
السلطات السعودية تستخدم الإعدام لنشر الرعب في صفوف الشعب
فيما يحيي العالم اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام في العاشر من أكتوبر 2025، تحت شعار”تفكيك التصور الخاطئ بأن عقوبة الإعدام تعزز أمن الأفراد والمجتمعات"، تبرز "السعودية" بين أكثر الأنظمة تنفيذا لعقوبة الإعدام في العالم، محافظة على موقعها ضمن المراتب الثلاث الأولى عالميًا.
وفي تقرير للمنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، رأت فيه أن الهدف من إحياء هذا اليوم يكمن في "تجديد الالتزام بالدفاع عن الحق في الحياة، ومراجعة سياسات الدول التي لا تزال تطبّق هذه العقوبة، رغم الإجماع الدولي المتزايد على إلغائها. في المقابل تستمر "السعودية" في تبرير هذه الممارسة عبر استخدام واسع وممنهج لحجة “الأمن”، في محاولة لتصوير القتل الرسمي كوسيلة لحماية المجتمع، بينما الواقع أن عقوبة الإعدام تُقوّض الأمان، وتُشيع الخوف، وتُضعف ثقة الناس في العدالة والدولة".
أشارت المنظمة الحقوقية في تقريرها الأخير إلى ما تنشره وكالة الأنباء السعودية بانتظام من بيانات وزارة الداخلية حول تنفيذ أحكام القتل، مؤكدة أن الأخيرة تعدّ المصدر الوحيد لتتبع أحكام ومعلومات عن عمليات الإعدام. تُفتتح هذه البيانات غالبًا بآيات قرآنية لإضفاء شرعية دينية على العقوبة. وفيما تضاعفت أرقام الإعدامات خلال السنوات الأخيرة، تُختتم البيانات بتبريرات متكررة تتحدث عن “استتباب الأمن”، و“تحقيق العدل”، و“ردع المجرمين”، لربط هذا الخطاب العقوبة بالأمن الوطني والاجتماعي.
من بين الأمثلة على هذا الخطاب المتكرر:
“تؤكد وزارة الداخلية الحرص على استتباب الأمن وتحقيق العدل، وقطع دابر كل من يحاول المساس بأمن الوطن أو تعريض وحدته للخطر، وأن العقاب الشرعي سيكون مصير كل من تسوّل له نفسه ارتكاب ذلك قطعًا لشره وردعًا لغيره.”
“تؤكد الحكومة حرصها على حماية أمن المواطن والمقيم من آفة المخدرات، وإيقاع أشد العقوبات بحق مهربيها ومروّجيها، لما تسببه من إزهاق للأرواح وفساد في النشء والمجتمع، وتحذر كل من يقدم على ذلك بأن العقاب الشرعي سيكون مصيره.”
“تحرص الحكومة على حماية أمن الوطن، وإيقاع أشد العقوبات بحق مرتكبي الجنايات العسكرية الكبرى، وتؤكد ثقتها برجال القوات العسكرية الأوفياء الذين برّوا بقسمهم وضحوا بدمائهم حفظًا لأمن الوطن ومقدساته.”
“تؤكد الحكومة حرصها على استتباب الأمن وتحقيق العدل وتنفيذ أحكام الشريعة الإسلامية في كل من يتعدى على الآمنين ويسفك دماءهم، وتحذر في الوقت نفسه كل من تسوّل له نفسه الإقدام على مثل ذلك بأن العقاب الشرعي سيكون مصيره.”
تُظهر الممارسات الرسمية أن الهدف من استمرار الإعدامات في "السعودية" يتجاوز العقوبة الجنائية، ليصل إلى استخدامها كوسيلة لترسيخ الخوف والسيطرة السياسية.
وذكرت المنظمة أن محمد بن سلمان في مقابلة تلفزيونية له مع قناة (فوكس نيوز) عام 2023، لم يُنكر صدور حكم أولي بالإعدام على المعتقل محمد الغامدي بتهم تتعلق بالتعبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بل أكد أن “القضاة في السعودية يصدرون أحكامًا كهذه وفق نظامهم القضائي.” على الرغم من تخفيف الحكم لاحقًا في الاستئناف، إلا أن التصريح بحد ذاته يعكس حقيقة مرعبة أن أي شخص يمكن أن يواجه خطر الإعدام لمجرد رأي أو منشور.
في العديد من الحالات، يظهر التلاعب والتهويل الذي تستخدمه "السعودية" لتبرير الإعدام. ففي قضية القاصر جلال لباد الذي أعدم في سبتمبر/أيلول 2025، وثقت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان تضخيم البيان الرسمي للتهم الموجهة إليه فرغم أن التهم الأساسية كانت تتعلق بمساعدة طبية “لمطلوبين”، قال البيان انه متورط في قضية خطف وقتل.
وبالمثل، حاليا يواجه عدد من الشخصيات الفكرية والدينية أحكامًا بالإعدام لأسباب تتعلق بمواقفهم أو آرائهم، مثل الداعية سلمان العودة الذي تُوجَّه له تهم سياسية تتعلق بتعبيره عن الرأي، والباحث حسن المالكي الذي يواجه تهمًا بسبب كتاباته الفكرية والدينية.
