
أخبار البلد في أسبوع: من 2025-10-04 إلى 2025-10-10
في خضم استعراضات الترفيه الباذخة التي تهدف إلى “تبييض” الصورة الدولية، تستمر المملكة العربية السعودية في تعميق أجندتها القمعية محلياً، حيث باتت السنوات الأخيرة مسرحاً لجرائم دولة ترتدي ثوب التحديث.
أسبوع واحد من الرصد كشف عن تناقض صارخ بين الوعود الاقتصادية الكبرى وواقع يزداد فيه إهدار الموارد الوطنية، وتصاعد لحملات تكميم الأفواه، وتوثيق لحالات استغلال ممنهج للعمالة، بالتوازي مع استمرار آلة الإعدام في العمل بأقصى سرعة.
هذه التقارير ترسم مشهداً للنظام السعودي الذي يرسخ سلطته بالخوف والمال، متجاهلاً كرامة مواطنيه والمقيمين على حدٍ سواء.
القمع الدموي وتصفية الحسابات السياسية
تؤكد الأرقام الصادرة عن المنظمات الحقوقية أن عام 2025 يتجه نحو تحطيم الأرقام القياسية السلبية للمملكة في مجال الإعدامات.
حتى التاسع من أكتوبر، أُعلن عن 292 حالة إعدام، متجاوزة بذلك منتصف الطريق نحو تجاوز رقم 345 حالة المسجل في العام السابق.
هذه الإحصائيات ليست مجرد أرقام مجردة؛ هي دليل على تحول القضاء إلى أداة تنفيذية طيعة في يد السلطة.
قضاء العسس: المحكمة الجزائية المتخصصة، التي كان من المفترض أن تكون مختصة بالجرائم الإرهابية، تحولت إلى منصة لتصفية الحسابات السياسية. يظهر هذا جلياً في متابعة قضايا فكرية ودينية، مثل مصير الداعية سلمان العودة والباحث حسن فرحان المالكي اللذين يواجهان أحكاماً قد تصل إلى الإعدام بتهم فضفاضة. حتى الإعلام لم يسلم، حيث أُعدم الصحفي تركي الجاسر بعد سنوات من الاختفاء القسري بتهم تتعلق بالتعبير.الجرائم ضد القُصّر: رغم إعلان النظام سابقاً عن وقف الإعدامات بحق من ارتكبوا جرائم وهم قُصّر، جاء إعدام الشاب جلال اللباد في 21 أغسطس 2025 ليُنسف هذا الادعاء بالكامل. هذا التناقض الفاضح يكشف ازدواجية النظام في التعامل مع المعايير الدولية، بينما لا يزال مئات آخرون، مثل عبدالله الدرازي، يواجهون خطر التنفيذ الوشيك.تغييب الأصوات الدينية: يلاحق القمع رموز المؤسسة الدينية المستقلة. فقد تم تهميش الشيخ صالح الفوزان وتقليص نفوذه، كما تم تتبع الفقيه السيد هاشم الشخص في المنطقة الشرقية، مما يؤكد استراتيجية محمد بن سلمان لـ"اغتصاب المشهد الديني" واستخدامه كأداة للنفوذ الخارجي تماشياً مع المصالح الغربية، مع محاولة إخضاع كل صوت مستقل.الفساد المالي وتناقض المشاريع العملاقة
بينما يتم ضخ المليارات في مشاريع الترفيه، تتكشف مؤشرات اقتصادية مقلقة تشير إلى أن هذا الصرف يغطي على فشل هيكلي وفساد مالي متأصل.
تعثر الرؤية المالية: تقارير وكالات التصنيف تشير إلى أن المشاريع العملاقة، التي هي حجر الزاوية في “رؤية 2030”، مثل “نيوم” و"ذا لاين"، تواجه “تقدماً غير متكافئ” بسبب قيود هندسية وفتور في مشاركة القطاع الخاص. هذا يعني أن الاعتماد المالي يتركز بالكامل على صندوق الاستثمارات العامة (PIF)، مما يُحوّله إلى ممول عام، ويهدد بتراكم مخاطر التمركز المالي. التقديرات تشير إلى أن عجز 2025 قد يصل إلى 5.3% من الناتج، مما يضع عبئاً على الموازنة العامة في ظل أسعار نفط لا تلبي سعر التعادل المطلوب.إهدار الموارد عبر التسليح: تُخصص المملكة أكثر من 78 مليار دولار للإنفاق العسكري، في سباق تسلح باهظ الثمن. هذا الإنفاق الضخم يُنظر إليه من قبل المنتقدين كأولوية على حساب التنمية الاجتماعية والخدمات الحيوية للمواطنين، مما يمثل إهداراً للموارد لتعزيز النفوذ الإقليمي بدلاً من تحقيق الأمن المعيشي الداخلي.الاستغلال الممنهج للعمالة: يكشف تقرير دولي صادر عن مركز موارد الأعمال وحقوق الإنسان أن مشاريع الطاقة المتجددة السعودية، التي تسوقها الرياض كـ"تحول أخضر"، مبنية على “العمل القسري”. أكثر من 53% من العمال المهاجرين (خاصة من نيبال وبنغلاديش) أفادوا بتعرضهم لمؤشرات العمل القسري، بما في ذلك مصادرة جوازات السفر والديون المفرطة. شركات عالمية ومالية دولية ضخمة متورطة بشكل مباشر أو غير مباشر في هذه السلاسل الملوثة. كما أشارت تقارير إلى استغلال عمال في شركات كبرى مثل “أمازون” بـ 12 ساعة عمل يومياً وسكن غير لائق، مقابل أجور لا تتجاوز 300 دولار شهرياً لبعض العمال.
