
تبني ودعم أحفاد أبي الرغال لخطة ترامب حول حرب غزة
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبدالعزيز المكي...
ما يثير الاستغراب حقاً، هو مسارعة بعض الحكومات العربية والإسلامية الى تأييد واحتضان (خطة ترامب) لوقف العدوان الصهيوني على غزة، والمكونة من 21 بنداً!! رغم ان هذه الخطة وضعها وهندسها (بنيامين نتنياهو) وصهر ترامب (جاريد كوشنر) ورغم إن الصيغة لهذه الخطة التي أعلنها ترامب تختلف اختلافاً جذرياً عن الصيغة التي كان ترامب قد عرضها على مندوبي ثمان دول عربية طلب ترامب اللقاء بهم على هامش حضورهم في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثمانين الأخيرة... وبين تلك الدول الثمانية، مصر وتركيا وباكستان وإندونيسيا والسعودية... ولم يعترض الأعراب على هذا (اللعب) والخداع الترامبي، بل اعلنوا تبنيهم لخطة ترامب المعدلة صهيونياً والملبية لكل الأهداف الصهيونية، وبذلك وفروا غطاءً للخطة هذه، وخدعة للرأي العام، مأساوي ودموي يومياً، والتي أدت لحد الآن الى استشهاد وجرح أكثر من ربع مليون من سكان غزة، وأكثر الشهداء من النساء والأطفال!
فاندفع قطيع الاعراب وعلى رأسه السلطات السعودية نحو تنفيذ المقترح فوراً!! رغم التغيير الذي حصل في هذا المقترح ورغم الغموض والابهام الذي يكتنف أكثر بنوده، حتى أن وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي عقد اجتماعات في السعودية بهدف اقناع السعوديين بأن تنفيذ الخطة يجب أن يتم عبر آلية (شيء مقابل شيء)، وليس كل شيء مقابل لا شيء، ولكن دون جدوى! بل لم يعترض هؤلاء السعوديون وبقية الخليجيين على التغيير الجذري للخطة، فقط وزير الخارجية الباكستاني محمد اسحق هو الوحيد الذي أعلن إن هذه الخطة المعلنة هي ليست تلك التي عرضها ترامب في لقاءه مع هؤلاء في أمريكا!!
فماذا يعني إذن، الاندفاع السعودي نحو الإسراع في تنفيذ خطة نتنياهو؟ ولماذا السعودية وبقية أبقار الخليج الحلوبة على استعداد لتحمل تسويق هذه الخطة واعباءها المالية الضخمة، فهل تلبي هذه الخطة معشار ما يطمح إليه أهل غزة على الأقل من آمال وأهداف!؟
لنتوقف قليلاً وبشكل سريع عند هذه الخطة ونقرأ بعض بنودها بعمق حيث سنخلص الى الاستنتاجات:
1ـ إن الخطة الترامبية جاءت بعد سنتين من العدوان الصهيوني على قطاع غزة، حيث استخدم العدو كافة أنواع الأسلحة الفتاكة والمحرمة دولياً، زودته بها الولايات المتحدة، الى جانب تحريض ودعم مباشرين من ترامب (لسحق غزة وحركة حماس)!! ومنذ بدو العدوان وحتى اليوم اقترف العدو المذابح تلو المذابح بحق العزل من أطفال ونساء غزة، وما زالت مشاهد الدم والأشلاء المقطعة والأجساد المدفونة تحت الأنقاض تتكرر يوميا، ورغم إن العدو أباد أكثر من 70 ألف فلسطيني وأكثر من 150 ألف جريح، وهدم أكثر من 60% من البيوت والبنى التحتية في غزة، ورغم استمرار الحصار والتجويع... رغم كل ذلك لم يستسلم أهالي غزة ولم يحقق نتنياهو أي من أهدافه في القضاء على المقاومة الفلسطينية، على حماس تحديداً، أو حمل الشعب الفلسطيني في غزة على الاستسلام!! حيث كان ترامب قد منح نتنياهو كل هذه الفترة من أجل تحقيق تلك الأهداف وغيرها، ومنها أيضاً، السيطرة الأمريكية على غزة وتحويلها الى مراكز سياحية كما وعد ترامب!! من قبل وطالب حينها حركة حماس بالاستسلام وتسليم كافة أسلحتها وإلا سيحل الجحيم في غزة، ولكن هذا الجحيم جعل أهالي غزة أكثر صموداً وثباتاً أمام العدو رغم التضحيات الجسام التي قدمها أهالي غزة وما زال حتى اللحظة يقدمهاًً إذن خطة ترامب الصهيونية جاءت لإنقاذ نتنياهو من مأزق الفشل الذي بات يترك بصماته السيئة على العدو، داخلياً وخارجياً.
