من الإعلام
مهرجان الرياض الكوميدي مصداق لازدواجية معايير النظام السعودي
تطرقت مجلة "فورين بوليسي" إلى مهرجان الرياض للكوميديا، واعتبرت أنه كمحاولة لتلميع الصورة عبر الفن، شكل المهرجان الرياض فشلاً ذريعاً.
ورأى التقرير أن النظام السعودي ينفق مليارات الدولارات على الترويج للفعاليات الثقافية والرياضية في محاولة لصرف الانتباه عن انتهاكاته المستمرة لحقوق الإنسان، لكنه هذه المرة نجح فقط في جذب الأنظار إليها.
واجه الفنانون المشاركون في المهرجان، الذي أُقيم من 26 سبتمبر إلى 9 أكتوبر، سيلاً من الانتقادات من المنظمات غير الحكومية ومن زملائهم الكوميديين. كتب نجم مسلسل Arrested Development ديفيد كروس: “أنا مشمئزّ ومصاب بخيبة أمل عميقة من هذا الشيء البشع كله”، مديناً الفنانين الذين “يبررون هذا الإقطاع الاستبدادي” مقابل شيك ضخم. أما الكوميدي البريطاني ستيوارت لي فانتقد “الأوغاد الأنانيين عديمي الأخلاق الذين يأخذون المال السعودي ليؤدوا عروضهم”.
وكتب أستاذ جامعة تولين أندرو ليبر في مؤسسة كارنيغي أن “النقاش حول حرية التعبير في "السعودية" خلال الأسبوعين الماضيين كان أكبر بكثير مما حدث عندما أعدم النظام السعودي صحفياً بتهمة تتعلق بالأمن القومي في يونيو الماضي”. هذا الصحفي، تركي الجاسر، أسس موقع المشهد السعودي الإخباري، لكن من المعروف في أوساط المعارضين أن السبب الحقيقي لاعتقاله وتعذيبه وإعدامه هو حسابه الساخر المجهول على تويتر الذي كان يسخر من النظام. مثل كل الدكتاتوريين، يخشى محمد بن سلمان من الكوميديين، والسخرية منه تُعد جريمة عقوبتها الإعدام.
اعتبرت المجلة الأميركية أن "السعودية" تعيش أزمة إعدامات غير مسبوقة. في العام الماضي، أعدمت السلطات 345 شخصاً، بعد أن كان الرقم القياسي السابق 196 في عام 2022. هذا العام، يسير النظام نحو تحطيم رقمه الدموي، إذ تم تنفيذ ما لا يقل عن 292 عملية إعدام خلال أكثر من تسعة أشهر بقليل.
في عام 2023، حللت منظمتا ريبريف والمنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان بيانات الإعدام لأكثر من عقد. وفي السنوات الخمس التي سبقت تولي بن سلمان ووالده سلمان الحكم، كان متوسط الإعدامات 71 حالة سنوياً. أما هذا العام، فيتجه النظام لقتل نحو 400 شخص — أي زيادة بمقدار خمسة أضعاف، لم تحظَ بتغطية كافية.
بالطبع، لن تسمع عن هذا في المهرجان. وبحسب المجلة، فقد نشرت الكوميدية أتسوكو أوكاتسوكا العقد الذي عُرض عليها (ورفضته)، وكان ينص صراحة على حظر أي مادة ساخرة تتناول العائلة المالكة أو الحكومة أو النظام القضائي أو الدين أو الثقافة السعودية. أما جيم جيفريز فقد أُزيل من جدول العروض بعد تعليق عرضي حول “صحفي قُتل على يد الحكومة” — في إشارة واضحة إلى مقتل كاتب عمود واشنطن بوست جمال خاشقجي.
الذين قبلوا المشاركة قدّموا تبريرات مألوفة. بعضهم اعترف بصراحة أنه يفعل ذلك مقابل المال. قال تيم ديلون: “يدفعون لي ما يكفي لأغضّ الطرف”، فيما قال بيت ديفيدسون بصدق: “أرى الرقم، فأقول لنفسي: سأذهب”.
وحاول ديف تشابيل أن يصور منتقديه كمنافقين، قائلاً في عرضه: “من الأسهل أن تتحدث هنا أكثر من أمريكا”. وربما في هذا شيء من الحقيقة عندما تضغط إدارة ترامب على القنوات لإيقاف الكوميديين الذين يسخرون من الرئيس، لكن في "السعودية"، أي شخص يقول نكتة مشابهة عن الحكام سينتهي به الأمر في زنزانة تعذيب أسرع مما يمكن أن تنطق عبارة “حرية التعبير”.
أما آخرون فزعموا أن لديهم نوايا نبيلة. قال لويس سي.كيه إن المهرجان يساهم في “انفتاح” مجتمع مغلق. وقال أوميد جليلي: “السماح بالعروض الدولية في "السعودية"، خصوصاً الكوميديا، يوسّع تدريجياً ما يمكن التفكير فيه وقوله في المجتمع. كل ضحكة على موضوع محظور تغيّر المعايير ولو قليلاً”.
