هل تعلم
كيف بات رونالدو أداة قوة ناعمة في التبييض السعودي
يُسلّط التعاقد الضخم بين نادي النصر السعودي وكريستيانو رونالدو الضوء على مفارقة اقتصادية مثيرة في كرة القدم السعودية. فعلى الرغم من أن الفائز بـ"كأس الملك السعودي" يحصل على ما يزيد عن ، بينما تظل جوائز الدوري السعودي للمحترفين (التي قُدرت بنحو مليون جنيه إسترليني في موسم 2022-2023) غير معلنة حاليًا، فإن هذه المبالغ تبدو ضئيلة أمام راتب رونالدو في النصر.
تكلفة صفقة رونالدو تُقدر بـ673 مليون دولار أميركي على مدار عامين. هذا المبلغ يثير تساؤلات جدية حول كيفية تغطية النصر، حتى مع تحقيق أقصى استفادة من الإيرادات التجارية والرعايات، لراتب أساسي يبلغ 488 ألف جنيه إسترليني يوميًا، ناهيك عن المكافآت والحوافز الإضافية.
تتضمن الصفقة، بحسب التقارير، بنودًا مثل حصول رونالدو على حصة ملكية 15% في النادي، ومكافآت للفوز بالدوري أو الحذاء الذهبي، وبدل طائرة خاصة، و16 موظفًا بدوام كامل (منهم طاهيان وثلاثة بستانيين). ويصف جوناثان ليو، كاتب رياضي في صحيفة الغارديان، عقد رونالدو الجديد بأنه يُمثل تحولًا كبيرًا في مسيرة النجوم الرياضيين، حيث يُطمس بشكل متزايد الخط الفاصل بين "الرياضة" و"الأشياء الأخرى" المرتبطة بها.
السعودية ورونالدو: شراكة استراتيجية خارج الملعب:
التساؤل الأول الذي يطرح نفسه هو: ما الذي تحصل عليه "السعودية" تحديدًا مقابل هذا الإنفاق الهائل؟، وفق تساؤل ليو، بما أن نادي النصر مملوكٌ في غالبيته لصندوق السيادة السعودي الذي يضخ ثروات هائلة في دوريها المحلي بعيدًا عن قيود التكلفة أو قواعد اللعب المالي النظيف، فإن "رونالدو، في الواقع، أصبح موظفًا سعوديًا، وإن كان بامتيازات تفوق بكثير معظم العمال المهاجرين في البلاد".
على الصعيد الكروي، كان تأثير رونالدو واضحًا بإحرازه 99 هدفًا في 111 مباراة. ومع ذلك، لم يحقق النصر أي لقب كبير منذ وصوله، ووجد مهاجموه البارزون مثل جون دوران وساديو ماني أنفسهم في الظل لدرجة احتمالية رحيلهم هذا الصيف.
يشير الصحفي الرياضي الحاصل على جائزة أفضل كاتب رياضي في جوائز جمعية الصحافة الرياضية لعام ٢٠٢١، أن شائعات ترددت في الأشهر الأخيرة عن عقد قصير الأجل لرونالدو للمشاركة في كأس العالم للأندية، وهي بطولة تبدو مثالية له نظرًا لاعتمادها على نفوذ المشاهير والشهرة وقلة الجهد البدني المطلوب. سياسيًا وتجاريًا، لم يكن هناك ما يمنع ذلك. وبالتالي، يمكن الاستنتاج أنه بينما اهتمت العديد من الأندية بنجمه، لم يكن أي منها مستعدًا لدفع ثمن إعادة هيكلة نظامه بالكامل حول مهاجم يبلغ من العمر 40 عامًا، فقد سرعته منذ عام 2017 تقريبًا.
رونالدو: أيقونة رقمية وقوة ناعمة لصالح السعودية:
يلفت الكاتب الرياضي في "ذا غارديان" إلى أن ما يقدمه رونالدو في ملاعب كرة القدم حاليًا لا يمثّل سوى جزء صغير من جاذبيته الإجمالية. في عصرٍ تُعاد فيه صياغة القوة نفسها على غرار نفوذ وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يتداخل اقتصاد الاهتمام والاقتصاد الفعلي بسرعة، فإن كون رونالدو الشخص الأكثر متابعة على إنستغرام (والثالث على إكس بعد إيلون ماسك وباراك أوباما) أمر بالغ الأهمية. بطريقة ما، تجعل هذه الشهرة رونالدو أشبه بدولة مستقلة، فهو مؤثر بالدرجة الأولى ورياضي بالدرجة الثانية. أهدافه وتمريراته الحاسمة لا ترتبط بالضرورة بالجمهور الهائل الذي يجتذبه.
يخلص ليو إلى أن "ما لدينا هنا، في جوهره، هو إعادة تعريف للرياضي المحترف كنوع من الآلهة الأرستقراطية، القادر على بناء حقائق جديدة كليًا حول نفسه. حقائق تجعل من كأس العالم 2034 في المملكة العربية السعودية "الأجمل على الإطلاق"، أو تجعل الدوري السعودي للمحترفين "واحدًا من أفضل خمس دوريات في العالم"، كما صرح مؤخرًا: "إنه تنافسي للغاية، وأولئك الذين لا يعرفون ذلك ببساطة لم يلعبوا هنا". بالطبع، هذا ليس صحيحًا بأي مقياس؛ فتصنيف أوبتا يضع الدوري السعودي للمحترفين في المرتبة 29 عالميًا. وعندما تمتلك 659 مليون متابع على إنستغرام، فربما يصبح كل ما تقوله حقيقة بمجرد قوله".
ويتابع "على غرار التركيز المستمر على لياقته البدنية ووضعه كنوع من الإنسان الخارق، فرد متعالٍ، شكل أعلى من أشكال البيولوجيا، وإن كان لا يزال يمتلك قدرة لا تخطئ على تسديد الركلات الحرة مباشرة في الحائط. بالتالي، لم يعد النصر (وبدرجة أقل المنتخب البرتغالي) يدفع ثمن رونالدو اللاعب. ما يشترونه هو رونالدو الزعيم الروحي، آلة الاهتمام، الهالة، عضلات البطن، وتأثير القوة الناعمة. إنهم يشترون مكانًا في شبكته، وفرصة للسماح لأحد أشهر رجال العالم بتنفيذ أوامرهم".
صفقة تجارية وتحالف استراتيجي:
ربما يكون من المفيد اعتبار عقده الجديد بمثابة صفقة تجارية، تحالف استراتيجي بين نظامين ساخرين، يغرقان في قوتهما، ولهما رؤى اجتماعية متطابقة إلى حد كبير. "أنا أنتمي إلى المملكة العربية السعودية"، هكذا صرّح رونالدو بفخر عند إعلان عقده الجديد الأسبوع الماضي. وبالطبع، لقد خُدع العديد من نجوم الرياضة في مختلف الألعاب بإغراء الريال السعودي، وسيستمرون في ذلك. لكن هناك فرقًا جوهريًا بين قبول أموال دولة مارقة والدفاع عنها بنشاط على أوسع نطاق ممكن. لسنوات، كنا نتحدث عن الاستثمار السعودي كنوع من المعضلة الأخلاقية، وتوازن دقيق بين الدوافع المالية، ومخاوف السمعة، وحقوق الإنسان. أما بالنسبة لرونالدو، فمن الواضح أن مثل هذه المعضلة غير موجودة.
ارسال التعليق