الانحلال الاجتماعي وتضارب الأولويات
تتضح سياسة “القرار العبثي” المتمثلة في استخدام الترفيه كـ"قناع" يغطي على القمع، مما يثير الاستهجان حتى بين شرائح المجتمع.
الترفيه كإلهاء: يُنفق الملايين على فعاليات مثل “موسم الرياض 2025” و"مهرجان الكوميديا"، في محاولة لخلق خطاب موازٍ ومشتت للانتباه عن القمع. هذا الاستعراض الترفيهي يُنظر إليه على أنه “خداع وتسلية على حساب الحرية”، خاصة وأن مهرجانات الكوميديا تثير أحياناً “الضحك” على قضايا حساسة (مثل الإشارة إلى “نكات عن الشذوذ”)، بينما يتم قمع أبسط أشكال النقد الجاد.الاستفزاز الطبقي: أثارت تصريحات رجل الأعمال يزيد الراجحي من داخل طائرته الخاصة، والتي تحدث فيها عن الصبر والاجتهاد، سخطاً واسعاً بين السعوديين الذين يعانون ضغوطاً اقتصادية، مما يمثل استفزازاً صارخاً للفجوة بين النخبة الحاكمة والطبقات التي تُركت لتواجه الفشل الاقتصادي.الفساد الدبلوماسي والأخلاقي: كشفت فضيحة سفير سعودي وملكة جمال بنغلاديش عن مستوى من السلوكيات التي يُحاول النظام التغطية عليها إعلامياً، بالتوازي مع قضايا تتعلق بتبديل جثث المتوفين في مستشفيات الرس، مما يدل على انهيار في مستوى الرقابة الإدارية والمساءلة على كافة المستويات.
تسويق النفوذ والدور الخارجي
في الجانب الخارجي، تستمر محاولات ترسيخ النفوذ الإقليمي عبر مسارين:
التبعية لواشنطن: تظهر التقارير أن علاقة محمد بن سلمان بـ"إدارة ترامب" كانت علاقة “تابع وسيد”، حيث استخدمت السعودية كأداة لتمرير أجندات أمريكية، مما يقلل من استقلاليتها السيادية.التطبيع المُغلف: تُعقد لقاءات خلف الأبواب المغلقة، مثل لقاءات مراكش والعُلا، تمهيداً لتغييرات استراتيجية قد تقود إلى “تطبيع مغلف بالمصالح” على غرار النموذج المغربي، وذلك لتأمين مكاسب سياسية واقتصادية بعيداً عن الضجيج الشعبي.استقطاب التكنولوجيا والسلطة الناعمة: تظهر محاولات استقطاب شخصيات عالمية بارزة مثل ترافيس كالانيك (مؤسس أوبر) عبر منحه الجنسية السعودية، مما يعكس سياسة استبدال الاعتماد على الخبرات المحلية بـ"الخبراء المستجلبين" لتعزيز الواجهة التكنولوجية والرؤيوية.
الخاتمة: تحليل استدامة القمع والفساد
إن استمرار القمع والفساد في المملكة لا يمثل نتيجة لحوادث فردية، بل هو العقيدة الأساسية لترسيخ سلطة محمد بن سلمان الفردية.
الاستدامة قائمة على تكتيكين متكاملين:
السيطرة المطلقة على الرواية الداخلية: يتم ذلك عبر استخدام أجهزة القضاء والأمن لنشر الخوف الجماعي (عبر الإعدامات المكثفة) والتشتيت الترفيهي (عبر مواسم الترفيه الضخمة). يهدف النظام إلى حرق أي بديل سياسي أو فكري، وضمان أن كل حركة شعبية تُفسر تلقائياً على أنها تهديد للأمن القومي، مما يوفر الغطاء القانوني للقمع.التوظيف الفعّال لرأس المال في الخارج: يتم استخدام الثروات الضخمة، سواء من عائدات النفط أو عبر “تبييض” الأموال عبر الاستثمارات العالمية (مثل صفقة EA أو الاستحواذ على النفوذ في تويتر/إكس)، لتحقيق هدفين: بناء صورة عالمية براقة (كبلد حديث ومتحول)، وتأمين شراكات دولية تحمي النظام من المساءلة الدولية الفعالة.ببساطة، القمع يغذي الفساد، والفساد يموّل القمع، وكلاهما يهدف إلى تخدير وتخويف الشعب لإبعادهم عن حقوقهم الأساسية والتركيز على ولائهم المطلق لشخص ولي العهد طالما ظلت الدول الكبرى تفضل المصالح الاقتصادية على حساب حقوق الإنسان، وطالما استمر النظام في ربط مصداقيته بمشاريع الترفيه والإبهار، فإن هذا المشهد المزدوج من الدم والترفيه سيستمر كمرتكز لاستدامة الحكم.
الكاتب : حركة الحرية والتغيير
ارسال التعليق