.
من دون ذلك، ستبقى شهادات الانتهاكات تُدفن، ويستمر تآكل الشفافية والمساحة المدنية في بلد يسعى إلى تحديث صورته على الساحة الدولية، بينما تُحافظ ممارسات القمع على نسيجٍ من الإفلات من العقاب.
ارسال التعليق