اقتصاد
تراجع قدرة البنوك السعودية على الإقراض
تُظهر البنوك السعودية بوادر تراجع في الإقراض للمرة الأولى منذ سنوات. وفي تقرير لوكالة "بلومبيرغ" أكدت فيه أن الأمر تزامن مع تشديد السيولة وصدور لوائح مصرفية جديدة تجعل من الصعب مواكبة الطلب المتزايد على الائتمان.
وأشار التقرير إلى انخفاض القروض متوسطة الأجل التي منحتها البنوك المحلية بنسبة 5% في الربع الثالث، وهي أول انخفاض فصلي منذ عام 2022، وفقاً لبيانات جمعتها بلومبرغ. ويُعد ذلك أول مؤشر على التباطؤ بعد سنوات من النمو المتسارع الذي وصل إلى مستوى قياسي في يونيو/حزيران الماضي.
ومن المتوقع أن يتسع نطاق التراجع في المرحلة المقبلة، إذ تواجه البنوك زخماً اقتصادياً قوياً، وتباطؤاً في نمو الودائع، ولوائح جديدة ستلزمها قريباً بالاحتفاظ برؤوس أموال أكبر في ميزانياتها، وفقاً لوكالة “موديز” للتصنيف الائتماني.
قال أشرف مدني، نائب الرئيس وكبير مسؤولي الائتمان في موديز: "البنوك أصبحت أكثر انتقائية، فبعد أن كانت تتلقى عشر طلبات قروض، أصبحت تمنح ثلاثة فقط”.
وأضاف أن الحذر المتزايد سيؤدي في النهاية إلى انخفاض في عدد القروض الجديدة وتراجع نسبة القروض إلى الودائع من 115% هذا العام.
ولفتت "بلومبيرغ" في تقريرها إلى ما يواجهه المقرضون من تحديات متزايدة مع سعي النظام السعودي بهيئاته الرسمية والشركات إلى تمويل مشاريع “رؤية 2030” التي يقودها محمد بن سلمان، والهادفة إلى بناء قطاعات جديدة في مجالات مثل التمويل والذكاء الاصطناعي لجعل الاقتصاد أقل اعتماداً على النفط وتحويل الرياض إلى مركز عالمي للاستثمار.
ومع استمرار "السعودية" في تسجيل عجز في الميزانية، وتحديد صندوق الاستثمارات العامة أولويات إنفاق جديدة، وبقاء أسواق الدين المحلية في طور التطور، أصبحت البنوك المصدر الرئيسي لتمويل هذه الخطط. وقد زادت البنوك من اقتراضها الخاص لتلبية الطلب على القروض، من خلال إصدار ديون من المستويين الأول والثاني، لحسب ما جاء في التقرير.
وتضاف إلى التحديات لوائح البنك المركزي السعودي (ساما) التي سترفع متطلبات رأس المال بنسبة 1% في منتصف عام 2026.
ونقلت الوكالة عن جنيد أنصاري، مدير استراتيجية الاستثمار والبحوث في شركة كامكو للاستثمار، قوله "إن التأثير ينبغي أن يكون قابلاً للإدارة”، بينما ترى موديز أن المتطلبات الجديدة ستضغط على الميزانيات العمومية وتسرّع وتيرة تباطؤ الإقراض.
وأشار إدموند كريستو، المحلل الصناعي الأول في بلومبرغ إنتليجنس، إلى أن توقعات الإجماع لعام 2025 بنمو القروض السعودية بنسبة 13% “قد لا تتحقق”. وأضاف أن خفض أسعار الفائدة قد يساعد، لكن الفائدة من ذلك قد تتلاشى بسبب شح السيولة.
يذكر أن "بلومبيرغ" كانت قد تطرقت، في تقرير سابق لها، إلى المستوى الذي بلغه العجز في الميزانية السعودية والذي تقدّر قيمته بـ 65.3 مليار دولار، لاقتصاد يبلغ حجمه نحو 1.1 تريليون دولار.
أشارت الوكالة إلى ما تعانيه “السعودية” من انخفاض أسعار النفط وارتفاع الإنفاق على المشاريع مثل “نيوم” التي يديرها الصندوق السيادي. فقد هبط سعر خام برنت أكثر من 12% هذا العام إلى ما دون 66 دولاراً للبرميل، بينما تحتاج “السعودية” إلى سعر يقارب 94 دولاراً لمعادلة الميزانية، و111 دولاراً عن احتساب الإنفاق المحلي للصندوق.
ورغم الضغوط، تواصل “السعودية” سياسة الاقتراض، إذ جمعت نحو 20 مليار دولار من السندات الدولارية والأوروبية هذا العام، وتستعد لإصدار أول سندات خضراء مقومة باليورو. وفي المقابل، يواصل صندوق الاستثمارات العامة ضخ الأموال في قطاعات الأولوية، إذ أنفق العام الماضي نحو 57 مليار دولار، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يستمر بإنفاق 40 مليار دولار سنوياً لدعم الاستثمارات المحلية والمشاريع الكبرى.
من جهتها، قالت وكالة موديز لخدمات المستثمرين إن “السعودية” تحقق تقدماً “غير متوازن” في تنفيذ مشاريعها الضخمة للبنية التحتية، بسبب تحديات تشمل القيود الهندسية، انخفاض الاستثمارات الخاصة، وتراجع أسعار النفط.
وأوضحت الوكالة أن “السعودية”، رغم استمرارها في المضي قدماً بخطة محمد بن سلمان للتحول الاقتصادي، المعروفة برؤية 2030، إلا أن الموازنة العامة ستواصل تسجيل عجز مالي في السنوات المقبلة نتيجة المفاضلات المالية. وكتب المحللون في موديز، ومن بينهم أشرف مدني، في مذكرة يوم الثلاثاء أن التوقعات تشير إلى استمرار هذه الفجوات. مشروع نيوم، الذي يمثل قلب البرنامج، يواجه تأخيرات في التسليم وصعوبات في البناء، بحسب تقارير بلومبرغ نيوز. ويشمل ذلك مشروع “تروجينا” الذي يضم منتجعاً للتزلج في الصحراء. كما طلب النظام السعودي من شركات استشارية إجراء مراجعة استراتيجية لمشروع “ذا لاين”، المدينة المستقبلية ضمن نيوم، لتقييم جدواه، بحسب ما ذكرته بلومبرغ في يوليو الماضي.
وقالت موديز: “الصعوبات الهندسية أعاقت التقدم في بناء مدينة نيوم على وجه الخصوص، بسبب حجم المشروع وتعقيده”، مضيفة أن “تمويل المشاريع يتأثر أيضاً بتراجع أسعار النفط واستمرار خفض الإنتاج”.
النظام ضاعف أكثر من مرتين توقعاته لعجز الموازنة هذا العام، ويتوقع أن يستمر العجز حتى عام 2028 على الأقل، وفقاً لأرقام أولية.
ورغم مرور نحو عقد على إطلاق رؤية 2030، فما يزال النظام السعودي يعتمد على إيرادات النفط بمستوى مماثل تقريباً لما كان عليه عام 2016، بل تعمّق أكثر في بعض المقاييس.
وبالإضافة إلى انخفاض أسعار النفط بنسبة 12% منذ بداية العام، فإن تباطؤ تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر وضعف التمويل من القطاع الخاص يُنظر إليهما كعوائق أمام تقدم المشاريع.
ارسال التعليق