واعتبرت المجلة أن "الشباب السعوديون يتمتعون اليوم بحريات لم يكن آباؤهم يتخيلونها، لكنها تأتي بثمن باهظ وبقيود صارمة. العقد الاجتماعي المفروض بين الحكومة والمواطنين يشبه تماماً العقد الذي قُدم للفنانين في المهرجان: مهما فعلت، لا تنتقد السلطات أبداً". وأوضح "الكوميديون الأميركيون الذين خالفوا البنود استُبعدوا، أما المواطنون السعوديون الذين يفعلون الشيء نفسه فيُعدمون".
وهنا تكمن الفجوة في منطق عزيز أنصاري، الذي قال إنه “فكّر كثيراً” قبل أن يقرر المشاركة. وأضاف: “هناك أشخاص هناك لا يوافقون على ما تفعله الحكومة، وليس من العدل أن نحمّلهم سلوك الحكومة”. لقد اضطررتُ إلى الفرار من "السعودية" والعيش في المنفى لأنني “لا أوافق على ما تفعله الحكومة”. تُركي الجاسر وجمال خاشقجي قُتلا لأنهما لم يوافقا أحياناً أيضاً.
وتذكر المجلة بأنه في أغسطس/آب الماضي، أُعدم جلال اللباد بتهمة المشاركة في مظاهرات للمطالبة بحقوق أساسية عندما كان عمره 15 عاماً. وأُعدم شقيقه فاضل في 2019 للأسباب نفسها، وشقيقهما الثالث، محمد، على قائمة الإعدام، بعد أن أيدت المحكمة العليا حكمه إلى جانب طفل آخر هو يوسف المناصيف، الذي اعتُقل أيضاً بسبب مشاركته في مظاهرة، وعُذّب حتى اعترف زيفاً واتُّهم بالإرهاب.
تحدث جيمي كار للمجلة عن كونه “مؤمناً مطلقاً بحرية التعبير”، لكنه تلقى أموالاً ضخمة لتلميع سمعة نظام استبدادي لا يتسامح مع أي معارضة. ففي "السعودية"، يمكن لنكتة واحدة أن تكون لها عواقب وخيمة، بل مميتة. الشيخ سلمان العودة يواجه حكماً بالإعدام بتهمة “السخرية والاستهزاء بإنجازات الحكومة”.
وأشارت المجلة أنه خلال الأسبوعين اللذين أُقيم فيهما المهرجان لم تُنفذ سوى ثماني عمليات إعدام. وفسّر الكاتب " أقول “سوى” لأن هذا يُعد فترة هادئة نسبياً في عام 2025، الذي شهد متوسط إعدام يزيد عن حالة يومياً. اثنتان بتهم تتعلق بالمخدرات، واثنتان بالقتل، وثلاث بتهم مرتبطة بالاحتجاجات، من بينهم محمد العمّار الذي أُعدم في اليوم الأخير من المهرجان بتهم “إرهاب” تتعلق بمشاركته في مظاهرات واعتصامات في القطيف خلال الربيع العربي".
وتساءل الكاتب ما الذي ينبغي على الفنانين والرياضيين المدعوين إلى "السعودية" فعله؟ واعتبر "نحن لا نقول إنه يجب عليهم مقاطعة المملكة — فالسعوديون يستحقون مشاهدة العروض والرياضة المميزة — ولكن نقول إن عليهم أن يأتوا وهم مدركون لما يفعلون، وأن يعترفوا بأنهم يساعدون في تطبيع نظام قمعي ووحشي، وأن يتقبلوا الانتقاد."
وأضاف الكاتب "نحتاج إلى مزيد من النجوم العالميين بشجاعة بطل الفورمولا 1 لويس هاميلتون، الذي شارك في سباق بـ"السعودية" ولفت الانتباه إلى إعدام القاصرين أثناء وجوده هناك. الصبي الذي ذكره، عبد الله الحويطي، مسجون منذ اعتقاله وتعذيبه وهو في الرابعة عشرة من عمره، وما يزال على قائمة الإعدام وقد يُعدم في أي لحظة."
هذا الأسبوع، سيكون أبرز نجوم كرة المضرب في الرياض للمشاركة في بطولة الملوك الستة. وفي ديسمبر، ستؤدي فرق موسيقية كبرى عروضاً في مهرجان ساوندستورم. الآن هو الوقت لأن يتحدث نظراؤهم، وأن يطرح الصحفيون الأسئلة الصعبة.
وختمت المجلة تقريرها بالقول "إذا تجرأ عدد كافٍ من الناس على رفع الستار البراق وكشف الواقع القاسي، فستفشل هذه الجهود في تلميع صورة "السعودية" عبر الرياضة والثقافة — تماماً كما فشل مهرجان الكوميديا. وهذا، في الحقيقة، سيكون أمراً مضحكاً فعلاً."
ارسال التعليق