2ـ كما هو واضح، إن مشاهد الإبادة اليومية كشفت حقيقة إجرام العدو ونازيته، ومع تكرار هذه الإبادة أثارت ضمائر الأحرار من أبناء الشعوب الأوروبية، ويوماً بعد آخر اتسعت حركة الشعوب الأوروبية المناصرة للشعب الفلسطيني، وفضح نازية الجيش الصهيوني وقيادته، ثم انتقلت هذه الحركة الى الضغط على الحكومات الغربية لعزل العدو ولإيقاف ضخ الأسلحة إليه، الأمر الذي دفع بعض هذه الحكومات الى الاستجابة لهذه الضغوط، فاقدم بعضها على قطع أمداد العدو بالأسلحة، بل البعض منها اتخذت موقفاً متقدماً جداً ضد العدو، مثل الحكومة الاسبانية... ولذلك فأن الخطة الترامبية، بحسب تصور نتنياهو قلبت العزلة الدولية ضد حركة حماس، بدلاً من العدو الصهيوني بحسب زعمه... وقال في مقطع فيديو مصور وزعه مكتبه قبيل مغادرته الولايات المتحدة، بعد مشاركته في اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في دورتها الثمانين... قال نتنياهو: "لم أوافق أبداً على قيام دولة فلسطينية، ولا يوجد هذا الشيء في الاتفاق (خطة ترامب)" مضيفاً القول: "إننا نعارض بشدة قيام دولة فلسطينية وقد قال الرئيس ترامب إنه يتفهم ذلك، وبالطبع لن نوافق عليه"... من جهة أخرى قال زاعماً "إن العالم يضغط على حماس للقبول بخطة ترامب" وأضاف "بدلاً من أن تعزلنا حماس قلبنا الطاولة وعزلناها".
ولذلك فأن الخطة جاءت لإنقاذ نتنياهو والعدو من العزلة الدولية والتي ظلت تتفاقم لدرجة إن أكثر من 59% من الشعب الأمريكي انضم الى عزل هذه الكيان بسبب افتضاح جرائمه ودمويته التي يمارسها بحق الشعب الفلسطيني في غزة.
3ـ تنص خطة ترامب على وضع غزة تحت الوصاية او الانتداب الأمريكي الغربي، فهي تنص أي الخطة على تشكيل مجلس دولي لإدارة القطاع يترأسه الرئيس الأمريكي نفسه أي دونالد ترامب وبعضوية صهره كوشنر ورئيس الوزراء البريطاني السابق (توني بلير) وجميعهم ينتمون الى الصهيونية الدينية!! وهذا ينطوي على خطورة كبيرة على مستقبل غزة خاصة والقضية الفلسطينية برمتها عامة، إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار قول رئيس الاستخبارات السعودي السابق (تركي الفيصل) في تعليقه على العدوان الإسرائيلي على قطر، والذي اعتبره ناقوس خطر لجميع دول الخليج، " الفيصل حمل الولايات المتحدة القسط الأكبر من المسؤولية عن تراجع الثقة في النظام الدولي!! مشيراً الى إن أمريكا انحدرت من موقع الوسيط النزيه الى دور الحليف القوي لإسرائيل"!! موضحاً "إن هذا المسار جعل من الطبيعي أن يعيد أصدقاء وحلفاء واشنطن في المنطقة التفكير في مستقبلهم" رغم إن دول مجلس التعاون الخليجي... "ما زالت ملتزمة بإقامة أفضل الشراكات الاستراتيجية مع واشنطن على أمل أن تستعيد دور الوسيط النزيه"!! فاذا كانت واشنطن على هذا المستوى من الغدر والخيانة لحلفائها واصدقائها العرب الذين منحو ترامب في زيارته الأخيرة للمنطقة 5 ترليون دولار، فكيف نتوقع دوره والمجلس الذي يرأسه في غزة بمعية بلير وكوشنر!؟ لا شك إن ترامب سيحقق ما كان يرفعه من شعارات انتخابية تمحورت حول تجريد غزة من سكانها بعد قتلهم والفتك بهم، اذ بدون شك إن ترامب سوف يستكمل ما بدأه نتنياهو من حرب إبادة في غزة ولكن بأساليب أخرى!! وبالتالي سيمكن ترامب العدو من السيطرة على القطاع ومن القضاء على حركات المقاومة، وبتمويل عربي!! وبغطاء عربي!!