إضافة إلى ذلك، خلال السنوات الأخيرة، نفذت "السعودية" عددا من الإعدامات الجماعية كوسيلة لإنتاج حالة من الخوف الجمعي داخل المجتمع. وغالبًا ما يتم دمج التهم السياسية والجنائية في بيانات رسمية واحدة، في محاولة لتشويش الرأي العام وتبرير العنف الرسمي تحت غطاء القانون. هذا الأسلوب لا يعكس فقط غياب الشفافية في الإجراءات القضائية، بل يهدف أيضًا إلى طمس البعد السياسي في القضايا وتحويلها إلى جرائم جنائية عادية، بما يسمح للنظام بتسويقها على أنها “إحقاق للعدالة”.
يترافق استمرار وتزايد استخدام عقوبة القتل مع توثيق لانتهاكات جسيمة في المحاكمات، وشوائب عميقة في نظام العدالة. وعلى الرغم من انعدام الشفافية يمكن تتبع ممارسات منهجية في مختلف القضايا من بينها:
التعذيب وسوء المعاملة: يتعرض المعتقلون في "السعودية" للتعذيب الجسدي والنفسي بهدف انتزاع اعترافات، تشمل الضرب، والحرمان من النوم، والعزل الانفرادي، وأحيانًا التهديد بالاعتداء على الأقارب..
انتزاع الاعترافات تحت الإكراه واستخدامها كأساس للحكم: يعتمد القضاة في كثير من القضايا على اعترافات قسرية يتم توثيقها رسميًا رغم إنكار المتهمين وتأكيدهم تعرضهم للتعذيب، وهو ما يتنافى مع مبدأ بطلان الأدلة المنتزعة بالإكراه المنصوص عليه في القوانين الدولية، مثل اتفاقية مناهضة التعذيب التي صادقت عليها "السعودية"..
الحرمان من الحق في الدفاع الكافي عن النفس: يواجه المتهمون صعوبات كبيرة في الوصول إلى محامين أو الحصول على الوقت الكافي لإعداد الدفاع، كما يُحرم بعضهم من حضور محاميهم أثناء التحقيقات أو الجلسات الأولى..
التمييز الممنهج ضد الأجانب: يشكّل العمال المهاجرون نسبة كبيرة من المحكومين بالإعدام في قضايا المخدرات، وغالبًا ما يواجهون ظروفًا أكثر قسوة نتيجة لعوامل عديدة، حيث يحرم العديد منهم، بحسب تتبع المنظمة، من الحق في الترجمة أثناء التحقيقات أو الجلسات القضائية، وللتمثيل القانوني الفعّال. هذا التمييز الممنهج يجعلهم أكثر عرضة للأحكام الجائرة ويؤكد الطابع غير المتكافئ للنظام القضائي..
من أبرز صور استخدام الإعدام كأداة قمع وترهيب، وفقا للمنظمة، هو ما يلي مرحلة التنفيذ نفسها. إذ تتبع السلطات سياسات ممنهجة لمعاقبة العائلات، عبر حرمانها من حق الوداع أو استلام الجثمان أو إقامة العزاء.
يُضاف إلى ذلك منع العائلات من معرفة مكان الدفن، ما يجعل الإعدام يمتد كعقوبة حتى بعد الموت. وقد وثّقت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان حالات متكررة من الترهيب الممنهج لأسر الضحايا عند مطالبتهم باستلام الجثمان أو إقامة العزاء، كما رُصدت حالات رفض لترحيل الجثامين إلى بلدان الأجانب الذين أُعدموا، في انتهاك صارخ للكرامة الإنسانية وللأعراف الدينية والقانونية.
في اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام، أشارت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان إلى أن "السعودية" قد كسرت أرقامها القياسية في عدد الإعدامات مقارنة بالسنوات العشر الأخيرة. فقد نفذت السلطات خلال عام 2025 حكم الإعدام بحق 288 شخصًا من 17 جنسية مختلفة. كما وصل إجمالي عدد الإعدامات منذ تولي سلمان بن عبد العزيز الحكم عام 2015 إلى 1877 حالة.
شكلت قضايا المخدرات النسبة الأكبر من هذه الإعدامات بما يقارب 67%، تلتها قضايا القتل بنسبة نحو 19%، في حين بلغت نسبة القضايا ذات الطابع السياسي حوالي 9%.
ورأت المنظمة أن الهدف الحقيقي من تطبيق عقوبة الإعدام بهذا الشكل الواسع لا يرتبط بحماية الأمن، كما تدّعي السلطات، بل يهدف إلى تكريس الخوف وتعميق السيطرة السياسية. وأكدت المنظمة أن الخطاب الرسمي الذي يربط عقوبة القتل بالأمن ليس سوى تبرير لشرعنة القتل. وشددت على أن الحق في الحياة حق أساسي غير قابل للمساومة، وأن استخدام الإعدام كأداة حكم لا يمكن تبريره بادعاءات حماية الأمن.
ارسال التعليق