4ـ ترامب يريد أو هكذا تنص الاستراتيجية الأمريكية على أن تبدأ خطوات توسيع جغرافية (إسرائيل) او ما يسمونه مشروع (إسرائيل الكبرى) بضم غزة الى العدو، ومن ثم ضم الضفة الغربية ولبنان وسوريا... الى باقي حلقات هذا المشروع التوراتي، حيث إن البعد الديني له شكل دافعاً قوياً لتنفيذه على أرض الواقع عند شريحة كبيرة من كل الحزبين الأمريكيين الجمهوري والديمقراطي، ومنهم الرئيس ترامب!! حيث يعتقد الأخيرة، كما كل الذين يشاطرونه بهذه النظرية من السياسيين والمفكرين الأمريكيين إن تحقيق هذا المشروع سوف يدرأ الأخطار عن العدو الى الأبد وسوف يمكن إسرائيل من القضاء على كل إشكال المقاومة التي يمكن أن تنهض من ركام التخلف وسبات الأمة، وبالتالي ضمان سيطرة وهيمنة أمريكا على المنطقة العربية والإسلامية، واللافت أنه على الرغم من أن المسؤولين الأمريكان والصهاينة وعلى رأسهم ترامب ونتنياهو يتحدثون صراحة عن هذا المشروع وأهدافه، إلا أن المطبعين الأعراب، وبقية الأبقار الخليجية تمضي قدماً في دعم وتمويل مشاريع أمريكا والكيان الصهيوني ومنها خطة ترامب الأخيرة هذه!! والتي أتضح أنها تستهدف تقسيم هذه الدول، ذلك رغم إن رئيس الوزراء القطري السابق (حمد بن جاسم) كان قد حذر من تبعات خطيرة قد تترتب على التطورات الأخيرة في المنطقة، مشيراً الى مخططاًت لتقسيم بعض الدول، منها سوريا وفرض أوضاع قد تكبد المنطقة أثماناً باهضة لأعوام قادمة، وأكد ابن جاسم إن "دول مجلس التعاون الخليجي ستكون أول من سيتأثر بهذه التبعات، دعياً إياها الى تبني رؤية موحدة وواضحة إزاء ما يحدث في المنطقة!
وتركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودية السابق هو الآخر كان قد حذر دول مجلس التعاون الخليجي من استهتار الكيان الصهيوني والدعم الأمريكي المطلق لهذا الكيان!! وذلك عندما قصفت الطائرات الصهيونية وفد حماس المفاوض في قطر وقال: "إن هذا الاعتداء يثير تساؤلات جمة وجدية حول مصداقية التحالفات وموثوقيتها وهو أمر مؤسف أن يحدث في ظل وجود أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في العالم داخل قطر" مشيراً الى إن الهجوم الصهيوني على قطر بأنه انذار لدول الخليج كافة بأن أمنها المشترك بات مهدداً من دولة منبوذة لا تعبأ بأي قانون أو قاعدة تحكم العلاقات الدولية في إشارة الى العدو الصهيوني... على أنه بالرغم من كل التحذيرات فأن السعودية والإمارات أثارتا إعجاب حتى الصهاينة أنفسهم من الدعم الذي يقدمانه له في حربه على غزة!! فكما مر بنا فأن الصحفي الصهيوني (روتم سيلع) في مقال له في صحيفة (يدعوت احرونوت) كشف: "إن المملكة السعودية تبدو وكأنها تدافع عن الفلسطينيين لكنها في الحقيقة تقاتل معنا"!! وأضاف هذا الصحفي قائلاً: "تقاتل السعودية وإسرائيل نفس الخصوم بوسائل مختلفة"... واستطرد مشيراً الى المواقف العملية للسعودية من العدو قائلاً "إن السعودية سمحت باستخدام مجالها الجوي، وشوشت على طائرات مسيرة إيرانية كانت تتجه نحو إسرائيل"!! أما الإمارات أنشأت غرفة استخبارات في جزيرة (زقر) لصالح إسرائيل وأمريكا ضد صنعاء..."!!! وهكذا يدفع الأعراب مجدداً لترامب عبر صفقات العقارات، وترامب يحولها الى نتنياهو كأسلحة ودعم مالي مقابل الحماية التي تأكد زيفها للقاصي والداني!!
ارسال التعليق